أبحث عن موضوع

الأحد، 6 يونيو 2021

قصة قصيرة ( إختفاء الضوء )............... بقلم : صباح خلف عباس // العراق

 







قبل وفاتها بأيام سألت ( جدتي) ، مازحاً : 

—- أأحببتِ في صباك …؟؟ أكان جدي ؟؟ 

فقالت : 

—  نعم أحببت … ولكن لم يك جدك ….   ثم أردفت :

— لامعنى للحب إن لم يُصحبه قليل من الجنون …

قلت لها :

— أنا صاغ جدتي ، أنا أُحبُ الجنون …

ضحكت باستحياء ، ثم تابعت : 

— أولا أُريد قلباً أحكي له ما اشاء ، وهو صاغ لي بإهتمام … والاّ تخبر أحدا ً بسري قبل أن أموت … وتابعت جدتي حديثها :

( كان عمري ستة عشر عاماً ، ومنذ ذلك الوقت دُفن السّر والألم باعماقي … حتى أصبح غطاءً لأنسجتي ،. وعضلاتي … ، نعم ، كان ذلك الفتى اللطيف ، وإن كان متهوراً ،فهو  ايضاً كان ذكياً  ومرحاً ، ووسيماً جداً  …  عندما كان ينظر اليّ كنت أذوب كالكعكة الطرية ، وكان ذلك مذهلاً ، ويبدو إن ذلك الشاب القمر  قد أخذ كل أمنياتي وأحاسيسي … والتقينا قرب بيتنا أول مرة 

مال اليّ وقبلني ، وأنا قبلته كذلك ، تحت ضوء القمر … وبمجرد أن أنتهيت من تقبيله ركضت داخل البيت … وأغلقت الباب  ، رقصت … ورقصت فرحة…

أتصل بيّ في اليوم التالي ، عن طريق ابنة الجيران ، لكني لم اجبه…ولم أرد له خبراً … لأنني بكل بساطة كنتُ مرعوبة جداً … وذهبت الى الفراش، وحلمت بتلك القبلة… فكرتُ بها كل ليلة ، كل صباح وكل مساء ، حاول مرات عديدة ولكني كنت شديدة التوتر ،لقبول تواصله ،… 

ثم تابعت جدتي ، وأنا مصغ تماما : 

أظنّ أنني لم أرده ان يقول إنه كان مخطئاً ، او يُعطيني فكرة سيئة عن نفسه … بل كنت أُحاول أن اتشجع ، وأن أُجيبه على الأقل ، كنت أُريد أن أُخبره :

— إنها كانت قُبلة رائعة …وربما ، وربما علينا تكرارها 

كنت أُفكر بتلك القُبلة كل ليلة… وكيف جعلتني أشعر بالكمال … وإني سأعاود الاتصال به …  ولم أتواصل … وظلت تلك القُبلة الوحيدة غذائي لسنوات طويلة ، وكأنها وشمت على شفاهي … حتى بعد زواجي من جدك … ظلت ملتصقة في عقلي وقلبي ، ولم أستطع نسيانها ،وإنها ستبقى الى ابد الآبدين …

ثم تنهدت وتابعت :

رأيته ذات يوم في السوق بعد عشرات من السنين …عرفته ، ضحكتُ… لقد نظر اليّ هو الأخر وأبتسم … أبتسم لي بدوره ،  فلوّحتُ له بيدي ، فلوّح بدوره … بعدها جاءت امرأة ، وضعت يدها على كتفه ، ومن ثم طفلان صغيران، بل ثلاثة أطفال صغار … صبيان وفتاة ،أمسكوا بساقه يتصايحون  ( ابي … ابي أيمكننا شراء تلك الكرة ) ٠

إنها زوجته بكل تأكيد …أطرقتُ الى الأرض ثم نظرت الى نفسي عبر زجاج نافذة سيارة متوقفة قربي … فرأيت تجاعيد وجهي …كانت يداي متهدلتين … 

لديّ دوالي في ساقيّ … ولدي أجزاء متكتلة ،. البعض الاخر مقشرة ، وشعري كالقطن … كنت في الستين من عمري ، وهو كذلك ،بدا رجل أشيب ، ويبدو ضعيفاً جداً …ظهره محدودب ، وكأنني فقدت تمييز الوقت نسيت الزمن عندما تقابلنا وجهاً لوجه ، ولكنه استبق الامور وقدمني الى زوجته ، بدت غير مهتمة بيّ ، أظنّ إنها كانت ستكون أكثر  إهتماما بيّ لو عرفت كم كان مهتماً لعشقي ، لو علمت كم كان يعني بالنسبة لي ٠ 

وفكرت حينها ( كان عليّ الاجابة عليه ذلك اليوم ، قبل خمسين عاما … ، وفكرت لِمَ  أنا كنت خائفة ؟؟

 دمعت عينا جدتي ، ويبدو لي إنها رجعت الى الوراء ستين عاماً ، وعلمت أن جدي لا يعني لها شيئا ، وأن قلبها كان ولايزال مع ذلك الفتى اشعث الشعر …

وإن حبها  لم يمت إطلاقاً……

—-  هذا غير عادل يا جدتي … 

قلت لها ذلك …تركتها منكسرة ،ولعنتُ تلك السنين التي أخذت صحتها ولم تأخذ ذكرياتها ،

أنا الان بحاجة لإيقاف نزيف قلبي …لم أنم تلك الليلة ،بل بقيت أنسج من خيالي نهاية سعيدة لها حيث شعرت بأني سرقت  أعزّ مالديها ٠

—   رحمك الله جدتي …وآسف لإن وقتنا معاً كان قصيراً ، وإن سُرك سيدفن معي ٠٠٠٠٠


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق