أبحث عن موضوع

الخميس، 23 يونيو 2016

جمالية النّص المعاصر :قراءة في بعض أعمال د: سجال الرّكابي............... بقلم : شاهين دواجي / الجزائر


 
صورة ‏بتول الدليمي‏.
- أودّ اليوم أن أتكلّم عن العراقية د: سجال الرّكابي ...هذه الشّاعرة ذات التكوين العلمي (علم الأحياء) أرادت أن تجد الجمال في غير العلوم التّجريبية فخاضت مغامرة الشّعر والرسم باقتدرار ذكّرنا بالطبيب أبو شادي والفيلسوف جبران .وفعلا استطاعت أن تكون إحدى نجمات الشّعر في العراق .
- وكنت قد وصفتها يومًا بـ: "الشاعرة الماكرة " في تعليقي على إحدى قصائدها فسألتني إحدى طالباتي : ما معنى أن تكون شاعرة ما ماكرة؟.... من هنا جاءت فكرة هذه الومضة والتي أردت من خلالها أن أوضح بعض الجوانب الجمالية في شعر سجال الرّكابي تكون مفاتيح تسهّل الولوج اليه للباحثين .
- قلت تقوم صناعة الشعر عن د: سجال الركابي - في الغالب - على خطة ذكية جدّا قوامها ثلاثة أساسات : شتات الرؤية الفلسفية/ عبثيّة الصورة الشّعريّة / البصمة الكاسرة للتّوقّع .
1-/ شتات الرؤية الفلسفية : يحسن بي أوّلاً أن أبيّن أن سجال الرّكابي ممّن يؤمن أنّ شعرالحداثة هو ذلك الحوار بين البلاغة والمنطق هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أن عرض الفكرة في ثوبها الفلسفي شيءٌ تمجُّه الأسماع المعاصرة التي تعوّدت التّرف ،فلابدّ من تغليف الفكرة الفلسفيّة في وشاح " الشّعرية . من هنا لمسنا مرارً ذلك الملمح العبثي المخيّم على قصائدها والنّاتج عن قلق وجودي داخلها ،تتعدّد مصادره فهو: قلق على الوطن وما آل اليه أو قلق قومي كما في قصيدتها عن "عدن" أو قلق الأنثى عن وجودها وما هيتها في مجتمع الشّرق والذّكورية كما رأيناه في غزلياتها . فهذه الأفكارتعرضها الشاعرة في جانب يظهر للوهلة الأولى أنّه " فوضى أفكار" وربّما وصل الطّرح الفكري الى أن تكون الفكرة بجانب نقيضتها ومن هنا يكون النّص عند شاعرتنا نسيجًا متشابك الخيوط بالمنظور التفكيكي أو لنقل أنّه لوحة " دادائيّة " يصعب هدم المركز فيها من أجل مطاردة المعاني .... فالمعاني هنا سابحة على علوّ يصعب ملاحقتها دونما شيءٍ من الفلسفة .
2-/ شتات الصورة : وهو سيلة شتات الرّؤية إذْ تتعامل الشّاعرة مع الصورة تعاملاً حذرًا حيث تظهر المزيّة عندها حين تلوي "عنق" الأنزياح وفق وعيها هي "وعي سجال الركابي " ويظهر هذا في التّعامل الأمثل مع البلاغة من خلال : ابتكار استعارات جميلة وتعامل غير تقليدي مع الرّمز حيث يؤدّي الرّمز عندها المعنى ونقيضه كما سنشير إليه في موضعه .
3-/ البصمة الكاسرة : (كسر التّوقّع )في آخر كلّ نصّ تحرص الشاعرة أن تترك شيئًا مقلقًا مشوهًا للوجدان القارئ حين تغيّر طريقها وتنعطف انعطافا حادًّا وخطيرًا يتسبّب في الغموض أحيانًا ومردّ هذا أن الشّاعرة تعاني من عقدة "التّلذّذ " بإرهاق الذّات القارئة ففي هذه النقطة تحديدًا ربّما كرّرت بصمتها الكاسرة مرتين في نص من عشرين كلمة ؟ شهية جامحة في تقاسم المعاناة مع الذات القارئة ... وهذه الخاصية أعطت نصوص الشاعرة طابع المطاطيّة حيث يستعصي علينا تصنيفها من حيث المضمون .
- كما أقول دائمًا لايمكن لأي بحث أن يقترب من الإكتمال دونما جانب تطبيقي ملموس تتحسّسون معي فيه ما قرّرته قبل قليل .
الجانب التطبيقي :
أعجبني هذا النص بعنوان :إلى مُزدوجأرسلَ من يَقُولُ أنتِ جوهرة
الطِفلةُ المُدلّلة بينَ البناتِ
...! أنتِ الفاضلة المُفضّلة
أزهو...ولكن ... في وَجَل
أرقُبُ هذي المسألة!
إن كُنْتُ حقّاًجوهرة
وعِندكَ المُدلُلة
فمالَك تلهثُ خلفَ حُلي مُقلَّدة؟
تتركني في حيرةٍ ومُشكِلة!
أتُراهُ حقٰاً يُحِبّني ...؟؟؟ لِمَ لا ... كلامهُ ما أجمله
أيصونني؟ أتعثّرُ بشكّي مُهَدَّدة وفيّةٌ أنا؟
أم إِنَّنِي مُضلّلة؟
أتوهُ بين قلبي وعقلي ...
حائرة ويُرسِلُ مَن يَقُولُ لي
: أنتِ المُنى وأنتِ دوماً جوهرة
لكنّكَ مدعُوّةٌ... لعُرسي غداً
و... يضحكُ ضِحكة فاجرة...!!!
- القصيدة من الغزل الرّقيق حيث تصوّر الشّاعرة جدليّة وتضاربًا داخل أنثى تحاول التّقرّب أكثر ممّن تحبّه ، كما تصوّر "دنجوانا " يوقع أنثى في شراكه، ويتأكد من استسلامها له تحت وطأة العشق، لدرجة أنّه يصارحها بزواجه في الغدّ ولا يخاف ردّة فعلها ،وهذا ما يخاف الذّكر أن يلمّح الى عشره ؟ .
- كان يمكن أن نقبل هذا المعنى لولا وجود بعض العلامات والصور التي تحيل الى شيئٍ آخر .... في هذا النص البسيط طرحت الشاعرة الأسئلة الآتية :
فمالَك تلهثُ خلفَ حُلي مُقلَّدة؟
أتُراهُ حقٰاً يُحِبّني ...؟؟؟ لِمَ لا ... كلامهُ ما أجمله
أيصونني؟ أتعثّرُ بشكّي مُهَدَّدة وفيّةٌ أنا؟
أم إِنَّنِي مُضلّلة؟
- هذه الأسئلة هي أسئلة أنثى تحاول الأطمئنان على مكانتها عند من تحبّه وهي " الطّعم "الذي تصطاد به الشّاعرة ضحاياها وهي " الغلاف " الذي تلفّ فيه الشاعرة شحنتها الفكرية ....
- إسمع مع الى الأسئلة اللآتية :
*تتركني في حيرةٍ ومُشكِلة!
*أتوهُ بين قلبي وعقلي ...
*حائرة ويُرسِلُ مَن يَقُولُ لي ؟
- لا يمكن أن نقول بأن هذه الأسئلة يمكن أن تصدر من بنت ريفيّة خشيت أن يتجاوزها قطار الزّواج فأخذت تستجدي حبيبها حتى تنتزع من أولادا وأحفادا وتفتخر بين رفيقاتها حين تكثر سواليفهن ... الفعل الشّعري يردّهذا ... نحن إزاء أسئلة "وجودية "تحمل قلق الأنثى "المشرقيّة " داخل المجتمع الذّكوري : فهذه الأنثى التي "تتسوّل " نظرة حانية وكلمة جميلة من هذا" الذّكر " وتحبّه لحدّ الجنون لن تكون سوى إحدى المدعوّات الى عرس هذا الذّكر ؟؟؟:
*لكنّكَ مدعُوّةٌ... لعُرسي غداً
*و... يضحكُ ضِحكة فاجرة...!!!
- هنا يكسر توقّع الذات القارئة ، لأنها توقعت إتّفاقًا على موعد الزّواج مثلا ، أو الأتّفاق على إنهاء العلاقة بشكل صريح وهو ما يقترب من " العادي " في المجتمع الشرقي ،لكن الشاعرة أوجدت لقطة شعرية بديعة وذكيّة تصوّر مكانة المرأة في المجتمع الشرقي الذّكوري وأنها مجرد "أثاث " لدرجة أنّها يمكن أن تقوم تدعى لعرس زوجها فتمتهن كرامتها في أشنع وأبغض صورة يرفضها الدّين والعقل والأنسانية .
إذن نحن أمام بحث في سوسيولوجيا العلاقات الأجتماعية نحن هنا نستدعي كل الظواهر المتعلقة بكرامة المرأة من : تعد{د /عبوديّة / طلاق جائر / النظرة الدونية المتوارثة و............الخ وهنا "المكر" الذي تحدّثت عنه : أن تبدأ بشيء بسيط فتصل بنا الى فضاء فكرة إنسانيّة جليلة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق