على ارض سومر ولد الحرف و الكتابة , ومن بين حضاراتها يتدفق الشعر و الادب و الفنون , فالعراق مهد للمبدعين على مر الزمان , وبلون سحنة اهلها تلون , حتى كانت بغداد العباسي قبلتها .
اليوم نقف امام نخبة من شعراء العراق الجريح , فرغم كل شيء الا ان ولادة الحرف و صياغته و جماليته لم تتوقف .
وامام كلماتها الإبداعية التي تكبر لتحلق في سماء الابداع كان لشاعرنا العراقي / ماجد الربيعي نصيبه من هذا الحرف الفذ و المبدع .
ونحن نطالع قصيدته ( ثواني تعبُــــرُ ) نجد انه’ مزج الإحساس بالحرف ليجعل منه وصفة سحرية عالية الجرعة , تتذوقها بحلاوة , وبناءٍ لقصيدة حديثة و شيقة , ليخلق جو لمستمعه , يحلق بها في خيال خصب لا تحده الحدود , فاستهل قصيدته :
( ثواني تعبُــــرُ )
العُمرُ يا سَلمى
ثوانٍ تعبرُ
بِعُجالَةٍ تمضي
ولا تَتَكَرَّر
وأنا ٱلسَّقيمُ
أَعُدُّهُنَّ بِحَسرَةٍ
وأَوارَهُنَّ
بِلُبِّ قَلبي مُسعِـــــــرُ
خَمسٌ وخَمسون ٱستَبَقْنَ
بِبابِ عُمري
مُصحراتٌ يَزدَرينَ فَأَصبُــــــــــــــــــــــرُ
صُلِبَت على
أعتابِهُنَّ مطامِحي
وغَدوتُ عَصفاً
في رياحِكِ أُنثَرُ
ربط الشاعر /ماجد الربيعي الزمان و الاحداث بصياغة جميلة راقية , عبر عنها بالعمر كرمز يدل على الإنجاز و الاحلام , فمجموع الأشياء هي محصلتها مثل ما هو العمر خلاصة للإنجاز البشري .
وبدأ يحاور أحلامه التي اسماها ( سَلمى ) , هنا قد يعتقد القارئ ان ( سلمى ) مجرد حبيبة يغازلها الشاعر او العاشق .
ولكن بالنسبة لي اعتبر ان سلمى هي الحياة التي يخاطبها و يعاتبها و يتودد لها و يتكلم بكل الوشائج و الانفعالات البشرية .
وهو يصف سرعتها بانها مرت كالثواني و لمح البصر , في وصف استخدم فيه الشاعر/ ماجد الربيعي بعض من امكانياته الفذة في الانزياح و التشبيه و التوصيف و التوظيف .
فخلق من الكلمات الروتينية التي تعلق في اذهاننا دائما لهذه الحالة و اللحظة لوحة شاعرية ممتعه تنبع من وجدان و الإحساس , تجعلك تنتقل بين هذه الكلمات وانت تتلمس معاناتها و مشاعرها , وتتذوق بنائها المسبوك كالذهب في جودته و قيمته .
وراح يصف و ينتقل بالوصف و التعبير من حالة الى أخرى ليغني بها المشهد الشعري الذي بدأه , ويجعلها كسمفونية متناغمة في الالحان .
ثم يعود ويكمل في قصيدته ما بدأه (
جالَت بِهامي مُجدباتٌ بيضُ
حاصَرنَ ٱلسَّوادَ
لينتَصُرنَ فأُنْذَرُ
هيَ آخرُ السنَواتِ
يا سَلمى ذَوَت
بِضِرامِ أشواقي
وقلبُكِ مَرمَرُ
حَتفي يُلَوِّحُ لي
وَضَغطٌ قاتِلٌ
بِدماءِ أورِدَتي
يَضُجُّ وَيَهدِرُ
ينتقل الشاعر لاوج الاحداث فيبدأ من ( جالَت بِهامي مُجدباتٌ بيضُ ) , ليلقي بالثقل الذي على كاهله و يضعه في أذن المتلقي , بصيغة تجعلك تشعر بانفعالات و الم هذه اللحظة .
وهو يعبر عما تجول به خواطر الاخرين الذين ستعجز السنتهم على هذا الوصف المتمثل بتفاصيل دقيقة ومدمجة المعنى والتعبير .
وهي تنقل كل ما في تجارب الحياة , وما جعل هذا التغيير الذي يحدث في كل شيء حتى في بنية الانسان و يجري بدمه وتتغير معه صحته وتضعف قوته.
وبعد كل هذا يبدأ الشاعر بالرجاء , كانه لم ييأس بعد كل هذا ( فأَنوءُ من كَلَلٍ
ومالي حيلَةٌ
فمَتى سُحابُكِ
فوقَ جَدبي يَمطِرُ
أوَتَعلَمينَ
بأنَّ زَعلَكِ قاتِلي
وٱلصَّدَّ عن
قلبي ٱلمُتَيَّــم خِنْجَرُ
في كلِّ يومٍ
تَعجلينَ نهايَتي
فاُزيدُ من ولهي
عليكِ وأَعذِرُ
وأَقولُ ما زالَت
هُناكَ بَقيّــةٌ
مزج الشاعر الامل والرجاء بالخوف كما يمزج الماء بالعسل , وجعل من متتبعه يشعر هو الاخر و يطلب و يترجى بعد ان تحفز عاطفته منذ المقاطع الأولى ولسان حاله وهو يقول فعلا انها هكذا الحياة .
ولكن يعود الشاعر مره أخرى ليتلاعب بالأحاسيس و الكلمات كما يلاعب العازف أوتار قيثارته , فيعزف مفردات الألم ممزوجة بكل ما سبق من احاسيس و عتاب وهو يصف حاله ليقول ( لكِنني تَعِبٌ
ودَربي مُقْفِرُ
من غيرِ عينَيكِ
الطريقُ مُلَبَّدٌ
وبدونِ وجهِكِ
روضُ عُمري مُصحِرُ
سَلمى كَفى
هذا ٱلتَمنّع وٱلنَوى
فألعُمرُ يا سَلمى
ثوانٍ تعبرُ
فلماذا ( ٱلتَمنّع وٱلنَوى ) يا سلمى وانت التي رزحت النفوس في عذابك السرمدي , وانت تتعصرين الكلمات فيكون لذة للشاربين .
لقد كان لبصمة الشاعر العراقي/ماجد الربيعي وأسلوبه اثر واضح على المتلقي او المستمع او القارئ لهذه القصيدة التي كان الشاعر موفق فيها وفي اختيار تعبيراتها المؤثرة على نفوس الاخرين .
2016/1/12
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق