أبحث عن موضوع

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016

المبحث السابع للبعد الفلسفي لقصيدة حفار القبور للسياب ............... بقلم : عماد الدعمي // العراق


درب كأفواه اللحود
لولا التماعات الكواكب و انعكاس من ضياء
تلقيه نافذة ووقع خطى تهاوى في عياء
يصدي له الليل العميق و حارس تعب يعود
و سنان يحلم بالفراش و زوجه تذكي السراج
و تؤجج التنور صامته و أخيلة اللهيب
تضفي عليها ما تشاء من اكتئاب و ابتهاج
ثم اضمحل الحارس المكدود و النغم الرتيب
وقع الخطى المتلاشيات كأنه الهمس المريب
ما زال يخفق من بعيد
و تململت قدمان و ارتفعت يد بعد انتظار
و هوت على الباب العتيق فأرسل الخشب البليد
صوتا كإيقاع المعاول حين إدبار النهار
بين القبور الموحشات و أطبق الصمت الثقيل
و أطل من إحدى النوافذ و هي تفتح و ارتياب
وجه حزين ثم غاب
و تحرك الباب المضعضع و هو يجهش بالعويل
و تقول أنثى في اكتئاب
ضيف جديد ثم تفرك مقلتيها في فتور
و يظل يزحف كالكسوف يحجب الألق الضئيل
عن وجهها ظل يقيدها بحفار القبور
التشبيهات في قصيدة حفار القبور كثيرة جدا وللغاية معززة بصور ذات دلالات وأبعاد عميقة وهي بلاغة عميقة أراد الوصول إليها بأقرب الطرق رغم تشابك الصور ذات الفضاء الواسع والتي أفرزت مدلولات متنوعة تقبل التأويل ،
الذات الشاعرة انغمست في محور القصيدة وراحت تلقي مواجعها بصور تكاد تكون أشبه بالقصص التي كان محورها الأول الألم والوجع ....
درب كأفواه اللحود ....... لاحظ التشبيه الدرب كأفواه اللحود
أيّ عتمةٍ حينما يرى الدرب كأفواه اللحود ؟
سوداوية الدروب على امتداد القصيدة هي الطاغية ؟
الكواكب التي تلمع وانعكاس الضوء على النافذة ثم وقع الخطى ولكن بتعب وعياء في صدى الليل العميق مع حارس تعب وسنان في غمرة النعاس يبحث عن الراحة وزوجته تذكي النور وهي صامتة ثم أخلية اللهيب تبعث الأمل ولكنه سرعان ما يختفي ...........
صور طاغية على النص الشعري حتى تكاد تكون القصيدة عبارة عن صور متراكمة تجعلنا نتمعن فيها وكأنها مشهد درامي يخيم عليه الحزن ويتربعه الوجع والحصيلة بعد كل ذلك الوصول لحفار القبور ، هذا الحفار العجيب من نوعه الذي تراه يحزن للموتى لأنه لا يروم سوى السلام وكأنه صنع ( يوتوبيا ) خاصة به ثم لا يرمي اللوم على نفسه لأنه حفار قبور فالأمر ليس بيده وتارة وفي يأس قاتم يدعو لكي تموت الناس ليعيش هو نتيجة التراب الذي يهله عليهم ثم مقارنة بين تافهين يملكون المال وبين نفسه وهو حفار قبور ليضع العدل هو التساؤل الذي يبحث عن إجابة له .
قصيدة حفار القبور قصيدة مركزة ابتعدت عن الهشاشة وامتزجت بفن الإحساس الشعري العالي الصادر عن انفعالات ومؤثرات كان لها الأثر الطاغي على بنية القصيدة وأسلوبها الرصين ، ولا يخفى أن الشعر حالة من الامتزاج بين العالم والإنسان وتفاعل روحي بإيقاع مؤثر على الذات الإنسانية ،، والمتطلع جيدا لهذه القصيدة سيلحظ ذلك جليا لعدة أسباب ومنها كثرة الصور الشعرية التي تجعلنا نقف عليها ومعالجتها لقضايا حياتية مهمة وتجلي جمالياتها بشكل بارز والأقوى من كل ذلك كثرة التساؤلات التي خلفتها ، بل وجعلتها محط أنظار القائمين على الأدب والمتذوقين أيضا .
الحقائق الواضحة والتي من خلالها نستكشف الأشياء لا تدعونا للبحث فالشمس تبعث النور والكل يعرف هذا ولا أعتقد أننا نبحث عن تأويل لذلك . وما أردت الوصول إليه أن الشاعر السياب اشتغل في هذه القصيدة وفق منظومات بالكاد تكون خارجه عن إرادته الشعرية أي أنها ليست كالمألوف وبالتالي أدخلنا في عالم فرض إيقاعه على أرواحنا وهنا كانت مكامن القوة في قصيدته التي انطلقت من فضاء واسع ما كان حتى الشاعر يحسبه وهذا هو الشعر الحقيقي الذي يصدر من المجهول أحيانا ليحدث ثورة في النفس تدعو للتأمل والوقوف لأن الشاعر الفيلسوف بالكاد يكون أشبه بالمخرب على النحو الجذري كما ذكر هيدجر ذلك ، وذكره عادل ظاهر في كتاب الشعر والفلسفة والله أعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق