أبحث عن موضوع

السبت، 1 مايو 2021

نص تحت المجهر واضاءة نقدية لعدد من النقاد حول قصيدة في بلادي للشاعر : مصطفى الحاج حسين



* في بلادي ...*


                    شعر : مصطفى الحاج حسين .

في بلادي 

يحصدُ الفقراءُ

غلالَ الدّمِ

وتقطفُ النّساءُ

سِلالَ الدّمعِ

ويرضعُ الأطفالُ 

ُحليبَ الانفجاراتِ 

وتتزيّنُ الفتياتُ

بالشّحوبِ والارتجافِ

ويحملُ الرّجالُ على أكتافِهِمْ

جثَّةَ الخرابِ

في بلادي 

ترسلُ الشَّمسُ أشعَةَ الهلاكِ

وتتمترسُ الجبالُ

خلفَ المدافعِ

وتأوي العصافيرُ

إلى حجرِ النّارِ

في بلادي 

ننصبُ فخاً للقمرِ

نعلّقُهُ على عَمودِ الحقدِ

ونسلخُ عنهُ الضّوءَ

في بلادي 

يذبحُ الأخُ أخاهُ

بتهمةِ الخيانةِ

وتكونُ سكّينُهُ

يدَ الغريبِ

في بلادي 

صارَتِ الأشجارُ تورِقُ جثثاً

وصارَ النّهارُ يُطِلُّ

على الفاجعةِ 

وغدا النّدى

قطرانَ السّرابِ

في بلادي 

تفحَّمَ الهواءُ

وصارَ السّلامُ

رماداً

وعمَّ الانهيارُ

وتراكمَ السّخطُ

في صدرِ الغمامِ

في بلادي 

جفَّتْ خطواتُنا

وتحوَّلَ نبضُنا يباساً *.


                        مصطفى الحاج حسين .

                                إسطنبول

=====================================


/// الدكتور : العلمي الدريوش ..


                     هل يسخر منّا الشّعر ؟


               قراءة في قصيدة " في بلادي" 


               للشاعر مصطفى الحاج حسين.


   هل يمكن للشعر أن يدهشنا ويمتعنا وهو يصوّر أوضاعا متفحِّمة ما ترك فيها الحريق شيئا لم يمتد إليه لهيبه؟

قصيدة "في بلادي" للشاعر مصطفى الحاج حسين  دليل على هذا السحر العجيب الذي يمتلكه الشعر . فنحن أمام قصيدة موجعة ومؤلمة بشكل لا يصدق، ولكنها في نفس الوقت قصيدة لها جمالها النابع من هذا الوجع نفسه . فهل يسخر منَّا الشعر حين يعبر عن قبحنا بجماله؟ أم أن في جمال الشعر عزاء لنا وقد فقدنا كل شيء؟ ألم تكن لفن المأساة أو التراجيديا عند اليونان وظيفة التطهير (الكاثارسيس) ، ومن حق الشعر الذي تَقْطُر المأساةُ بين سطوره أن يستعيد وظيفته؟

   إنها أسئلة حادة بأبعاد فلسفية ووجودية عميقة حاصرتني وأنا أعيد قراءة قصيدة " في بلادي" لمصطفى الحاج. 

  انطلاقا من  العنوان باعتباره عتبة مهمة تبادرت إلى ذهني قصيدة الشاعر صلاح عبد الصبور "الناس في بلادي" ، وهي قصيدة تتحدث عن عام الجوع الذي صهر الفقراء والبسطاء الذين لم تدركهم رحمة السماء .. وقلتُ ربما تأتي القصيدة على شاكلتها.. وما أن تقدمتُ في قراءة النص حتى اكتشفتُ عالما أشد هولا وقتامة، فقد رأيت  بلدا كل ما فيه يحترق وكأننا أمام جحيم معمم لا يستثني شيئا.. وأصبح عام الجوع الذي صور  صلاح عبد الصبور تداعياته على الناس عاما عاديا. إننا أمام نص مأساوي أصبحت كل المآسي التي كتبت سابقا محاكاة باهتة له. 

يُصوّر الشاعر مصطفى الحاج حسين مشاهد فظيعة تحدث في بلده دون أن ينسى تحديد الزاوية الإنسانية التي سيقدم من خلالها ما ينقله. فقد اختار تصوير وضعية الفقراء في هذا الجحيم بالرغم من أن الجحيم لا يستثني أحدا .. وذلك راجع إلى كون الفقراء لا ناقة ولا جمل لهم في هذه الحرب التي تدور رحاها عليهم ، ولا يفهمون كل أسبابها وغاياتها . ولعل هذا ما يضاعف حجم المأساة. 

    لا مجال في هذه المحرقة الفظيعة للتوطئة والبحث عن نقطة ارتكاز لجلب انتباه القارئ،  بل إن القصيدة تنقض على حواسنا بشكل سريع بمجرد ما يفتح أمامنا باب الوطن : " في بلادي" ، ولذلك تندفع الأفعال والجمل القصيرة وكأنها قذائف لا تتركنا نلتقط الأنفاس:

يحصد الفقراء غلال الدّم

وتقطف النساء سلال الدّمع

ويرضع الأطفال حليب الانفجارات.......

الأفعال هنا في معظمها أفعال مضارعة تصوّر ما يجري في الحاضر .. وكم كانت هذه الأفعال عميقة ومزدوجة الدلالة.. فاللغة هنا مُنَبَّرَةٌ ومحمَّلة بازدواجية المعنى، وهذا يجعلها لغة تصويرية ساخرة وماكرة. فلنلاحظ هذه الأفعال: (يحصد، تقطف، يرضع، تتزين ، يحمل ، ترسل..) . إنها أفعال تخلق أفق انتظار  يوحي بموسم صيف يحمل المكافأة والبشائر والخير.. ولكن عندما نتأمل مفعولات هذه الأفعال نقف عند موسم غريب لا يشبه المواسم الاعتيادية.. هو موسم تحصد فيه سنابل الدّم  وتقطف النساء فيه سلال الدّمع بدل الورد أو الفواكه..إن طبيعة الإسناد الدلالي تعمق الشرخ بين ما يرسمه كل فعل من أفق احتمالي وبين ما يولده المفعول من خرق وصعق للتوقع.

  إنها الثورة التي تحولت مشهدا قبيحا مليئا بالسخرية. فالثورة التي يرجى منها تخليص الفقراء والمضطهدين من معاناتهم أتت لهم بغلال الدَّم وسلال الدموع وحليب الانفجارات .

لقد اختلَّ كل شيء في هذا البلد ! فالرجال الذين يفترض أن يحملوا على أكتافهم  السنابل يحملون جثث الخراب .. والشمس التي تبعث الدفء والحياة صارت شمسا ترسل أشعة الموت والهلاك.. والجبال التي كانت مصدر خير وهواء نقي وتحضن أطيب وألطف الناس صارت جبالا تقف وتتحصن خلف المدافع لأن سلاح الموت الغادر اجتاح السهول والهضاب والجبال.. وأمام زحف كل آليات الموت  القادم من الخارج في اتجاه الوطن وما فيه.. يفقد هذا الوطن كل شيء ويتحول فيه ما كان جميلا إلى جثث محترقة. كما أن الكل يتحمل نصيبا من الفاجعة.. ولهذا نلاحظ هيمنة أفعال تدل على الصيرورة في نهاية النص(صارت الأشجار/ صار النهار/غدا الندى/ صار السلام /عم/ تراكم). إنها صيرورة الثورة المزعومة التي حولت كيمياءها كل شيء  فأصبحت الأشجار تورق جثثا، والنهار يطل على الفاجعة، وغدا الندى قطران السراب.. فكانت النتيجة حتمية  ( جفّت خطواتنا وتحوّل نبضُنا يبَاساً ). هل هناك أقسى من هذا المآل؟!  

لم يكتف الشاعر بوصف المشهد الكبير بكل مافيه من هول وسواد.. بل حاول أن يضع أصابعه على مكمن الداء الذي يتمثل في تخوين المواطن لأخيه لمجرد اختلافه عنه .. وسيادة أخلاق قطاع الطرق على أخلاق الوطن بحيث صارت سكاكين ذبح الإخوة لبعضهم البعض سكاكين أجنبية.. ولا أحد يفر من محكمة الدم ما دامت تسكننا شريعة الغاب.  هكذا تحولت الثورة إرهابا أسودا تتحكم في إدارة خيوطه أيدي أجنبية. يقول الشاعر:

في بلادي 

ننصب فخا للقمر

نعلقه على عمود الحقد

ونسلخ عنه الضوء

في بلادي 

يذبح الأخ أخاه

بتهمة الخيانة..


  لقد تعمدت الوقوف أكثر عند المستوى الدلالي لأن الشاعر صاحب رسالة أراد إيصالها إلينا وهي ملتهبة.. فما تعرضت له بلاده كان مؤامرة كبرى، لكن للأسف شاركت في نسجها أيضا أياد داخلية كثيرة  استوطنها الحقد والكراهية والتعصب والجشع  ليجد فيها الأجنبي المتعدد الأيدي والوجوه فرصة لإحراق كل شيء في بلد كان جميلا وشامخا على مر العصور . 

  ويبدو واضحا أن الشاعر اختار معجما من الحياة اليومية بما فيه من بساطة وألفة لنقل رسالته. ولهذا كانت اللغة شفيفة وواضحة الدلالة، غير أن التمعن في المعجم يقودنا إلى إدراك عمق فني وجمالي خلف هذا الاختيار .. فمعظم ألفاظ النص مأخوذة من الطبيعة الخلابة لهذا البلد بموازاة معجم يرتبط بالفعل الإنساني. وكأننا أمام إنسان  يُبَدِّد كل الجمال الطبيعي الذي وهبه له بلده.. لقد قتَلوا الوطن بكل ما فيه من جمال وعمَّت لغة السلاح كل فضاءاته، وأصبح الهواء نسيما من الدخان والحرائق . وهذا يدل على انسجام كبير بين دلالات النص ومعجمه.

والنص كما نلاحظ بالرغم من نبرة الخطابة التي ترتفع بين سطوره يتميز بتوظيف صور بلاغية ارتكزت أساسا على الاستعارات والمجاز .. ومعظم الاستعارات مكنية . وهذه الصور بعضها  بسيط وبعضها مركب . فالصور البسيطة مثل : يحصد الفقراء غلال الدم / يرضع الأطفال حليب الانفجارات.. وهناك صور مركبة تقوم على النمو والامتداد لتتعالق داخل الصورة الكبرى صور بسيطة وجزئية. ومنها : (ننصب فخا للقمر نعلقه على عمود الحقد ونسلخ عنه الضوء). ومن أهم سمات الصورة في هذا النص أنها ذات أبعاد مادّية وحسّية لأن المأساة تمشي حيّة وتلتهم الناس،  والفاجعة تطالع كل أحاسيسنا من سمع وبصر وشم وذوق ولمس. ولعل المتمعن في الصور سيجد أنها في مجموعها لم تهمل حاسة من حواسنا ، بل جعلتنا نرى المأساة ونشمها ونسمع دويها ونلمس نارها الحارقة. و من زاوية مغايرة ، يمكن أن نعثر في النص على ما أسميه " الصورة الرحم" التي هي روح النص وجوهره، ومنه تنبثق باقي الصور وتصبح تنويعات دلالية لا تشذ عن ذلك الجوهر. والصورة الرحم على ما يبدو لي هي قول الشاعر:

"في بلادي 

صارت الأشجار تورق جثثا

وصار النهار يطل

على الفاجعة"

هذه الصورة هي النّواة والمركز الذي تدور في فلكه الصُّور الأخرى ( يحصد الفقراء غلال الدم/ تقطف النساء سلال الدمع/ يرضع الأطفال حليب الانفجارات/ننصب فخا للقمر/ نعلقه على عمود الحقد..). ويمكن أن نسمي هذه الصور الفرعية والتي هي تنويعات "صورا صدى" لأنها تردد أصداء (الصورة الرحم) وتوسع دائرتها وامتدادها.. وهذه الصور أيضا تخرج المعجمَ المألوفَ من بساطته إلى عالم يشعُّ بالدهشة والجمال. فقوة التركيب والتأليف في استنادها على الخيال المبدع تبعث في الكلمات دلالات جديدة تنبني على الخرق والانزياح. وبذلك تتميز الصور بالجدة والطراوة وتصبح صورا حية تنقل واقعا كل ما فيه يموت. وهذه أيضا إحدى مفارقات الفن العظيم: صور حية ومضيئة لواقع تسوده العتمة والموت!

وفي ظل الموت والخراب كان من الطبيعي أن يدير الشاعر ظهره لكل ما هو جاهز ومسبق . ولهذا انزاح إيقاع النص عن قيود العروض وتمرد على القافية والروي ، فجاء إيقاعا سريعا

أسهمت فيه الجمل القصيرة وأشكال من التكرار خاصة تكرار نفس الصيغة التركيبية كما في هذا المثال: 

يحصد الفقراء غلال الدم // تقطف النساء سلال الدمع //

يرضع الأطفال حليب الانفجارات.

فنفس الخطاطة النحوية من فعل وفاعل ومفعول به ومضاف ومضاف إليه تتكرر  ومعها تتكرر بعض الحروف كاللام والتاء ، وكذلك خطاطات صرفية (غلال/ سلال- الدم/ الدمع..). وهكذا بنى النص إيقاعه الداخلي السريع والمتموج اعتمادا على مكونات لغوية ترتبط أساسا بحس شاعري مرهف يجيد اختيار الألفاظ والتاليف بينها. وهذا يعني أن النص اختار إيقاعه الخاص خارج كل المحددات المسبقة.. ففي ظل هذا الدمار والخراب وتحت صوت المدافع والطائرات وأزيز الرصاص ودوي الانفجارات يصبح اللجوء إلى عناصر إيقاع القصيدة الموروث ضربا من العبث وخروجا عن روح النص.. والإيقاع الداخلي

يساير بشكل تلقائي حركة الفكر وقوة الإحساس لأنه يتلون بهما. وقد نجح الشاعر إلى حد كبير في تقديم إيقاع شعري بديل ينسجم ويتكامل مع باقي مكونات النص وسماته.

وعلى العموم ، قصيدة " في بلادي" ما زالت تختزن إمكانات فنية وجمالية ودلالية كثيرة.. فهي من النصوص الشعرية الناضجة التي تبرهن على أن مشهدنا الشعري المعاصر  الذي دب فيه كثير من الوهن والركاكة لا زال يشهد إشراقات تمثل استثناء. وهي من النصوص المعبرة عن واقع محترق وعن أوضاع غارقة في المأساوية .. وهي ليست  رصدا وتصويرا لهذا الواقع  فحسب ، بل إنها تشخص

الوضع وتحدد مكامن الداء دون أن تتنازل عن جمال فن القول الشعري .


                 الدكتور العلمي الدريوش.


=====================================

                             


/// الأستاذ الأديب والناقد : عادل نايف البعيني. 


               مصطفى الحاج حسين 


سأنطلق من قراءتي من العتبة الأولى وهي العنوان.. (في بلادي) 

فالشاعر لا يحتاج للزمان وكأني بهذا الزمان له أول ولا آخر له. أما المكان فثابت هو بلاده. حيث يثبت الشاعر بحنكته الشعرية وقائع حدثت وتحدث في بلاده. فلجأ للفعل المضارع الفعل الحاضر ليقول ويعرض ما في بلاده:

في بلادي 

يحصدُ الفقراءُ

غلالَ الدّمِ

وتقطفُ النّساءُ

سِلالَ الدّمعِ

ويرضعُ الأطفالُ 

حليبَ الانفجاراتِ 

وتتزيّنُ الفتياتُ

بالشّحوبِ والارتجافِ

ويحملُ الرّجالُ على أكتافِهِمْ

جثَّةَ الخرابِ

أحداث متوالية بأفعال حاضرة (يحصد ، تقطف، يرضع، تتزين)  لكن ماذا يحصد الفقراء إنه  الدم، وتقطف النساء سلال الدمع، والأطفال يرضعون حليب الانفجارات...

هكذا بدأ الشاعر نصّه فوضع القارئ أمام واقع مأساوي تحياه بلاده إنه الموت الرخيص والدمع السخي والرعب والخوف.

يتابع الكاتب توصيف ما يجري غلى هذا المنوال حتى تتفاقم الأمور فيذبح الأخ أخاه بتهمة الخيانة وتمتد يد الغريب تعيث في البلاد فسادا  حتى الأشجار باتت تورق جثثا... وتفحّم الهواء وعمّ الانهيار..

ويتابع حتى آخر القصيدة لتجفّ الخطوات ويتعثر التقدم، وتكبّل النفوس، حتى النبض يتيبس، والدم يتوقف عن الجريان. 

في بلادي 

صارَتِ الأشجارُ تورِقُ جثثاً

وصارَ النّهارُ يُطِلُّ

على الفاجعةِ 

وغدا النّدى

قطرانَ السّرابِ

في بلادي 

تفحَّمَ الهواءُ

وصارَ السّلامُ

رماداً

وعمَّ الانهيارُ

وتراكمَ السّخطُ

في صدرِ الغمامِ

في بلادي 

جفَّتْ خطواتُنا

وتحوَّلَ نبضُنا يباساً .


ليختم القصيدة دون بارقة أمل، ولا كوة أمل! من خلاص، وكأنّي به يختم الحياة بجفاف التقدم نحو فضاء أوسع، وتوقف النبض عن دفع دماء الحياة. كل هذا من ويلات ما يعانيه شعبه في خضم مأساة تكالب عليه الداخل والخارج تمزيقا وتخريبا وتدميرا.

استطاع الشاعر من خلال معاناته الشخصية، ومعاناة من حوله أن يتمثّل المأساة بعين الخبير القدير فأفلح في تصوير وتوصيف  المأساة تاركا الأحداث تتفاقم حتى الخمود. لكنه لم يضع حلولا ولم يترك بارقة أمل، ولم يحاول إنهاض الشعب فيما يجري، وتركه محبطا مليئا بالخيبات.

من الناحية الفنية أبدع الكاتب في تقديم نص مختصر مكثّف بتسلسل أحداث متعاقبة كل ذلك في سلاسة ومقدرة عاليين. ويعود ذلك إلى صدق العاطفة و جيشان الإحساس تجاه وطنٍ هجره مرغما وفيه جزءا من روحه وقلبه.

من حيث الصور البيانية قلما مرت جملة بلا صورة فنية منها المبتكر:

ويرضعُ الأطفالُ 

حليبَ الانفجاراتِ 

......

غدا الندى

قطران السراب

... ومنها الصور العادية ولكنها ملائمة ومتوافقة مع الواقع والحدث.

أكتفي بتلك الإضاءة شاكرا الأستاذ الشاعر مصطفى الحاج حسين على ما قدمه، من عمل مبدع ومتقن، متمنيا له النجاح والإبداع وعودة الأمن والأمان لربوع بلاده.


                      عادل نايف البعيني


=====================================


/// الشاعر الماقد : علي سليمان الموسوي . 


      هكذا هي القامات الأدبية تبدو   أن تكون يقظةً في ثيمات الوجود المعرفي العميق

هم  التأملات و الأشكال المرسومة في مخيلة الأقلام  بين النور والنور ساهمت في خلق عالمنا الأدبي المميز

وها نحن نكرّم  هذا الفضاء الدرامي المثير...للشاعر

مصطفى الحاج حسين

عندما نتذوق نكهة الشعر ونحن نتسلق سلالم الكلمات في وحي مدهش يركض إلى حافات حلم معاق ..تتخذ من الأماكن والأزمنة 

إطلالة خدرٍ على زقاق من أنين 

حيث تتراقص مواهب التخيّل وكأنّها مهارة الحائك البارع الصبور الذي لا يعرف الملل ...يأتي بعناق الغبش الناعم على سكون الفطرة المتوجرة..

هنا نتلمس رأس اللحظة التي تبحث عن رحلةٍ فذةٍ في الهيبة الخلابة 

بل كأنهّا الهمس المتماوج عبر خصوصيات ما وراء الأشياء التي تمر بثقة الماهر المتقن وسط حشدٍ من تحوطات الأنامل النازفة

اغماضة تحلق بأجواء مرصعة بعوالم النوادر الفارهة لوطنٍ مازال بلا رأس 

/في بلادي 

يحصدُ الفقراءُ

غلالَ الدّمِ/

/وتقطفُ النّساءُ

سِلالَ الدّمعِ/

/ويرضعُ الأطفالُ 

ُحليبَ الانفجاراتِ /

/وتتزيّنُ الفتياتُ

بالشّحوبِ والارتجافِ/

/ويحملُ الرّجالُ على أكتافِهِمْ

جثَّةَ الخرابِ/


في لعبة النثر يبقى للصقور فضاءٌ  غير الذي نراه وهو مجال الغرابة في عالم الدهشة والإثارة حين يبدو لنا الحديث خارج مضامير المواجهة الفعلية في حقائق الانفعالات وفي محطةٍ جديدة من خرير نبع ماءٍ  ودماء

يعجُ به العطش المكلوم بالوجع ،

نفحةٌ بلاغية صامته هذه المرة 

ضمن بوابات الرغبة والقسوة والانتشاء..

/في بلادي 

ترسلُ الشَّمسُ أشعَةَ الهلاكِ/

/وتتمترسُ الجبالُ

خلفَ المدافعِ/

/وتأوي العصافيرُ

إلى حجرِ النّارِ/.


هنا حروفٌ غامرات بالندى عبارة عن مسحاتٍ خفيفةٍ تزيّنُ روحَ تربةٍ تمسكتْ بشفاهِ الأقلامِ والآلام حين وضعتْ في جوفِ بركانها أزمنةً مشاكسةً ،

التفتُ بين طياتِ السطورِ تارةً يميناً وأخرى شمالاً كي أرى الصمت الذي بات يكسّرُ روابي التجوالِ المتعثرِ بين نواصي الكلمات ،

حريقُ النبراتِ تداركَ  ميادينَ الرمادِ المنفّعلِ الذي أسبل مناغماً كفوفَ المنتفضينَ التي تسربلت أفكارهم في شظايا العتمة صوبَ نوافذٍ اللاخلاص من أفواهِ العصاة..

ترقنُ قيدَ  المتمردين الذين يخلقون من ضريبة الحياة أزماتٍ بلا جدوى  ..

/في بلادي

ننصبُ فخاً للقمرِ/

/نعلّقُهُ على عَمودِ الحقدِ/

/ونسلخُ عنهُ الضّوءَ/

/في بلادي 

يذبحُ الأخُ أخاهُ

بتهمةِ الخيانةِ/

/وتكونُ سكّينُهُ

يدَ الغريبِ/.


شواهدُ الزمنِ في برج الذكريات المشحون بعبقٍ قديم ، تشظى مازحاً على طهر الأماكن المعّدة سابقاً لحفلات الذكرى وعقيق تُحفِ نادرةِ من الصراع

في باحةِ تفقدية خلفَ ستائرِ البوح

مساماتٌ متشققةٌ في أغوارٍ بعيدةٍ

حافةٌ صلدةٌ تخلو من أحلامِ الغد ، لن تنتظر بزوغ سمشٍ لصبحٍ قريب،

كتلةٌ من رمزياتٍ مشتابكةٍ الجذور ومتصارعةِ الشعور احتضنت جمالاً نقياً غابت في كل مفاتنه 

وملامحه المُثلى،

مسك حبلَ الريح من طرفٍ واحدٍ

وتركُ للسماء

نوايا مؤجلة،

تعود..

الى شدو النسيان

ربما...هو الحميم المشفر

الذي  اعلن عصيانه مؤخرا.

/في بلادي 

صارَتِ الأشجارُ تورِقُ جثثاً/

/وصارَ النّهارُ يُطِلُّ

على الفاجعةِ /

/وغدا النّدى

قطرانَ السّرابِ/

/في بلادي 

تفحَّمَ الهواءُ/

/وصارَ السّلامُ

رماداً/

/وعمَّ الانهيارُ

وتراكمَ السّخطُ/

/في صدرِ الغمامِ/


كأنّها قصيدة عشق تتبارى على حرفة سيل من هيئات متنازعة على ملكية مجهولة 

نرى الرجال والنساء يتسابقون على حلة من ضياع .

/في بلادي /

/جفَّتْ خطواتُنا

وتحوَّلَ نبضُنا يباساً ./


تجسيد الآلام المهولة التي تحل  وكأنّها علامات إخبارية مقيدة بأسلوب نافذ الشعورية والفكرية ..لا قيود على سلطان الحروف حين تكون على ناصية التمرد.

ما وراء طبيعات العيوب والخطوب والأفراح المؤجلة وزوابع الأمنيات الجائعة الى نوافذ الضوء في تخمة الحياة المتصحرة عرفا...

تقديري للحرف الثمين

شكرا والف عطر مميز

مداد حرف ودعاء..


                    علي سلمان الموسوي

                              العراق.


=====================================


/// الشاعرة : فاطمة الشيري ..


  يصف لنا الشاعر بحرقة مايجري على أرض وطنه بعبارات تعبر عن مدى جسامة الوضع المعاش

فعندما يقول الفقراء يحصدون غلال.... فهذا يعني أنه ما ظل من شيء سوى القتل والفتك ببني البشر. والنساء وقد قصد أمهات ثكلى فقدن أكبادهن قتلا. وأرامل استشهد أزواجهن في سبيل وطن مزقته الحرب والطائفية و...

فما ظل لهن سوى البكاء فالقطاف سلال دمع...

حتى الرضع ماسلموا فوصفهم الشاعر بأنهم يرضعون الانفجارات اي الرعب والسموم والجميلات وقد اعتدنا بطلتهن الجميلة تنحني 

العيون خجلا أصبح الشحوب والحسرة لا يفارقهن. 

الموت والخراب عم في البلاد

كلما أشرقت شمس يوم جديد إلا وأعلنت الهلاك والدمار. فصارت الجبال المساند للمدافع التي تقصف الأبرياء العزل. وقد استكثروا عليهم حتى ضوء القمر فحرموا منه لما نصبوا له شركا من الأحقاد

فيضيف الشاعر فظاعة الوضع عندما يقول بحرقة في بلادي يذبح الأخ أخاه

فهل يوجد ما هو أكثر قساوة من هذا؟ عندما يصبح في البيت الواحد هذا ضد ذاك لا أمن ولا أمان.

و الأشجار التي اعتدنا نضارة اخضرارها صارت أوراقها جثثا بمعنى جل أوراقها التي يراها الشاعر أرواحا ستقتل فصارت تحمل جثثا

والنهار والغد لا يحمل إلا الفواجع تلوث الندى بهواء مسموم 

لا سلم ولاسلام فرياح الدمار نثرت الرماد على الأرض فصارت قفرا

كل الود والتقدير للشاعر القدير الذي استطاع بحنكته ودقة حرفه أن يوصل لنا الوضع الكارثي في بلاده.

محاولة 


                            فاطمة الشيري


=====================================


/// الأستاذ : أبو ريبال نزار أبو راس :


نص جميل فيه لغة شعرية  متفردة 

والشاعر متمكن من أدواته وممسكا بالفكرة والمعاني بطريقة رمزية 

في كل جملة نور مبهر 

وتلاحقت تلك الأنوار بطريقة مدهشة  لتسلط  الضوء على جرح البلاد النازف 


العنوان 


في بلادي 

يجمع في العنوان كل الأفكار والصور الحزينة  والايحاء  بالألم والمرار  الذي يلف بلاده 


الشاعر اعتمد شعرا نثريا حرا لم يلتزم بالوزن والقافية وتحرر من قيدها

وهذا الأسلوب الجميل 

فيه تكثيف الفكرة وتلخيص  المعاناة 


هناك انزياح  جميل في الكلمات والمفردات 

وتحول نبضنا  يابسا

في صدر الغمام 

ننصب فخا  للقمر 


وغيرها 


النص ثوري بامتياز فيه رسم الواقع المرير من أجل تغيير الواقع الى الافضل 

كل الاحترام والتقدير للشاعر 

واتمنى له دوام النجاح والتألق .. 


                  أبو ريبال نزار أبو راس 


====================================


/// د. عبد الحق الشلوفي ..


لي عودة ثانية سأكمل فيها النص وسأحاول الكشف عن فرضية للقراءة ارتأيت أن أستنتجها من الجمع بين مطلع القصيدة/في بلادي ،ومقطعها/وتحول نبضنا يباسا.حيث يرسم الشاعر ملامح وتفاصيل التحول والتغيير بين اليوم الامس،تحول من الخصب إلى الجذب ،ومن الأرتقاء والازدهار إلى الجمود والتقهقر. فما مظاهر هذا التحول في النص؟ وكيف عبر عنها الشاعر؟ وماوسائطه في ذلك؟...


عودة إلى النص،

وانا أقرأ القصيدة تطالعني بعض النصوص الغائبة الحاضرة،فكل نص هو فسيفساء من نصوص سابقة . يتضمنها بشكل من الأشكال ، حيث يبدو التناص واضحا مع نصوص من مدرسة رواد الشعر الحديث،  فالعنوان واللازمة يحيلان على قصيدة "الناس في بلادي" للبياتي، ونواةالدلالة المتمثلة في الصيرورة والتحول من الخصب والأمن إلى الجذب والدمار تستلهم مضمون أسلوب التكرار الهندسي البديع في تحفة أنشودة المطر لبدر شاكر السياب:

أصيح بالخليج

ياخليج 

ياو

واهب اللؤلؤ والمحار والردى

فيرجع النشيج

كأنه الصدى

ياخليج

ياواهب المحار والردى.

حيث بلاغة الحذف استدعت من السياب إسقاط لفظ اللؤلؤ، ليصير المعنى في العبارة الثانية نقيض نقيض المعنى في الأولى ،فيكسر بذلك أفق انتظار القرئ ويكشف عن طبيعة الصيرورة والتحول.أما شاعرنا فقد اختار أن يعبر عن نفس المضمون بنبرة خطابية مشحونةبالتوتر الحاصل على مستوى التركيب حيث يقابل دلالة الأفعال التي ترمز إلى الخصب (يحصد-تقطف-يرضع...) مفاعيل تحمل نقيض الدلالة (غلال الدم/سلال الدمع/حليب الانفجارات). وإذا كان السياب قد وظف بلاغة الحذف للتعبير عن واقع اجتماعي تغيب فيه العدالة الاجتماعية، ةينتفي فيه التوزيع العادل للثروة بسبب نظام الحكم القائم على النهب، فإن شاعرنا يوظف بلاغة الإضافة المتمثلة في المضاف إليه بعد المفعول به ،قصد التعبير عن واقع تفرضه قوى خارجية بمباركة وتواطؤ مع تيارات محلية، ويفسره قول الشاعر:

في بلادي

يدبح الأخ أخاه

بتهمة الخيانة

وتكون سكينه

يدالغريب. 


                      د. عبد الحق الشلوفي 


=====================================


/// الشاعرة قمر صالوني :


نص جميل ومؤثر  حاكى الواقع بكل شجن العبارات 

فعندما يكثر القتل والغدر 

يفتك الفقر البشر ويحصدون الغلال دما وتترمل النساء 

ويتيتم الاطفال كما جاء بوصف الشاعر أنهم يرضعون من سموم الانفجارات 

واي فاجعة حين يعم هذا الرعب فبدل أن تشرق الشمس  بالأمل حال بينها وبين اابشر رماد الحرب ودخان الحريق  واي غد هذا الذي يحمل كل هذه الكوارث 

ما أوجع المشهد 

في بلادي يذبح الأخ أخاه

حتى امتلات الارض بالدم 

ونبتت الأشجار جثثا 

كل شيء تبدد إلى خراب واسود  الدمع في العيون 

ياله من توصيف مؤثر 

كل التقدير للشاعر الذي استطاع بكل عمق الشعور 

ان ينسج من المعاني وحنكة فكره لغته المتفردة 

و تمكن استقطاب الشعور بإسقاطات ورمزية رائعة 

حيث صور لنا  ما آلت إليه أوضاع البلاد من فساد نتيجة الكوارث التي مرت بها بكل دقة ..

بالتوفيق للجميع .


                           الشاعرة قمر صابوني

=====================================


                       مصطفى الحاج حسين  .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق