قد تكون النفس الإنسانية بطبيعتها ازدواجية في تعاملاتها الاجتماعية ويكون التعامل مع الأخرين بأنانية تكاد أن تكون مفرطة ، ولكن ليس مدحاً بالنفس لأني عراقي ومنحاز الى عراقيتي ، وشهادتي مجروحة سلفاً من قبل الأخرين ، وإنما واقع الحال يشير الى ذلك وهو أن العراقيين يمتلكون طيبة نفس وإيمان بالله والصدق في التعامل وتعلق كبير بالرابط الاجتماعي وما يحتويه من أهمية في المحافظة على الأواصر الاجتماعية ، وفي ظل الظروف الصعبة قلما يوجد في شعب من شعوب العالم وهو يحافظ على تماسكه الاجتماعي ، فترى العراقي في أحلك الظروف يقول (الحمد لله ) وهو في مصيبة ونائبة ألمت به ، كذلك تراه لا يملك قوت يومه ويعاني من الفاقة فيقول( الحمد لله والشكر ) ، وإذا أراد أن يكرم فتراه لا يبخل على ضيفه بأطيب الطعام وألذ شراب ، وهذه الطبيعة التي يملكها العراقي ذللت الكثير من المصاعب والمعاناة التي يمر بها ، فتراه في صراع مرير بالتشبث بالحياة وعدم الاستسلام للواقع المعاش ، قد يعيب على العراقي هذه الحالة من قبل الأخرين والاستهانة بقدراته ولكن العراقي يملك القدرات الفكرية والنفسية التي ترتقي به الى السمو والارتقاء فهو شعب مبدع وخلاق ويستطيع إيجاد الشيء من لا شيء لقد فاق بصبره كل التصورات فعنده القدرة على تحمل الجراح التي تستنزف كل قواه .. أن أبداع العراقيين وتكوين الشخصية العراقية جاءت وليدة هذه الظروف الصعبة فأستطاع العراقي أن يكون عاملاً وفناناً ومقاتلاً وأديباً ورجلاً مناضلاً مبدعاً وشيخاً لعشيرة يطفئ بحنكته وفطنته حرائق الحياة الاجتماعية حتى يكاد أن يسمو بمعالجته لمشاكل الحياة على القانون فهو لا يقبل الظلم ويستطيع رد الظلم ولكن عنده القدرة على العفو ، لا أدري لو كان هذا الواقع في شعب أخر من شعوب الأرض كيف يكون حاله ، فالعراقي كتلة عملاقة من الطيبة جعلت منه أن يتغلب على مصائبه ويشق طريقه في أخضم هذا الطوفان الهائل من الخراب والدمار والقتل المجاني اليومي متوكل على الله في المواجهة مؤمن بقدره وبما كتب له يردد قوله تعالى((قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا)) ليس هذا مدحاً للنفس لأننا عراقيون وإنما واقع الحال يقول ذلك والذي لا يعرف العراقيون فليقل الأخر ما يقول فأهل مكة أدرى بشعابها .
أسوق هذه المقدمة وأنا أشاهد يومياً برنامج (الصدمة) الذي يعرض على فضائية (MBC1) ضمن برامج رمضان ، والجميع يشاهد رد الفعل الأخلاقي الرائع للانسان العراقي وهو يستهجن الفعل المخالف لطباعه وتقاليده في تعامله الإيجابي ورفضه الظواهر السلبية التي تسيء الى الأخرين ومن هذه الظواهر التعامل مع الأب أو الأم أو الزوجةأو أصحاب الأحتياجات الخاصة أو ظاهرة التحرش ... وهذه الردود الفعل العفوية ليس هي بالمفاجئة للفرد العراقي بل هي من صميم الشخصية العراقية .
المهم بالأمر هو أن هذا البرنامج فضح فشل الأعلام العراقي في أظهار غيرة وشهامة ومروءة ونبل وشجاعة الشخصية العراقية في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ العراق ، والذي دل على هذا الفشل هو عندما نتصفح ردود الفعل العربية إتجاه الشخصية العراقية على صفحات التواصل الأجتماعي وخاصة ( التويتر) الذي ينشط عليه العرب ، ومن خلال نظرة سريعة للتعليقات العربية غير العراقية نلاحظ أن الدهشة سمة هذه التعليقات من خلال الأعجاب بردة فعل العراقي ورفضه لكل الظواهر السلبية الذي تناولها البرنامج ، كذلك هناك تفاوت ملفت للنظر في التعامل مع هذه الظواهر من قبل مجتمعات عربية أخرى ، شاركة في أظهار هذا العمل الفني ولكن هناك تفرد للشخصية العراقية وهي تستهجن هذه التصرفات غير الأخلاقية .
أذن هناك تقصير وضعف في المؤسسات الأعلامية العراقية متعمد أو غير متعمد في عدم أظهار الجانب الإنساني لهذه الشخصية المبدعة الخلاقة أمام العالم وأعطاء الأنطباع الصحيح لها . فعلى المؤسسات الأعلامية والحكومية أن تتطلع بهذه المسؤولية وأعطاء الصورة المشرقة للشخصية العراقية أمام العالم وتجاوز هذا القصور في التعاطي مع هذا الموضوع بعد إذ بان التقصير من خلال هذا البرنامج .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق