عنوان لقراءة كانت لي في نص الشاعرة السورية - منى التلاوي - (أسراب الحمام) وكان بحق نص في غاية الروعة طغت عليه العاطفة واثقلت كفة التعاطف على التحليل والتقصي فمنذ الوهلة الاولى لم اتمالك قلبي الذي كان يطير مع سرب الحمام الذي شكلته حروف( المبدعة الشاعرة السورية الأديبة منى التلاوي) .وجدت نفسي اطير بجناحي الألم محمولا برياح سياط القدر التي تنهال على تلكم الحمائم بلا ادنى رحمة تجلدها بأكف من التعسف الذي لم تخط انامله يوما ماينصف تلك الحمائم من سطوة الغربان ومخالب النسور التي اعتادت على تمزيق جلود الحمائم على مر العصور ومنذ كانت الارض تدور وهي تطوف على محورها ولاتجد في الكون ماتدور عليه كل يوم سوى محورها ومركزها شأنها شأن تلك الحمائم التي تدور وتطوف حول قضيتها وتطوف على محور معاناتها دون ان تجد مايفتح لها آفاقه مرحبا او مواسيا وكانت تعدو وتعدو في الفضاء لأنها اقصيت من تراب الارض ولم يعد لها مأوى ومكان على تراب موطنها فحلقت في فضاء لم تبلغه تلك الأياد الآثمة التي لاتعرف الرحمة كانت تحلق في فضائات تشابهت آفاقها وتداخلت جهاتها وتشابكت مساراتها حتى وجدت تلك الحمائم نفسها في شبكة من الحيرة في فضاء الاقصاء ولاتدرك مخرجا ولا منفذ تعود من خلاله لمسارها الطبيعي على ارض الحياة الملتهبة بالنار والسكاكين ومخالب القسوة وسياط الظلم والامتهان.تطير تلك الحمائم باحثة عن اعشاش آمنة تستوطنها وتجد فيها مايتجاوب معها ويتأثر لها لتبث في تلك المواطن العالية عجزها عن احتمال المزيد من الألم والأضطهاد وعن بلوغها ذروة التعب من كثرة الرعب ولباسه الذي مافارق معالم وجوههن المتعبة من هموم الحياة وجور المتفردين بها وتستمر ببث شكواها بأن بعضها قد هاجر الى حياة اخرى والذي يبدو لنا انها هجرة متعددة الاشكال فمنها من هاجر الى حياة في عالم آخر وكانت هجرة من المعلوم المتعسف الى المجهول الذي قد تجد به الامان احتمالا واخرى هاجرت من ذات وجودها الافتراضية وتقوقعت مستوطنة وطن الخضوع بمنافي الوجدان والجمت نفسها بالضعف كي لا تصاب بالمزيد من جراح الألم التي تطالها ان ابدت جمالها او قوتها او ارادت ان تكون في مكانها الذي اعدته لها الحياة والطبيعة فمكان الحمائم الطبيعي هو اعالي الشجر لا بين اقفاص الصيادين الذين يذبحوها لياكلوها تلذذا بلحمها الطري عند اول جوع لايجدون بين ايديهم مايسدون به رمقهم وبعدما يتلذذون بلحمها يعاودون الكرة ليذبحو المزيد منها ولا يلام صياد على ذبح بل الحمائم ملامة دائما لانها أمنت من وجود الصياد ووثقت بالاقتراب منه لحسن نياتها وصفاء قلبها الذي لايعرف الغدر .تواصل بث دموعها على اصنافها التي ماتت عند قلوعها بعد ان طالتها سهام الذئاب وكسرت اجنحتها احجار العذاب المنطلقة من ارض الخراب. تتلون بغبار شكواها مصفرة من ضعف قواها مرة ومحمرة من حرارة خشوعها بمحراب الشكوى امام عدالة القدر الذي يزفر بوجهها حرا يرتد على وجهها انفاس جمر يحمر وجهها منه فترمق نفسها بعيون الحيرة التي تأخذها صوب السماء بعد ان فقدت الثقة بمن هم على الارض لائذة بعلياء الوجود لأنها لم تجد ضالتها وامانها بجامع لمحمد ينتمي ولا بكنيسة تنتمي ليسوع .تجوب فضاء السماء باحثة عن فرح انتزع منها عنوة واستلب منها منذ كان ريشها زغبا عند اسطح البيوت وشرفاتها. تحلق عموديا لتقتحم سواد الدخان طلبا للنور المحجوب عنها بثياب الحروب وتحلق افقيا في عتمة خيام الهجرة بحثا عن شموع امل تستنير بها في اقاصي غربة الروح والبدن. وكانت قصيدة تتقطع منها نياط كل قلب لاتزال عليه مسحة الرحمة ويهزه نبض انساني تهتز منه اوردته وتتحرك منه شرايينه شفقة وتعاطفا.كانت انفاس الغربة تعطر تلك الحروف وكان انين الغربة فيها يهز اوتار السطور وحيث اشارت صاحبة النص للمكان الذي كتبت به قصيدتها والهمت حروفها حيث كانت في مدينة اسطنبول التركيه عند مغادرتها لوطنها مرغمة بحثا عن امن ونفس حياة لايتكدر بعتمة دخان الحروب ولظى نيران الموت فكانت لوحة تراجيدية لاتطيق قلوب احتمالها دون ان تخرجها وتبثها ابداعا تراجيديا معبرا عن صوت حياة مثقل بالألم يستصرخ ضمير الاحياء في نص اوجز جبالا من كلمات تضيع في ضوضاء الفوضى بينما قليل من الترتيب اوجزت به ملايين من اطنان الشكوى والتظلم.نعود لصور النص فنجد من الصعوبه افتراض حمائم تعدو طائرة لكن يمكننا فهم الصورة عبر تجزأة تركيبها لنجد ان الحمائم كانت نساء وان فكرة العدو هي لمن لايملك جناحا يطير به ولعلها قصدت بالحمائم التي تعدو تلك التي فقدت اجنحتها الحقيقية وسارت بغيرها في طرق عمودية غير مألوفة لكل السائرين على التراب افقيا وكانت فكرة القصيدة مؤطرة بالحزن من كل جانب وتستنتج اليأس والقنوط وكانت تهز بشدة فكرة اليأس على اوتار القلوب في مشهد ضمير الانسانية عسى ان تتحرك بصوت العاطفة بعد ان ابكم صوت الضمير واحتبس المنطق في غياهب الاذهان. كانت صورة النص عاطفية ومكتظة بالشكوى من كل جهاتها و قاتمة بالحزن والذي يثير التأمل بالنص ان الكاتبة تشبه تلك النسوة بالحمائم مع ان الحمائم تمتلك فضاء ارحب بكثير من تراب النساء ومع ان للحمام حرية الطيران بفضائها بينما لاتملك المرأة حرية السير على اراضيها وتربة اوطانها لكننا من جهة اخرى يمكننا ان نشهد لهما بأنهما تتشاركان في محنة اياد الغدر التي تطالهما وفخاخ الصيد وشباك المكر التي ينصبونها لهما الطامعين بلحومهما ومن هذا الباب وفكرة الغدر والمكر التي طالت المرأة نجد الكاتبة قد شبهت النساء بالحمائم تلك التي يطالها مايطالهن في اوطان الحروب ولأن النساء لا تقاتل في الجبهات ولا تعرف الا السلام كما الحمام الذي يعلو اغصان الزيتون على مر العصور . أحيي صاحبة هذا النص الذي حرك بقلبي لوعة زفرتها انفاسي حسرة لم تبرد فترجمتها حروف في قراءة لها اضعها امامكم لنؤاسي تلك الحمائم في محنتها ولو بقراءة هديلها المشبع بنداوة الهموم والأسى . اعجابي وتقديري بنص الشاعرة السورية منى التلاوي وامنياتي لها بمزيد من التألق والابداع المتواصل وكان هذا نصها الجميل الذي سلطنا عليه اضوائنا وقرأناه بعيون تعاطفت مع القضية المطروحة وحلقنا بأجنحة قلوبنا مع اسراب الحمام التي شكلتها حروف الشاعرة والبستها ريش الألم :
(( أسراب الحمام ))
تعدو و تعدو
ولا تعرف رجوع
تبحث عن مأوى آمن
عن نجوع
عجزت عن الحياة
من شدة الهلوع
بعضها هاجر
وبعض في خضوع
تأسف لطيور ماتت
في قلوع
وجوه اصفرت حينا
وأحمرت عند الخشوع
لم يحمها جامع محمد
ولا كنيسة يسوع
تبحث عن فرح ..عن نور
عن ضوء شموع .
*********************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق