أبحث عن موضوع

السبت، 5 يونيو 2021

تحليل نقدي لقصة القاص العراقي جاسم خلف فلحي "العلة"............ بقلم : علي البدر // العراق





1) القصة:

             ان ما يشعر به ويفكر كان في حدود مكشوفة وظنون واضحة. نعم هناك عوائق يراها لكن لا يمتلك أزاءها المقابل. فعلاقته مع زوجته كانت أشبه بالغموض الذي يكتنفه الحياء. كانت واضحة تلك الألام عليها. تنتابها بين الحين والآخر. عرضها على عدة أطباء لكن لا تغير. تتألم في الليل. يظل جنبها يحاول التخفيف والمساعدة قدر الإمكان. وربما أنزوى عنها يراجع ما يراه مع نفسه. قد يتحمل الجزء الأكبر من باب صحوة حقيقية وصادقة مع +بواطن نفسه. وأذا أراد الصراحة فهو حتما سيتوغل لأعماق التفاصيل والتي هي في غير صالحه بكل تأكيد.أنه خال الوفاض من تلك المتعلقات التي تهدر عزيمة ورغبة.وتجعل الليالي بالأنتظار الدائم. لقد أدركه الضعف. توارت عنه الرغبة منذ سنين. حاول عدة مرات ألا أن الإخفاق يحط عليه على الدوام .من هنا بدأت ظنونه تترنح بين صدق وخيال.يحاول الجمع بينهما حتى يسلك الطريق الواضح. لكن تردده يزداد وأرتباكه يتعاظم. أقترحت عليه إحدى قريباته أن يأخذها للشيخ(مهباد) فهو الوحيد الذي يشخص العلة المستعصية ما دام عجز الأطباء عنها.في اليوم التالي كان معها في غرفة الأنتظار. ثم دخلا على الشيخ. والذي أقترب منها. كانت ممددة على السرير. وضع يده على رأسها ثم أبتدأ ينتقل لأجزاء أخرى من الجسد والذي بدا أنه يستقبل تلك اللمسات بأثارة لم تخف على الشيخ. وضع يده بيدها. وتأخر فقد أحست بالدفء وكأنها ترغب أن يستمر. أدرك ما يدور بخلدها فنظراتها أوضحت أحاسيسها. تمادى

 لتحريك يده بأثارة وقد أحست .كانت تجيبه بحركات مماثلة. قال الشيخ. :

- عليك أن تأتي صباح الغد.

      نهضت بقوة غير متوقعة. تفاجأ الزوج بل شعر أن ثمة تحسن سيأتي بواسطة هذا الشيخ.وما عزز ذلك أنها تلك الليلة لم تعاني كما في الليالي السابقة. بل بدت متوازنة. كان ذلك مدعاة لأن يشعر بذنب وقد بدا واضحا. لكن تجاهل كالعادة. في صباح اليوم التالي ذهبت مع تلك القريبة. هذه المرة كان الحديث مع الشيخ يأخذ منحنيات عديدة. وأيضاح كان مدفونا في خانات الحيطة والحذر.ولم يتوان الشيخ بأعادة ملحمة مسك اليد.بطريقة واضحة لا لبس فيها أو غموض. كانا لوحدهما كانت القريبة في الغرفة الأخرى. تمادى بتنقلات يده المثيرة.وهي كانت من ترسم بخيالها المسارات. أندمجا معا في خلوة أوضحت الهيجان الذي كان في وقفة قاسية. فتحركت تلك الخفايا تعلن سطوة الوجود والتهام الفرص السانحة. أكتملت باهات متبادلة وتشنجات متعجلة. ليهمد ذلك الجبروت ويهدأ. لم يخف على الزوج ما يراه من دلائل فقد كانت واضحة. ظل يتقلب على فراشه. ينظر إليها نائمة باسمة مطمئنة(وكأنه غير وجود).ادرك المسببات وعرف تفاصيل الألام فعمد الى مواجهة خيباته وعدم الوقوع في الثقيل من الشكوك. في الصباح الباكر وفرت له الكثير من الوقت والجهد حين قالت:

-أريد الطلاق.

أبتسم قال هادئا :

- يد الشيخ اهتدت للعلة تماما.

بعد أشهر كان في المقهى حين شاهد زفة عرس. كانت عدة مركبات وهناك من قال.:

_ لقد تزوج الشيخ من إحدى زبائنه.

أطرق إلى الأرض. ثم نهض يجوب الطرقات. بعدها دخل بيته.استلقى على سريره.


2) ألتحليل النقدي:

لتفكيك هكذا علة، لقاصٍ نحت كلماتِهِ وصاغ جمله بمنتهى الحذر والتروي فبات النص كمسارٍ ملغوم بتورية وغموض ambiguity تناوله القاص بصورة حذرة نظراً لحساسيىة معالجة العلة بهكذا نص مقتضب. وقد فسح المجال لنا للتأويل وإعادة صياغة جمله لإظهار المعنى المخفي hidden meaning. وأرى أن المتلقي مجبرٌ على مشاركة القاص والدخول لعمق النص. نحن إذن أمامَ نصٍّ غير إعتيادي، وعليه فالتحليل لابد أن يجانب هذا المستوى. وبالنتيجة فقد ارتأيت أن أبدأ من النهاية.

- أريد الطلاق.

- ابتسم هادئاً. يد الشيخ اهتدت للعلة تماماً.

- بعد أشهر، كان في المقهى حين شاهد زفة عرس. كانت عدة مركبات وهناك من قال: لقد تزوج الشيخ من إحدى زبائنه. أطرق إلى الأرض، ثم نهض يجوب الطرقات. بعدها دخل بيته. إستلقى على سريره.

ولابد للطلاق من سبب! " نعم....فعلاقته مع زوجته كانت أشبه بالغموض الذي يكتنفه الحياء.". والحياء هنا يخصه. يفهم ويعي السبب ولكن ليست من السهولة مناقشة تفاصيله معها. و"كانت واضحة تلك الآلام عليها. تنتابها بين الحين والآخر.". ياترى.. مانوع هذه الآلام؟ نحاول البحث والتقصي. لاشيء سوى ومضة مضيئة flash point. "... تتألم في الليل." هذا رائع ولكننا بحاجة إلى المزيد ونتسائل: لماذا في الليل تظهر معاناتها؟ وما هو دوره في التخفيف عنها؟ وهل يقدر؟ لن يتركها بالتأكيد فهو " يظل جنبها، يحاول التخفيف والمساعدة قدر الإمكان..". وهنا نلاحظ مدى خبرة وذكاء القاص عندما سرب عبارة " قدر الإمكان..".

هناك عدم قدرة إذن وإن جانَبْنا الوضوح نقول بأن هناك عجزاً في التخفيف عن معاناتها وإن ابتعدنا عن لغة السرد قليلاً فإن العجز الجنسي sexual dysfunction  كمصطلح طبي قد يكون مناسباً، وفي كل الأمور نحن بحاجة للمزيد. "... لقد أدركه الضعف. توارت عنه الرغبة منذ سنين..". ونتساءل أيضاً عن ماهية الرغبة فيكون الجواب ".. حاول عدة مرات إلاّ أن الإخفاق يحط عليه على الدوام..". ألظاهرة قديمة لكنها بالأصل غير موجودة منذ البداية، ويبدو أن العجزَ وَلَّدَ فتوراً بين الزوجين، وبدت معاناة الزوجة واضحة وقد رسخها عدم وجود التفاهم الذي أضعف بوادر الروابط النفسية الروحية التى يفترض أن تجمعهما. وهنا اقترحَتْ إحدى قريباته أن يأخذها للشيخ (مهباد) فهو الوحيد الذي يشخص العلة المستعصية أمام عجز الأطباء عنها..". "... دخلا على الشيخ الذي اقترب منها. كانت ممددة على السرير. وضع يده على رأسها ثم أبتدأ ينتقل لأجزاء أخرى من الجسد والذي بدا أنه يستقبل تلك اللمسات بإثارة لم تخفِ على الشيخ. وضع يده بيدها. وتأخر، فقد أحست بالدفء وكأنها ترغب أن يستمر. أدرك ما يدور بخلدها فنظراتها أوضحت أحاسيسها. تمادى لتحريك يده بأثارة، وقد أحست .كانت تجيبه بحركات مماثلة."

ونلاحظ كيفية استدراج الشيخ لها، ويبدو أنه يمتلك خبرة جيدة حيث أيقن أنه لابد ان تأتيه ثانية ليكمل مشواره. ولمجرد أن طلب رؤيتها غداً "نهضت بقوة غير متوقعة" مما دعى زوجها أن يتصور أن " ثمة تحسن سيأتي بواسطة هذا الشيخ."، خاصة أنها " لم تعاني كما في الليالي السابقة، بل بدت متوازنة.". وحالة التوازن هذه جعلت زوجها " يشعر بذنب قد بدا واضحاً..."، وبالنتيجة وافق على ذهابها " مع تلك القريبة..." حيث استمر الشيخ بتصرفه و"... كانا لوحدهما في الغرفة وتمادى بتنقلات يده المثيرة....". وعندما نامت في فراشها بالليل، كانت " باسمة مطمئنة وكأنه غير موجود بينما ظلَّ الزوج يتقلب على فراشه ينظر إليها... وفي الصباح الباكر وفرت له الكثير من الوقت والجهد حين قالت:

- أريد الطلاق. ابتسم هادئاً وقال: " يدُ الشيخ اهتدت للعلة تماماً..... ".

وكأية مشكلة نواجهها نحن أو بالاحرى من يحاول حلها، لابد أن يفترض بعض الفروض. والفرض الرئيسي الذي يحرك ثيمة القصة theme، هو العجز الجنسي للرجل منذ سنين ولا نعلم أهو بسبب تفاوت العمر، كأن يصل الرجل إليه والزوجة في عنفوانها أو وجود خلل فسلجي بالزوج منذ البداية. ويبدو من سياق النص أن العجز بدأ لاحقاَ وسبَّبَ بعض المعاناة للطرفين والفتور في علاقتهما الزوجية. إن "الغموض الذي يكتنفه الحياء" ولَّدَ فتوراً وبروداً وردَّ فعلٍ بطيءٍ من الزوج اتجاه زوجته، وهذا أحد أسباب معاناتها النفسية والجسدية، وبدا لنا بأن الزوجة هي سبب المشكلة بينما الواقع يتحملها الإثنان. وعندما يتقدم العمر تضعف الدوافع بالطرفين وهذا يقع ضمن التوازن الطبيعي للحياة حيث الحفاظ على الكيان الأسري الطبيعي. وإن أشرنا بتحمل الإثنين للمسؤولية، فهذا لايعني بالتساوي. ومن دراستي للنص وجدت أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الزوج حيث اتصافه باليأس والبرود الذي أصبح مألوفاً بدلالة إحساسه بالذنب وموافقته الذهاب إلى الشيخ (مهباد). إن هذه الموافقة دلالة على عدم نضج الزوج وغيرته على زوجته، عندما ذهب معها ودخلا غرفة الشيخ الذي جعل الزوجة مستلقية بوجود زوجها الذي لم يبدُ عليه الإشمئزاز والرفض وعليه فقد تمَّ استدراجها وإثارة كوامنها المكبوته repressed desires. والغريب في الأمر أنه يوافق على ذهابها مع قريبته لوحدهما في اليوم الثاني. أيُّ غيرةٍ يمتلكها هذا الزوج؟ كان من الأولى أن يراجع هو

 الطبيب لا أن يكتفي بمراقبة زوجته في الفراش وهو بيأس تام.

وعندما قرر الشيخ ان تأتي في اليوم الثاني، تصور الزوج أن " ثمة تحسن سيأتي بواسطة هذا الشيخ."، خاصة أنها " لم تعاني كما في الليالي السابقة، بل بدت متوازنة.". وحالة التوازن هذه جعلت زوجها " يشعر بذنب قد بدا واضحاً...". وهذا أمر خطر يهدد العلاقة الزوجية. ياترى ما هو نوع الذنب الذي يشعر به الزوج؟ كان الأولى أن ينتفض ولايسمح بالتمادي واستغلال ضعف الزوجة أمامه والشيخ " ينتقل لأجزاء أخرى من الجسد والذي بدا أنه يستقبل تلك اللمسات بأثارة لم تخف على الشيخ. وضع يده بيدها. وتأخر، فقد أحست بالدفء وكأنها ترغب أن يستمر... وعندما نامت في فراشها بالليل، كانت " باسمة مطمئنة وكأنه غير موجود بينما ظلَّ الزوج يتقلب على فراشه ينظر إليها..." إن هذا الإطمئنان وتجاهل الزوج يدل على قرار قد اتخذ من قبلها. والغريب أن الزوج "عمد على مواجهة خيباته وعدم الوقوع في الثقيل من الشكوك." من هنا يبدو أن شكوكه خفيفة بعد أن بات تساهله غير معقول في عرف الحياة الزوجية. وقد يتصور البعض أن الزوج غافل ولم يفهم تصرف الشيخ اللاأخلاقي وسكوت زوجته، لكن الواقع عكس ذلك. فعندما طلبت منه الطلاق وبكل صلافة قال لها مبتسماً وبمنتهى البرود: " يدُ الشيخِ اهتدت للعلة تماما." والغريب أن يدَ الشيخِ قد مرت على جسدها وتحسسته منذ اليوم الأول عندما دخلا الغرفة معاً.

إن تصرف الشيخ اللاإخلاقي وطريقته بالإستدراج قد ذكرني برواية "لوليتا" للكاتب الروسي (فلاديمير نابوكوف) حيث يستدرج بطل الرواية واسمه (همبرت همبرت)، بنتاً قاصرة بطريقة خسيسة من أجل الوصول إلى نهاية المطاف وهو إغتصابها. وقد اضطر الكاتب إلى طباعتها خارج الإتحاد السوفيتي في وقتها نظراً لإسلوبها الفاضح والمكشوف. والفارق هنا أن الطفلة كانت عنيدة في البداية، وهذا لم نلاحظه في قصتنا هذه مع الزوجة التي "نامت في فراشها باسمة مطمئنة.."

ومن خلال ما تقدم، لا يعني أننا نتعاطف مع الزوجة وإنما العكس. إنها زوجة خائنة لقدسية الحياة الزوجية وكان لها أن تطلب الطلاق مسبقا. وسلوكها هذا يدل على انحراف أخلاقي يهدد الروابط الأسرية ولا يتحمل أية مبررات لتبرءة الزوجة التي ساهم الزوج بإشعال بوادر الإنحراف وكسر قيود الحياة الزوجية. إن ضعف بعض الغرائز والأحاسيس والرغبة بإشباعها طبيعي في الكائن الحي مقابل زيادة في عمق انفعالات أخرى كالحب والإعتناء الأسري وغيرها.. وقد طرح القاص هذه القصة بأسلوب مقتدر ومهذب ولابد أنه تأنى كثيراً في صياغة جمله واختيار ما هو غير مخدش مبتعداً عن أسلوب (نابوكوف) وغيرهم من بعض الكتاب في الأقطار العربية. وللحقيقة أقول أن ألسرد العراقي يتصف دائما بالرقي الفكري والقيمي.

إن اختيار "ألعلة" كعتبة للقصة كان اختياراً ذكياً، وعند تفحصنا للنص نرى أن هذه "العلة" مغروسة في مجمل تفاصيل السرد. "ظنون واضحة...وعوائق يراها لكن لا يمتلك إزاءها مقابل". بهذه الإشارة وبالحقيقة التلميحة hint يبدأ القاص جاسم خلف فلحي القصة. "...وعلاقته مع زوجته كانت أشبه بالغموض.."، وهنا نلاحظ تتابع الإشكاليات التي وُضِعنا فيها، فبدا الإصرار على جعلنا وسط هذا الغموض وبالحقيقة وسط هذه العلة قصدياً. وهذا بالطبع مسارٌ يعكس تكنيكاً لافتاً يحرك وبفعالية مفاصل السرد الذي جاء انسياباً بدا الحذر في الطرح في معظم مفاصله، مع حوار مقتضب dialogue. إنَّ زوجاً بهذا النمط ،من أكبر العلل كما أن زوجة بهذه العقلية والتساهل علة أيضاً. وياترى.. هل أنهى الطلاق وانفصال الزوجين العلة؟ وللإجابة لابد أن نتابع حالة الزوج "بعد أشهر كان في المقهى حين شاهد زفة عرس. كانت عدة مركبات وهناك من قال: لقد تزوج الشيخ من إحدى زبائنه.".

وإن كان الطلاق أسلوباً لحل مشكلة ما، فلا بد أن تكون وسائل الوصول إلية مقبولة. ويبدو أن الزوجة ستواجه علة أكبر مع الشيخ الذي، وكما يبدو، قد تَعَوَّدَ ممارساته هذه . وعند إشباع غريزة معينة لا يعني نهاية المطاف وقد يكون القادم ندماً وتأنيباً للضمير وهذه علة أبدية. ويبقى الزوجُ بعلته المتأصلة حائراً بعض الوقت ومشتت الذهن "يجوب الطرقات.."، لكنه في النهاية لابد أن يستقر ويخضع للواقع ويستلقي "على سريره"، حيث يتخلصُ من إحراجٍ يوميٍ فشلَ في معالجته جَسدياً ونفسياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق