النور ينضح من نوافذ حانه عبر الطريق
و تكاد رائحة الخمور
تلقى على الضوء المشبع بالدخان و بالفتور
ظلا كألوان حيارى واهيات من حريق
ناء توهم في الدجى الضافي على وجه حزين
و تلوح أشباح عجاف
خلف الزجاج تهيم في الضوء السرابي الغريق
و يشد حفار القبور على الزجاجة باليمين
و كمن يحاذر أو يخاف
يرنو إلى الدرب المنقط بالمصابيح الضئال
و تحركت شفتاه في بطء و غمغم في انخذال
أظننت أنك سوف تقتحم المدينة كالغزاه
كالفاتحين و تشتريها بالذي ملكت يداك
بأقل من ثمن الطلاء القرمزي على شفاه
أو في أظافر لاحقتها ذات يوم مقلتاك
سأعود لا نهدٌ تعصره يدي حتى الذهول
حتى التأوه و الأنين و صرخة الدم في العروق
و السكرة العمياء و الخدر المضعضع و الأفول
و الأذرع المتفترات يلون الضوء الخفوق
هزاتها المستسلمات و ينفح الدم و العبير
ظل لهن على السرير
الأذرع المتفترات و زهرتان على الوساد
نسجتهما كف مخضبة الأظافر زهرتان
تتفتحان على الوسادة كالشفاه و تهمسان
نغما يذوب إلى رقاد
ونعومة الكتفين، والشعر المعطر ، والشحوب
و تألق الجيد الشهي و لفحة النفس البهير
قلقا كمصباح السفينة راوحته صبا لعوب
و تخافق الأظلال في دعة ووسوسة الحرير
و الحلمتان أشد فوقهما بصدري في اشتهاء
حتى أحسهما بأضلعي و أعتصر الدماء
باللحم و الدم و الحنايا منهما لا باليدين
حتى تغيبا في صدري إلى غير انتهاء
حتى تمصا من دماي و تلفظاني في ارتخاء
فوق السرير
و تشرئبا
ثم نثوي جثتين
الوقوف على قصيدة حفار القبور ليس أمرا هينا كما يتصور بعض القارئين لهذه القصيدة ،وقد يعود ذلك لعدة أسباب أهما تمازج الصور وتشكيلاتها العجيبة وكثرة الدلالات في المفردة لذا توجب الوقوف طويلا وبذل قصارى الجهود الفكرية للوصول للمراد المفيد ، وكما ذكرنا أن مفردة النور كان لها الدلالة الكبيرة في هذه القصيدة والأهم من ذلك أنها تمتزج بصور غريبة جدا
النور ينضح من نوافذ حانه عبر الطريق
و تكاد رائحة الخمور
تلقى على الضوء المشبع بالدخان و بالفتور
ظلا كألوان حيارى واهيات من حريق
ناء توهم في الدجى الضافي على وجه حزين
و تلوح أشباح عجاف
خلف الزجاج تهيم في الضوء السرابي الغريق
و يشد حفار القبور على الزجاجة باليمين
و كمن يحاذر أو يخاف
يرنو إلى الدرب المنقط بالمصابيح الضئال
النور يتسلل إلى حانة للخمور حتى يمتزج مع رائحة الخمور في هذه الحانة ، هذه الرائحة التي بالكاد تطغى على النور المتسلل فتزيده فتورا أكثر مما هو عليه ثم تحيله إلى ألوان حيارى كالحريق .... تمازج عجيب يولد عدة تساؤلات غريبة ؟ تقترب هذه الأشباح خلف زجاج الحانة وهي تهيم في الضوء السرابي الغريق ...
كيفية تشبيه الضوء كالسراب ؟ الضوء غريق ؟ شحنات ولدتها الذات الشاعرة بطريقة غريبة ؟ فتمعن في سعة الخيال المحلق مع الفضاء الممتد إلى بعيد والذي تولد من الألم القابع في الذات الشاعرة ليصل إلى هكذا تعبير ...
حفار القبور وهو في الحانة يحاول أن يسيطر على زجاجة النافذة وهو خائف بعد ما يرى ذاك الدرب المنقط بمصابيح ضئال ....
رذاذ لغوي كثيف وغريب حقا بأسلوبية شعرية خاصة لا يمكن فك شفراتها التامة والوصول لسبر أغوارها ... فالقواعد الفنية للذات الشاعرة اشتغلت بقوة متناهية حتى راحت تجسد لنا شعرا وكأنه كالبريق فكيف بنا نلحق بالبريق ...
الانفعالات الحادة وعلى طوال القصيدة لا توحي إلا بالدمار الذي يحيط بالشاعر .. كيف وصل الشاعر لهذه العتمة وهذا اليأس المدمر ؟ كيف لم يستطيع ولو لفترات معينة التشبث بالأمل الحقيقي للخروج من هذه القوقعة وإن حاول كثيرا لكنه في النهاية لا يفلح ؟
و تحركت شفتاه في بطء و غمغم في انخذال
أظننت أنك سوف تقتحم المدينة كالغزاه
كالفاتحين و تشتريها بالذي ملكت يداك
بأقل من ثمن الطلاء القرمزي على شفاه
أو في أظافر لاحقتها ذات يوم مقلتاك
الآن تمعن بدراية بعد ما تحركت الشفاء لتنطق ببطء وكأنه يخاطب القادم بالموت وهو يقتحم المدينة كغازٍ .......
كيف يمكن للنور الذي اقتحم الحانة أن يكون موتا ؟
كيف وصل الشاعر إلى هذا الانهيار النفسي حتى تراءى لنا اختلاط الصور والدلالات حينما اعتبر النور هو الموت ؟
عودة إلى ما مضى وكأن الموت والدمار لا يلحق سوى النساء والإناث ...
كيف تركت المرأة هذا الأثر العجيب في حياة الشاعر الذي يطغى عليه الحقد وكأنه يريد الانتقام منها بعد أن ذكرنا سابقا كيف يواريها في قبرها ويصورها بعدة صور غريبة وعجيبة ؟
سأعود لا نهدٌ تعصره يدي حتى الذهول
حتى التأوه و الأنين و صرخة الدم في العروق
و السكرة العمياء و الخدر المضعضع و الأفول
و الأذرع المتفترات يلون الضوء الخفوق
هزاتها المستسلمات و ينفح الدم و العبير
ظل لهن على السرير
الأذرع المتفترات و زهرتان على الوساد
نسجتهما كف مخضبة الأظافر زهرتان
تتفتحان على الوسادة كالشفاه و تهمسان
نغما يذوب إلى رقاد
ونعومة الكتفين، والشعر المعطر ، والشحوب
و تألق الجيد الشهي و لفحة النفس البهير
قلقا كمصباح السفينة راوحته صبا لعوب
و تخافق الأظلال في دعة ووسوسة الحرير
و الحلمتان أشد فوقهما بصدري في اشتهاء
حتى أحسهما بأضلعي و أعتصر الدماء
باللحم و الدم و الحنايا منهما لا باليدين
حتى تغيبا في صدري إلى غير انتهاء
حتى تمصا من دماي و تلفظاني في ارتخاء
فوق السرير
و تشرئبا
ثم نثوي جثتين
تجسيد لما ذكرناه سيعود ليدفن النساء ويواريها في قبورها ويشكل صور سيمائية غزيرة الدلالات ....
يعود لأنهد تعصرها يداه حتى التأوه والأنين والصرخات .... غضبية غريبة يجسدها وكأن المرأة عدوه اللدود ؟
السكرة العمياء ... الخدر المضعضع ... الأذرع المتفترات .... نفح الدم والعبير ... وكأنه ظل لهن على السرير ....
تشخيص دقيق مصحوب بصور مخيفة مالت للتعريف كان مركزها انطلاقات شعرية تعبيرية جعلت للنص محاور عديدة لكنها ملتزمة بوحدة الموضوع وكأنه يوجه أن الذات الشاعرة قد انهمكت تماما بالوصف الحاد حتى ترانا نلمس التوقع الغريب والعجيب في مسار الوصف الغريب وكأنه يريد أن يقول لنا هناك المزيد فراح يوظفه بهذه الصور ...
الأذرع المتفترات ... وزهرتان على الوساد تنسجهما كف مخضبة الأظافر كزهرتين تتفتحان على الوسادة كالشفاه وتهمسان نغما يذوب في رقاد ..
لاحظ شفافية الألفاظ التي كان مصدرها من الطبيعة كيف سخرها في هذه المقاطع برقة عجيبة ووظفها بصور فاتنة .....
الملفت للنظر أنه في ثورة غضب عارمة فكيف استطاع المزج بين الغضب وهذه الشفافية ؟
هل يعقل أن الذات الشاعرة رغم الانفعال الحاد الذي مرت به كانت بذات اللحظة تريد إظهار الجماليات ، فإذا كان ذلك فعلا فأي شاعرية عظيمة كان قد تسلح بها الشاعر ؟
ونعومة الكتفين، والشعر المعطر ، والشحوب
و تألق الجيد الشهي و لفحة النفس البهير
قلقا كمصباح السفينة راوحته صبا لعوب
و تخافق الأظلال في دعة ووسوسة الحرير
و الحلمتان أشد فوقهما بصدري في اشتهاء
حتى أحسهما بأضلعي و أعتصر الدماء
باللحم و الدم و الحنايا منهما لا باليدين
حتى تغيبا في صدري إلى غير انتهاء
حتى تمصا من دماي و تلفظاني في ارتخاء
فوق السرير
و تشرئبا
ثم نثوي جثتين
نعومة الكفين ..... الشعر المعطر ... شحوب الوجه ... تألق الجيد الشهي .. لفحة النفس البهير كمصباح سفينة ... تشبيهات خارقة بشفافية مطلقة في هذه اللحظات انغمست في الجماليات فقط ... الحلمتان يشد فوقهما بصدره باشتهاء حتى يشعر أنهما بين ثنايا أضلعه ثم تلتصقان به لتمصا من دمائه ثم يثويا في نهاية المطاف على السرير كجثتين ...
مشهد عجيب كرس فيه عدة صور بانت من خلاله حركية التعبير الشعري بقوة بمزاج شعري منفرد من نوعه ولد لدينا عدة تساؤلات تجعلنا دوما نغوص بعيدا لنصل ولو بالقليل لما أراد توظيفه لنا ... حتى أننا نشعر أحيانا أن الشاعر وقف وكأنه يوجه خطابا لنا كان قد جثم عن صدره وأرهقه إرهاقا طويلا ....
نعود ونكرر أن الفقر كان سببا قويا أفرز لنا هذه الملحمة الشعرية الهائلة التي تجلى سحرها وإيقاعها القوي على النفوس رغم غموضها في مواضع كثيرة لتنتج عدة مدلولات ربما كان المتلقي يبحث عنها ليجد لها جوابا شافيا وهذا بحد ذاته سر من أسرار تفوق هذه القصيدة وامتداد صداها عبر السنين ونحن نؤمن أن هذه القصيدة ستبقى في قمم القصائد التي ستشغل الباحثين والنقاد والمتخصصين وحتى متذوقي الأدب والشعر والجمال والله أعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق