كان مهووسا بشبح المؤامرة. كل شيء بالنسبة له مؤامرة. التعليم الذي كان يعتقد انه هو الذي اختاره، عشقه لفتاة أحلامه، زواجه منها، إنجاب الأطفال، نشاطه السياسي والحزبي، هجرته من بلده، استقراره في الغربة، نجاحاته وهزائمه، كل ذلك ليس سوى محض مؤامرة. وكلما خلا إلى نفسه، يتفكر فيما الت إليه حياته، انبجست فكرة المؤامرة في ذهنه كفقاعة كانت مختفية تحت سطح لا وعيه وتفجرت كقنبلة دوت في نفسه المريضة. بخيبة ومرارة عميقتين يكتشف ان كل حياته منذ بدايتها وإلى حد اللحظة لم تكن سوى مؤامرة. وان ما تصوره سابقا وبافتخار إنها خياراته الذاتية المحضة ليست سوى كذبة سمجة. انه مجرد ورقة صغيرة تتقاذفها رياح مؤامرة خفية بدأت خيوطها السرية تتكشف له الأن . ينكفئ على نفسه مثل قطة أصابها القنوط وإحساس غامض وعميق يقول له انه عاش عمره برمته، وهو ضحية مؤامرة لم يكتشفها الا بعد فوات الأوان.
حتى أقرب أهله وناسه بدأوا يتململون منه ويضجرون من نقاشاته واحاديثه لأنه لا حديث له غير المؤامرة وهو بعد كل هذا انما يفسر كل الأشياء على أنها مؤامرة. حتى ان صديقا مقربا له نصحه هو بالذات بزيارة طبيب نفساني لأنه فسر حديثا عن مصاعب واجهها هذا الصديق في زيارة لطبيب على انها تثبت صحة رأيه بان سلوك الطبيب تجاه صديقه لا يعدو سوى ان يكون مؤامرة.
أخيرا عندما إصابته نزلة برد حادة جدا تأكد له بما لا يقبل الشك ان حلقات المؤامرة بدأت تضيق الخناق عليه وان نهايته بدأت تقترب أكثر فأكثر. وسوف لن يكون موته حدثا استثنائيا خارج إطار تلك المؤامرة التي كان ومازال هو فريسة لها طوال حياته.
وعندما ضجرت منه زوجته ورجته ان يكف عن التفكير المبرح بفكرة المؤامرة لأنها فكرة سخيفة وستودي به إلى نهاية مأساوية امتعض منها وصار لم يعد يطيق قربها منه لأنه اكتشف انها كانت وما تزال جزءا من المؤامرة ذاتها وتتحرك ضده.
وزاد من الطين بله انها طرحت عليه أسئلة لم يجد لها أجوبة قط. من قبيل : من يتآمر عليك؟ ولماذا؟ وما الذي فعلته لكي يتآمروا عليك؟ ومن انت ليتآمروا عليك؟ ومن الذي يتآمر عليك؟
إذ أنه كان في قرارة نفسه يعتقد اعتقادا راسخا ان لديه جوابا لكل سؤال يطرح عليه. الا أن هذه الأسئلة لجمت لسانه وسدت منافذ عقله حيث ران عليه حينها صمت زاد به حقده على زوجته.
ولكنه لم يشك ولو لثانية واحدة انهم يتآمرون عليه منذ ان خرج من بطن امه. وان كل شئ في حياته كان قد جرى ترتيبه على نحو دقيق وبسرية تامة حتى لا ينفضح الأمر له.
لا يتذكر بسهولة متى اكتشف ان كل ما يحدث في العالم هو نتاج لهذه المؤامرة ليس الا وأكثر من هذا ان خيوط المؤامرة المزعومة صنعت بأحكام ودقة متناهيتين..
واكثر ما يحزنه ويشكل مبعثا لقلقه وارقه المستديمين ان لا احد يصدق ادعاءه او لنقل نظريته بينا الغالبية الساحقة تسخر بجلاء بائن من فكرته هذه على نحو أقرب ما يكون لاتهامه بالعجز والجنون.
وقبل ان ننهي قصتنا على اكمل وجه نقول أن بطل حكايتنا يعاني الأن من سوء صحة خطير للغاية وأنه لربما يسير بخطى حثيثة نحو حتفه والسبب في هذا التدهور السريع جدا الذي أصابه أن تجليا روحانيا أزال المزيد من الظلامة عن عينيه حسب اعتقاده بحيث تكشف له على نحو لا يقبل الشك أنه نفسه كان جزءا فعالا من هذه المؤامرة المزعومة دون اية دراية منه. انه نفسه لا يكاد يصدق ذلك. وان فطنته وذكاءه الخارقان -هذا ما كان يعتقد هو بنفسه- لم يكونا له عونا في يوم من الإيام على كشف الحقيقة..
افضل طريقة لإنهاء المؤامرة هو ان يربط حبلا في المروحية السقفية ويربط نهاية طرفه الثاني بعنقه المتصلب. هذا ما كان يراود خياله المتعب بعنف في الأيام الأخيرة.
وذلك ما فعله في النهاية لكي يضع حدا للمؤامرة الكونية الموجهة ضده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق