أبحث عن موضوع

السبت، 30 أبريل 2022

خاطرة .......... بقلم : عبد الله سكرية - مصر




على مدى عملي في مدرسة الراهبات ، كنت في مطبخ المدرسة أحضر القهوة لنفسي . عشر دقئق قبل دخولي الصف ؛ أحتسي شيئا مما صنعت وأدخل إلى العمل . بعد أن تمر بي الراهبة وتحييني تحية الصباح . وهكذا على مدى عشرين عاما . "وتلك أيام نداولها بين الناس "...
___________________ القهوة ...
_ القهوةُ من علائمِ حُسْنِ الضّيافة ِ ، وهيَ حَبيسةُ كلِّ بيتٍ ، يُفكُّ قَيدُها في ساعات ِالسّمرِ. الكلُّ يُحبُّها ، فتجالسُ الكبيرَ والصغيرَ، والغنيَّ والفقيرَ ، وحولَهاتَتـحلّقُ المولعاتُ بالغمزِ واللّمزِ ، فتراهنَّ يقدّمنْها على عَجَل ، بعْدَ أنْ ينتهيَ طبَقُ التبّولة ِأو السّفسوفِ . ومعَ الرّكوةِ تكتملُ الأحاديثُ ،وتطيبُ الغِيبةُ ..
_ وإذا كُنتَ مِمّنْ يُحسنون قراءةَ الفِنْجانِ ، صِرتَ مِنْ أَصحابِ الصُّحبَةِ المُبارَكةِ ، فمنْه البُشرى ، فلا زَوجَ يميلُ عن زوجِه ، والسَّعدُ قادمٌ على الطريق ِ، ويا لَها من صبيّةٍ فتيّة ٍتَنتظرُ فتى أَحلامِها ، وهو آتٍ على حصانِهِ العربيِّ الأبيضِ!.
_ والفنجانُ كاتمُ الأسرارِ ، وهو قرينُ العيونِ الجميلة، وها هوَ العاشقُ يقولُ :
يَشدّني إلى القهوةِ جاذبانْ :
ريحُها الطّيبُ ، وأنّ عينَيكِ في لونِها تَسبحانْ !..
فكيفَ لا تحبُّها الحسناواتُ إذًا ، وهي حِصانُ الأملِ ؟؟.
_ سُمّيَتْ قهوةً لأنّها تُقهي عن الطّعام ِ غيرَ أنَّها ،لِحلاوتِها ،لا تُقهي عن الأُنس . وليس غريبًا أن آنسَ بها معَ المكانِ ، وقد عشتُ معه رَدْحًا منَ الزّمنِ ؛ ففيه ألتقي آخرَ أَعوامِ شَبابي ، وفيه سارتْ بيَ سَنواتُ العمْرِ، وقد رسَمَت ْعلى وجهي خُطوطَها ، وترَكَتْ على صِدغيَّ أَلوانَها . وفي هذا المكانِ أرى مَن حَولي ، كثيرين ، وقد صاروا رجالًا وآباءً ، وصرْنَ نساءً وأمهاتٍ ، وقدْ طَبَعْتُ على قلوبِهم مَحبًّةً ، وعلى عقولِهم معارفَ وأدابًا ..
_ صارَ لي معَ القهوة جِلسة صباحيةٌ ، فيها الكثيرُ من الودِّ والتّفاهمِ .أطبخُها بيدي ، وأحتسي منها القليلَ ، وأشعرُ أنّني أَفي بالوعدِ معَها . وتمرُّ راهبةُ الدّيْرِ ، فتعرفُني من رائحتِها . تُلقي عليَّ تحيةَ الصّباحِ، وهي تَبتسمُ ، ولعلّها في حركتِها النّاعمةِ هذه ،تحاولُ فهمَ ما يَربطُني ، أنا المعلّمُ والمُربّي ، بهذا المكانِ الضّيّقِ ، مطبخِ المدرسةِ ؟..
_ لابدَّ أنّ رشْفةً منْها بلونِها المَهيبِ ، ورائحتِها الزّكيّةِ ، تشيلُ فيكَ انتعاشًا ونشاطًا ! لذلكَ ، صارَ لي معَ القهوةِ لقاءٌ كلَّ صباحٍ ، وكأنّني أصبحتُ مشدودًا لها بعاطفة ٍلا تخْلو مِنْ حُبٍّ أو طَرافةٍ !.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق