القمر يكمل دورته في عينيّ، يغزل ضوءاً لشمس توارت خلف الأفق، الأشجار الجرداء تزهر خضرة، تتبرعم أغصانها، وحدي أسير باتجاه النهر، أسعى لخلع معطف الأرق في طقوس تشبه العادة، أفترش الحشائش عند ضفة النهر، النهر معبد، أتلو في محرابه أناشيد الصمت، أسند ظهري إلى جذع نخلة، المكان يتدثّر بحلكة ليل صيفي، أمواج صغيرة تنبثق من تحت زورق يتهادى وسط النهر، تتكسّر عند حافة النظر، بقايا أغنية تضيء حفيف غفوتي ، أحاول أن أستمطر ذاكرتي، لعلّي أقتنص ملامح ليالٍ ضفرت إكليلها بالفرح، مترعة بالضياء؛ فألثم عنقها بلهفة مجنون، وأملأ جرتي من خمرها المشعشعة؛ لا شيء غير صور مشوشة مصابة بالعدمية، يا ترى أين اختفت تلك السنين؟. الليل الذي أعشقه حدّ الجنون مازال يهطل مخاوفاً، هواجس قلقة من المجهول، يلاحق خطى صمتي، يستفزني متحدياً أن أذكر له وجهاً واحداً، فأقبل التحدي. تلك هي طقوسي الليلية، طقوس تحركني باتجاه الدمع، أتمنى أن أرى وجه الأمس، وأزيح هذا الحزن الصخري الجاثم فوق أنفاسي، أتهيّأ لرحلتي بعدما يشبّ لهب ليلي الضرير، يسوقني ظمأ الفراغ إلى عوالم متداخلة، متقاطعة، على غير عادتي تعتريني رعشة مزدحمة بتساؤلات غير واضحة، إلى أين أمضي؟، لا أدري...
أهزّ جذع الليل بكأسي الفارغة؛ لعلّي أثمل بذات الحلم، لكنّي نسيت أن أعبر إلى الضفة الأخرى وأغني؛ لا بأس، سأحمل مصباحي في الليل البهيم؛ ثمة سنة قادمة تطوّق عنق الليالي بأمنياتي الخرساء.