( إلى الصديق أحمد المروني؛
ابن بورخا المخلص، ومن خلاله إلى كل
أهل بورخا الطيبين.)
لَا لَيْلَ فِي اللَّيْلِ هُنَا
وَحْدَهُ عُوَاءُ الْحَدِيدِ
يُعَمِّقُ الْغُرْبَةَ جُرْحَا
لِيزْدَادَ شَرْخُ الْبَيْنِ شَرْخَا..
وَذَاكَ لَيْلُهَا
لَا يُشْبِهُ كُلَّ اللَّيَالْ!
يَجْرِفُنِي الْحَنِينُ إِلَيْهَا
مِثْلَمَا تَحِنُّ الشِّيَاهُ
إلَى مَرْقَدِهَا لَمَّا يَئِنُّ الزَّوَالْ.
هِيَ فِعْلاً هُنَاكَ تَسْلُو وَتَصْبُو
تُمْسِكُ رُوحِي فِي دَلَالْ..
وَهَا هُنَا أَنَا
نَبْضُ نَايٍ يَعْزِفُهُ الْخَيَالْ
حِينَ يَنْفُخُ فِيهِ مِنْ وَحْيِهِ نَفْخَا.
هُنَاكَ خَلْفَ تِلْكَ التِّلَالْ
وَفَوْقَ رَبْوَةٍ كَصَهْوَةِ الْحِصَانْ
تَسْهَرُ الصَّغِيرَةُ
فِي رُبُوعِ مَرْقَدِ الضَّبَابْ
وَاللَّيْلُ بِسِحْرهِ الْغَرِيبِ أَرْخَى
لمَّا تَدَلَّى فِي الْأَعَالِي الْهِلَالْ.
يَا فَوْرَةَ الشَّبَابْ
كَمْ يَرْتَعِشُ الْقَلْبُ شَوْقاً !
كَمَا الْوَلِيدُ يُطْلِقُ صَرْخَة:
أَفِي اللَّيْلِ يُولَدُ كُلُّ هَذَا الْجَمَال؟!
إِذَنْ هُوَ اللَّيْلُ لَيْلُكِ بُرْخَا؛
حَفْلٌ مِنْ هُدُوءٍ يَمْتَدُّ غَرْباً وَشَرْقَا!
وَوَحْدَهَا الْأَمْطَارُ الْوَدِيعَةُ
تَرِنُّ فَوْقَ قَصْدِيرِكِ رَِنَّا وَدِيعاً
يُعِيدُ عَزْفَ النَّبْضِ مَعْزُوفَةَ بَوْحٍ
يَعْشَقُهَا التِّينُ زَخَّةً زَخَّة.
من سَمَّاكِ سَيِّدَتِي الصَّغِيرَةُ؟!
مَنْ أَسْكَنَكِ أَجْمَلَ الْهِضَابْ؟!
مَا أَجْمَلَ اسْمَكِ بُرْخَا !
مَا أَبْهَاكِ سَيِّدَةَ الْجِبَالْ
يَا سَرِيفِيَّةَ الطَّبْعِ وَالظِّلَالْ
كَمْ قُلْتُ مَا أَعْذَبَكْ
لَمَّا يَدْفقُ مِنْ عَيْنِكِ الْمَاءُ الزُّلَالْ
يُنَادِي كُلُّ مَا فِي الْقَلْبِ لَكْ
كُلُّ مَا فِي الْقَلْبِ بَيْنَ كَفَّيْكَ سَالْ..
فَافْتَحِي فَي الدَّهْشَةِ بَابَكِ الْأَعْلَى
كَيْ يَمْرَحَ فِيِ الرُّؤْيَةِ الصِّغَارْ
وَكَيْ نَرَى مُدُناً
تُشْعِلُ أَضْوَاءَهَا مِنْ بَعِيدٍ
وَتُشَارِكُنَا بَهْجَةَ الْكَرْنَفَالْ.
أَنَا الْمَسْكُونُ بِسِحْرِ الْجَمَالْ
أَكَادُ أَسْمَعُ بَيْنَ حَرْفٍ وَحَرْفٍ صَوْتَكِ بُرْخَا
يُنَادِينِي تَعَالْ
تَعَالَ شَارِكْنِي الرَّقْصَ وَالِْإِحْتِفَالْ
كَيْ أُذُوبَ فِي عَيْنَيْكَ قِطْعَةَ سُكَّرْ
رَاقِصْنِي عَلَى وَقْعِ طَبْلٍ وَغَيْطَة
مِثْلَمَا تَرْقُصُ أَكْتَافُ الرِّجَالْ
وَتَعْلُو الزَّغَاريِدُ غِبْطَة
حِينَ تُزَفُّ الْأَرْضُ لِلْمَطَرْ.
آهٍ يَا مَرْقَدَ الضَّبَابْ
عَلَى السَّفْحِ بُرْخَا
كَعُنْقُودٍ تَمَدَّدْ
وَالشَّوْقُ فِي الْقَلْبِ زَادَ ضَخَّا!
لَوْ يَحْمِلُنِي إِلَيْهَا جَنُاحُ السَّحَابْ
وَقَدْ صَاحَ هَذَا الْفَجْرُ بَيْنِي وَبَيْنَها
اَللهُ أَكْبَرْ.
قرية بورخا الجميلة مرقد الضباب إحدى قرى آل سريف بشمال المغرب.