أبحث عن موضوع

الأحد، 3 نوفمبر 2019

حوار مع الشاعر سعد المظفر ........................ بقلم : اسعد شهاب اللامي



سعد المظفر شاعر حمل كفنه بين يديه غير آبه لبطش السلطة الحاكمة ، احترم ألـ (لا) التي أطلقها بوجه المغريات وظل متمسكاً بها ، بالحرف ، بالكلمة ، بالقصيدة ، نعم لقد خسر المظفر المجد والجاه والمال ، ولكنه ظل محترماً لذاته ولـ (لائه) ، فأصبح رجل الموقف النبيل الذي لم يتلوث بالشوائب ...
والقراءة لشعر وقصائد المظفر متعة فكرية أو مطالعة أدبية (كما يقال) بل هي قراءة لجرح وألم وروح وجسد المظفر ، وهي قراءة لمبدأ ونهج المظفر ، ففي كل مرة يكتب فيها قصيدة يعتصر ذاكرته ، ويعاني مخاض الألم لتخرج بعد ذلك قصيدته بولادة طبيعية لا قيصرية يسجلها على الورق بأصابعه التي كثيراً ما ترتعش ، ثم يهمر الدموع ، بعد ذلك يبتسم لأنه أخرج قصيدة جديدة تصل إلى السمع ولو بعد حين. س1: في قصيدة (السجن) قلت في مطلعها:في السجن حطت رحلتيفي عروقي الليل قضبانيأكله الزمانأنا شخصيا أعد هذه القصيدة من أجمل قصائد مجموعتك الشعرية (وخرّ موسى) أقول لك: كم مرة دخلت السجن ؟ ولماذا؟
o- نعم لقد عُدّت هذه القصيدة من أجمل قصائد المجموعة ، شكراً لك يا صديقي على هذا الإطراء الجميل. أنا دخلت السجن ستة مرات في حياتي ، ولحسن حضي كان جلاوزة النظام مرتشيين. أما لماذا بسبب السياسة والشعر وآخرها بسبب الكتب الممنوعة. إن الإنسان عبارة عن موقف ، عن كلمة (لا) كبيرة ، هذه الكلمة (لا) إذا قالها يستطيع أن يقول (لا) بعدها كبيرة مثلها . ولكنه إذا قال (نعم) ستحطمه ولن يستطيع أن يقول بعدها أية (لا). انأ شاعر هجر المنصات لأنه لم يرض أن يكتب للنظام أي شيء ، رغم أني كنت المرشح لمهرجان تربيات العراق ، وقد رشح الأول والثاني والرابع من قبل اللجنة في البصرة لأن قصائدهم (نعم) وقصيدتي (لا) وكان ذلك المهرجان سنة 1982. واليوم هناك نفس الشعراء يكررون أنفسهم ويمدحون رموزاً عليهم علامات استفهام ارتدت عباءة جديدة ووضعت لها ذقناً يمس كرامة الشعب الصامد. س2: في قصيدة الشيخ والصعلوك قلت في مطلعها: أشار الشيخ سأترك وحيداً فتنبه للنور ... وللحكمة من هو الشيخ ؟ ومن هو الصعلوك
o- أنا أؤمن أن الإنسان يجب أن يكون صوفياً في داخله والصوفيون يؤمنون بأن يكون لكل تلميذ شيخاً يدله على النور ويكشف له الحجب ، الجوع الذي عاناه العراق يستطيع الإنسان أن يبني من خلاله طرقاً صوفيه خاصة بنفسه ، الجوع في الإنسان لا يحتاج سوى إلى الوصايا لكي لا تنحرف الغرائز خارج منظومة العقل ، شيخي هنا كل من كتب في هذا المضمار ، فأنا كنت الشيخ وأنا كنت الصعلوك لأكمل القصيدة سؤالا وجواباً . وحاورت الأنا الداخل مع الأنا الخارج ، ألانا المريرة مع الأنا الرائدة ، ا لانا العاقلة مع الأنا الغريزية ، انصح نفسي أن أعود مرة ثانية إلى الذات وابتعد عن التيه.
س3: قلت في قصيدة (الليل): كما يدعي الليل ... أنه الأجمل ... عيونه مبصرة
كيف ترى الليل والنهار؟ o- الليل زمن الروح ، الإنسان تراه في الليل ، لأنه سيكون خارج همومه المادية ، لا تحتاج سوى أن تستفز إنسانيته بعيدا عن هموم السوق والسياسة ورواتب المتقاعديــــــــــن ستجده إن شئت شاعــراً أو فيلسوف أو مربــــــي فاضــــل ، في زمـــــــــن تكالبت عليه الفضائيـــات ولا ندري أين يذهــــــــب أولادنا في الليل ، عليــك أن تحمل كاميرا مخفيـــه وتترصد في الأزقة لتراهم ، أما النهار ، الإنسان مشغول بعد افتضاض بكارة الفجر ، يمتلأ الهواء بالغبار والذرات بأصوات وزعيق الناس والسيارات والعقل لهموم ، والعيون بثرثرة النظر ، أعني فضول الأشياء بالنظر والكلام ، فإذا أزحنا غبار هذه الأشياء ونراها صافية مثل النهارات التي نذهب بها إلى الأضرحة ، ونهارات العيد قديماً في وجوه الأطفال ، إذا عدنا بالنفس إلى طفولتها وبراءتها ونقائها وصفاءها ، لن يختلف الليل والنهار عند الإنسان ، لأنه سيعود إلى إنسانيته ويهجر أطماعه فيتساوى الزمن في اللحظة ، واللحظة في الذات ، والذات تعود إلى إيمانها المطلق. س4: ما الذي قدمه لك الشعر ؟ وما الذي أخذه منك؟ o- الشعر قدم لقب الشاعر ، يعني الإنسان الذي يستطيع أن يصوغ الكلمات ويصفها في نظامٍ زهري اللون ، شفقي المحيى على ورقة ويصنع للحياة قصيدة ، الشعر أعطاني الكثير في زمن يثرثر فيه الأغنياء الممتلئة جيوبهم ، الفارغة عقولهم ويصمت فيه الحكماء ، الشعر رسالة توصل الحكمة وتقول كما قيل من قبل (ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان) هذا ما منحني إياه الشعر ، وما أخذه منه ، أخذ قلمي من التفاهات وعقلي من التشتت نحو النضوج ونزف جرح الآخرين ، قبل جرحي على الورقة أيضاً ، إذن كان بيننا همٌ متبادل ولوعة وشجون محبذة ، كان بيننا كما بين عاشقين من فرح وحزن وشوق ومتعة مصحوبة باللذة ، ودمعة تنزف على الورقة ، وقلمٌ عليه من الزرقة وشاح. س5: ماذا يعني لك الحب؟ وما هي مشكلتك معه؟ o- سأقول لك ماذا قالت لي امرأة: إلى أين سترحل ثانية ولمن تحمل قلبك وكيف تمنح لذّتك؟ وأنا أقول إنها أسئلة مبطنة بشغف امرأة هاجسها أن تعرف كيف تصاغ المشاعر لرجل عانى الألم والصدمة فصاغهما كلمة ، الحب ولادة الأشياء وعطرها ، والمرأة هي الكلمة واللغة والحرف ، هي التي تصنع الجراح الجميلة والتي لا نستطيع أن نستغني عنها ، أنا لا أؤمن بالنصف والربع (حينما نقول أن المرأة نصف المجتمع) فأنا لا أؤمن بالنسبية إلا في الزمن النسبي الذي دلّنا عليه اينشتاين ، المرأة تتلابس وتتداخل مع الرجل بحيث لا ندري كيف فعلت ذلك وأشكرها لأنها فعلت ذلك. أنا نثرت قصيدتي على جدران السجن ، حفرت قلبي على الشجر وأهديتها أكبر زهرة وهي زهرة الشمس حينما لا يجد السجين الشمس فإنه يهدي زهرة الشمس إلى حبيبته ، زهرة لا يلف ساقها الشوك ولا الدغل. س6: ختاماً آخر ما اانجزت من قصائد
_ آخر قصيده كانت لليل بلا انثى
للَيل بلا انثى يا لعشقك القديم
تَنثرهُ مَراثي
وتَمسح عن شفَتيكَ ارتباك
كَما الغبار على غصنٍ على الطريقِ
تُهطل القَصائد النَبضات ..من الشرفةِ
تمرُ عليها الحُروف تأتيك الملامح مقفرة الوجوه
تأتيك من كلِ الجِهات
تَرمي النَظرات
وتأُول المكائد اركضُ إلى الضوءِ...
عشقيَ القَديم
يطلُ منْ نافذةٍ خَلفي
فَتصعد حكمَتي امرأة
احتبسُ أنفاسيَ على الغصنِ...الغبارْ
اهربُ إلى الميتِ مني
المُلقى بين حربينِ وحِصار
فَلا أرى سِوى صور مؤطرة بالعويل
صور معَلقة على مسامير الأَسئلةْ
الحُبلى بالإجابات
استدرجُ الحروف من الهزائمِ
استَرد حكمَتي من الحزنِ
منَ الألمِ المتراكمِ على وجهي
تُراوغني ذكورَتي
تَأخرَ عشقكَ عن السرير
هلْ تَحتفي بلا جسدٍ
هلْ ليل بلا أنثى
اصرخُ يا حَربين ابتَلعيني حنجرتاً
وَهل يَكترثُ الصوت
فَقبلَ ... جثة احتَرقَتْ مُدني
وتكأتُ على الرصيفِ ابكْي أشلائها
على الرصيفِ المُتهرئ منَ الشضايا
... ياهٍ
حَفيف يَدي ينحتُ في الهواءِ بيتاً
ومشطاً لها يتساقطُ
يركضُ في سواد شعرها
اشدُ قَدمي نحوه بلا خطى
على الجمرِ أضعُ في الذكرياتِ قُبلي
ارسمُ على الغصنِ طيراً
وللبَيت شَبابيكْ
ولبلادي وردةً حمراء
إلى اليسارِ من النزفِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق