بُهِتَ القَريضُ فَما عَساه يَقولُ = كُبُرَتْ على أثْوابِه اسْطنْبولُ
يا جَنةَ الأرْضِ الّتي في وصْفِها = حارَ البَيانُ وجد فيه ذُهولُ
أحببْتُها فَرسمْتُها بِجوارحِي = والقلبُ فِيها مُعْجبٌ متْبولُ
ويَجولُ طَرْفي ذاهِلا في سِحْرَها = والطَّرْفُ في السِّحْرِ الحَلالِ خَجولُ
واسْتَسْلَمتْ نفْسِي فأرْخَتْ نفْسَها = فِيها تَصولُ بِمرْجِها وتَجولُ
ما صدَّها لمَّا ارْتمَتْ فِي سِحْرِها = أنْ قدْ يَعِيبُ علَى المَشُوقِ عَذولُ
أغْرَى بِها عُشَّاقَها ، مِنْ حُسْنِها = وهَجُ المَساءِ وليلُها المَجْدولُ
فاللَّيلُ يُسبِلُ جفْنَه فِي نَومِها = والصُّبْحُ فِي أشْغالِها مَشْغولُ
تَتَهامسُ الأزْهارُ حوْلَ خِبائِها = جَذْلَى جَلاها فجْرُها المَطْلُولُ
وتَجاذَبتْ فِيها أحادِيثَ الهَوى = وَحَلى الزُّهورِ حديثُها المَعسولُ
ثَمْلَى وَباكَرَها السَّحابُ بِوابِلٍ = خَطَرَتْ لَهُ فَوقَ المُروجِ ذُيولُ
والماءُ تَذرِفُه السَّماءُ لِخَدِّها = وهَواؤُها مِمَّا هَواهُ عَليلُ
والطَّيرُ قَبَّـل ماءَها وَسماءَها = وَعَلى المَحاسِنِ راقَهُ التَّقْبيلُ
والظِّلُّ يَغْفو فِي ظِلالِ جَمالِها = ولَهَا بِأفياءِ الغَمامِ مَقيلُ
وتَحومُ أسْرابُ الضَّبابِ كأنَّها = فَوقَ المآذنِ تاجُها المَغْزولُ
يتَعهَّدُ الفَجْرُ المَهِيبُ خِضابَها = والفَجْرُ لِلحُسنِ النَّضيرِ خَليلُ
يَجْري بِها عُمْرُ الرَّبيعِ بِحُسنِه = فَرَبيعُها بَينَ الفُصولِ فُصولُ
يُثني عَليها الدَّوحُ فِي تَهويمِهِ = وكثيرُ مَوْصولِ الثَّناءِ قلِيلُ
عادتْ ، وأوروبّا علَى أبْوابِها = والعَوْدُ أحْمدُ والجَفاءُ يَزولُ
لم يُغرِها إرْثُ الحَضارةِ زائفًا = وَبِها إلى إرْثِ الجُدودِ مُيولُ
فَبَنَتْ حضارَتَها على ميراثِها = ورعَى البِناءَ سَواعِدٌ وعُقولُ
فِيها حَنِينٌ لمْ يُفارِقْ طبْعَها = للدِّينِ فِي أمْشاجِها مَجْبولُ
يَنسابُ مِن شِبْهِ الجزيرةِ نَبعُهُ = والدَّرْدَنيلُ بِنَبعِه مَوصولُ
يَصْبو إِليْها فِي الهَوى إِسْلامُها = وَحَنَتْ عَليْها أفْرُعٌ وَأُصولُ
وَجَلَتْ فُتُوَّتَها لِعِزَّةِ دِينِها = فَالدِّينُ فِيها زَنْدُها المَفْتولُ
كبُرَتْ مَكانَتُها بِقَلبِ مُحبِّها = فَالعَرْضُ فِيها قَلَّ عنْهُ الطُّولُ
ستظلُّ حِصْنًا للإباءِ ، بِكفِّها = غُصْنُ السَّلامِ وَصارمٌ مَصْقولُ
رَبَتَتْ علَى كَتِفِ الشَّآمِ وجَفَّفَتْ = دَمعًا عَلى الخَّدِّ الأسيلِ يَسِيلُ
وَحَنَتْ علَيْها أنْ رَأتْها يَرْتَمي = بُنْيانُ عِزَّتِها ، وَيفْنى الجِيلُ
زَرَعتْ شبابًا لِلبناءِ فأُحرِقتْ = فيها الزُّرُوعُ وأُزْهِقَ المَحْصولُ
لَعِبتْ بِها كفُّ الخَرابِ ، وَأهلُها = فِي كُلِّ أمْصارِ الجِهاتِ فُلولُ
وَسَرى بِها لَهَبُ الخِيانةِ حينَما = أَقْعَى بِها لِخَرابِها المَخْبولُ
رَفعَ السَّتائِرَ عَن مَداخِلِها وَقَدْ = أَوْدَى عُرى مَعْلومِها المَجْهولُ
فَتَناهَبَت أشْلاءَها فِرَقُ الهَوى = يَرْعى هَواها عالِمٌ وَجَهولُ
أتُفَكُّ أَغْلالُ الجُنونِ لِذَبْحِها = بِمُدى الجَحيمِ وَيُزْهَقُ المَعقولُ ؟
أتُبادُ أنْيابُ الحياةِ وخَيْرُها = ومَخالِبُ اللِّصِّ الذَّلِيلِ تَدُولُ ؟
لا، لنْ يَصِحَّ سِوى الصَّحِيحِ وإنَّما = تكْبُو الحياةُ لينْهضَ المَأْمولُ
شطَّ الخيالُ إلى الشآمِ فَعِنْدَها = تَرْسو الحَياةُ وَيَهدأَ الجَنْدولُ
فَتَحتْ لها اسْطنْبولُ صدْرًا واسعًا = فَحنَتْ علَيْها فِي الخِيامِ سُهولُ
واسْتقْبلَتْ فِيها البُيوتُ مُشرَّدا = فَأوَى إليْها مُتعَبٌ وجَفولُ
والشَّمسُ ، واغْتسَلَ الأصيلُ بِتِبْرِها = والتِّبْرُ فِي طَبْعِ الأَصيلِ أصيلُ
أَفَلَتْ وَغادَرَها النَّهارُ ، وَشَمْسُها = لمْ يُخْفِها رَغْمَ الخُطوبِ أُفولُ
تَبقى مَلامِحُها تَقولُ لِعَصْرِها : = هَذا الشُموخُ ، وهذِهِ اسْطَنبولُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق