يستذكر كل واحد منا عدداً من المواقف المحرجة أو الطريفة التي صادفته في
هذه المرحلة او تلك من مراحل حياته، وربما كان الفنانون، وعلى وجه التحديد
العاملون في حقل التمثيل، هم أكثر الناس عرضة الى مثل هذه المواقف، بحكم
طبيعة عملهم، وما يؤدونه من أدوار متباينة ومتناقضة، وما يلعبه الماكياج
والازياء من تغيير حاد في شخصيتهم الخارجية.
حدثني أستاذي الفنان يوسف العاني، ان احد أبناء محلته كان يطلب منه
بالحاح ان يظهر في التلفزيون ضمن أي دور يناط به، وقد نزل الرجل عند الحاحه
المستمر، واتفق مع المخرج على ظهوره في المقهى وهو يشرب الشاي، حاله حال
الزبائن الآخرين، (كومبارس) وأن لا ينطق بأية كلمة، يقول العاني، وفي يوم
التصوير المحدد دخلت المقهى وقلت (السلام عليكم) وأخذت المكان المرسوم لي،
فما كان من ابن المحلة الا ان وقف وخاطبني (الله بالخير عيني أبو يعكوب..
شلون صحتك.. اشو ماكو ها الأيام ما نشوفك)، واضطر المخرج الى ايقاف التصوير
وطرده خارج المقهى!!
في عام (1975) كنت أعمل في الاذاعة، وقد أوفدتني مع الصديق المذيع
موفق السامرائي الى الخليج العربي وذلك لاجراء لقاءات اذاعية مع أدباء
وفناني الخليج، وصادف في اثناء وجودنا هناك (على الأرجح في امارة أبو ظبي)
وجود عدد كبير من الممثلين المصريين لانجاز مسلسلات تلفازية، وقد استثمرنا
هذه الفرصة وأجرينا عدداً من اللقاءات معهم، وكان من بينهم الفنان الراحل
(صلاح قابيل) الذي حدثنا عن موقف طريف مرّ به، ففي احدى المسرحيات يقتضي
الدور ان يتعرض قابيل الى صفعة (تمثيلية) من يد الفنان الراحل محمد رضا
(المعلم رضا)، وعلى صلاح ان يسقط اثرها على الأرض!
يقول قابيل (حين عدت الى البيت بعد انتهاء المسرحية، وجدت ابنتي
البالغة من العمر أربع سنوات تبكي بكاء مراً، ولم تنفع معها محاولاتنا بأن
ما رأته هو مجرد تمثيل، وان المعلم رضا هو صاحبي وصديقي، ولم يلبث بكاؤها
ان تحول الى حالة هستيرية مصحوبة بتشنجات جسدية، بحيث خفت من مضاعفاتها،
ولهذا اتصلت برضا وشرحت له الموقف، واتفقت معه على اصطحاب ابنتي الى بيته،
وهناك أقوم بصفعه فيسقط على الأرض، وهكذا ذهبنا معاً الى منزله، وافتعلت
معه معركة كلامية، ثم صفعته على وجهه بحركة تمثيلية، وسقط رضا أرضاً، فيما
كانت ابنتي تتابع المشهد، وفي لحظة سقوطه راحت تصفق بكل قوتها وهي تضحك
فرحاً ونشوة، وقالت لي: تسلم ايدك يا بابا.. ثم احتضنتني وطبعت قبلة على
خدي، وعدنا الى منزلنا وهي في أحسن حالاتها النفسية!!
وفي تسعينات القرن الماضي اصطحبني الصديق الفنان قاسم السراج الى
دائرة السينما والمسرح لانجاز قضية تخصه، ثم نذهب بعدها لتناول الغداء، وقد
جلسنا في كافتيريا الدائرة -بعد ان انتهى من مشواره السريع- وطلبنا قدحين
من الشاي، وشاءت المصادفة الحسنة ان التقي عدداً من اصدقائي الفنانين الذين
لم ألتقِ بهم منذ شهور بعيدة، ولكن المصادفة الظريفة كانت حين رأيت الممثل
القدير (أعتذر عن ذكر اسمه فقد يحرجه ان اتحدث في هذه الخصوصية)، الذي كان
تلميذاً معي في مدرسة الكرخ الابتدائية، وكنا في الصف ذاته والشعبة ذاتها،
ومنذ أنهينا المرحلة الابتدائية عام (1956) لم نلتق أبداً، أي هناك فاصلة
زمنية تقرب من أربعين سنة، وكان من السهل عليّ أن أعرفه لكونه ممثلاً
ووجهاً تلفزيونياً دائم الظهور، بينما كان من الصعب، بل ربما من المستحيل
عليه ان يعرفني أو حتى يتذكرني، وقد أخبرت صديقي الفنان قاسم بذلك، فقال لي
بالحرف الواحد (مشكلة هذا الفنان الرائع انه شديد النسيان، ويبدو وكأنه
بلا ذاكرة) وسكت قليلاً ثم سحبني من يدي فجأة قائلاً (هذه فرصة لأعمل له
مقلباً) ولم يعطني أية فرصة للاستيضاح عن طبيعة المقلب، وهكذا توجهنا نحوه،
وبعد ان قام بمصافحته تولى مهمة التعارف بيننا على النحو التالي (أقدم لك
صديقي الصحفي الكبير ذياب مهاوش –يقصدني- وبالمناسبة فقد كان معك في صف
واحد أيام الدراسة الابتدائية، وهو يذكرك جيداً) ومدّ الرجل يده نحوي
وصافحني بحرارة وسألني عن صحتي وأحوالي، ثم التفت الى السراج وقال له (هل
تدري يا قاسم، ان الاستاذ ذياب مهاوش كان من أعز أصدقائي في المدرسة) وهنا
فجّر السراج مفاجأته وبما عرف عنه من صراحة موجعة (لك يا ذياب يا مهاوش..
هذا حسن العاني)، تلعثم الرجل وشعر بالحرج قبل ان يتوصل الى عذر ظريف،
(سبحان الله.. شنو هذا الشبه بين ذياب مهاوش وبين الاستاذ العاني!!)
ومن طريف ما قرأته، المقلب الصعب، الذي تعرضت له الفنانة الهام شاهين،
وهو في حقيقته موقف محرج أكثر منه مقلباً، لأنه غير مقصود، تقول شاهين:
(حصل ذات يوم في اثناء تصوير فيلم (الهلفوت) مع الفنان عادل امام، حيث أؤدي
دور الزوجة المعدمة الفقيرة لزوج فقير معدم هو عادل امام، ان أمضيت ساعات
طويلة من العمل الشاق وأنا ارتدي ملابس بالية شبه ممزقة، ونتيجة لما تعرضت
له من تعب وارهاق، عدت الى شقتي بتلك الملابس وعند باب العمارة استوقفني
الحارس ومنعني من الدخول وقال لي بنبرة غاضبة، امشِ يا بت من هنا.. وعندما
أخبرته انني الهام شاهين، صفعني على وجهي ودفعني الى الشارع بعيداً عن
العمارة، وهو يصرخ بأعلى صوته: الهام مين يا بنت الـ... وكانت فضيحة لا
تنسى أمام الجمهور الذي احتشد ليتفرج ويضحك على مصيبتي!!).