الحقيقة أنّي توجّسْت في خلْد الملكة حيرةً وسؤالًا، لكنّني آثرْت الصمت حفاظًا على الأدب ، إلى أنّ اِبتدرتني قائلة :" يقال أنّ الحبّ يستأذن المرأة في أن يدخل قلبها ، بينما لا يستأذن الرّجل ؟ أتراه حقيقة هذا الزّعم ؟
قلت : بلغني أيّتها الملكة السعيدة أنّه لمّا كانت طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل ظاهرا وباطنا، لزم أن يتباين موضع القبول عند كليهما .
فعقل الرجل كخطّ مستقيم ، لذا فهو موسوم بالأندفاع والتّسرّع ،قد تغريه العين، أو يغريه رمش ،وبمّا طرف ثوب ، أو بحّة صوت فيقع صريع الهوى ، أما سمعت الشّارع حين نهى المرأة عن الخضوع بالقول ؟ وخيبات الرّجال أكثر من خيبات النساء في النكاح، لأنّ منشأها العجلة لذا وصفت المجرّبات الرجل بالطّفل.
أمّا عقل المرأة فسراديب مظلمة، كونها متقلّبة المزاج فلا تقبل داعي الهوى إلّا أن تشترط ... ولكلٍّ شرطها ، وفي العموم تريده حامي الحمى لتستشعر نفاستها عنده ، ولو أضرّت بها غيرته ،فاستمراء الدلال ديْدنها ، واصطناع التضحية وقود قهرها له ، فهي قوية في ضعفها ، تريده الكيّس الفطن لرغبتها ، المداريَ المتغافل إزاء شططها وحيلها . ...فإن أوجست منه رشدا وأوبةً استفرغت عبراتها فجرفته الى سحيق الويل .
ولمّا علم الشارع أنّ سهامها كثيرة رخّص في الكذب لها وعليها ، فوصْفها - مثلا - بالجميلة لو كانت قبيحة دليل نضْج ، وجاءٌ من وتبعاته ، وهو مسايرة لعوج الضلع الذي نهينا عن كسره ،ومراعاة لطبيعة نقص العقل الذي أبان عنه الشّرع .فمقتها إن حصل موسوم بالبينونة الكبرى على خلاف الرّجل فمقته آنيّ... ويتجلّى المقت عندها حين ينجرف الحديث نحو التّعدّد ، فأنبل النّبيلات تستثقله وأقاصيص الفاضلات في الأمر لا تحصى .
أحسسْت بعض الأمتعاض من الملكة تفهّمت داعيه فأردفت : ما أقوله يا جلالة الملكة كلام عموم ، والّا فالتّفصيل شيء غير الذي أحكيه ، فميزة النساء أبد الآبدين، أنّهن أوّل هدية من الله لمخلوق صنع على عين الله ، وهن السلوى حين احتدام الخطوب ،والصّانعات مجد الأكابر مدى الدهر ، وهنّ الغنى حين يقرب الفؤاد من بيداء الجفاف ، والمقل الهاديات في ليل العمى وهذا سر وقوع جنّة الخلد تحت قدميْها .
آنست من الملكة بعض الرّضى ،لهذا أومأت لي بالإنصراف فقد لاحت خيوط الفجر وقرب الصباح فلزمني أن أتوقّف عن الكلام المباح .