يمضي الليل في سكونه حتى يغتاله الفجر بلحظة من القدر الرهيب، يبدد ظلامه الدامس، النجوم التي كانت تسكنه؛ تختفي خوفا من سطوع الشمس، الجمال يخاف النور؛ لذا يلوذ بستر الليل الفاحم، تلك النجوم لا تعرف أن الليل يفضحها أكثر حيث لا تتلألأ إلا في عتمته، نسيت النجوم إن الشمس ترسل أشعتها الفضية التي تغطي بريقها إلى حد الستر التام.
- ما علاقة الليل والنجوم بموعد ضربته مع القدر؟
هذا ما قالته عندما استعادت نظرها الذي سرقه وجه القمر منها...تنساب من شرفتها نحو الغرفة، تتجول في فكرها الرحب، تعود كي تجيب عن سؤالها قبل لحظات:
- نعم، العلاقة واضحة جدا بين الليل والنجوم والموعد الذي قطعته مع حبيبي قبل ساعة.
- هل تفكرين في إلغاء الموعد؟
- ربما نعم!
- وربما لا؟
- نعم...لي رغبة جامحة إلى عناقه الأبدي.
- وهل سوف تتركينه يعانقك؟ ما هذا الهذيان يا سلوى؟...هل سلب عقلك ذلك الكهل؟...أراك صرت طوع بنانه؛ يحركك كيفما شاء كقطع الشطرنج؟
- وهل الحبيب يرفض ما يرغب به حبيبه! المهم غدا سوف أكون بين أنامله وردة يفوح منها عطر يهيج به لوعة الشوق إلى حضن أبدي لا يعرف معنى للفراق، يكفي أنني سوف أحرمه لذة الطعام في ذلك المطعم الفخم حيث الطعام الفاخر ومشروبات مصنعة من فاكهة طازجة، سوف أكون وحدي لذته السرمدية التي تشبع نهم جوعه ويرتد منها أكثر جوعا، وحدي من سيقف في محراب عينيها يمجد الجمال والروعة في الكون الرحب، وحدي من ستكون سماءه وأرضه في الوقت ذاته، سوف أجعله طفلا يرتخي في مهده المتأرجح، لا ينام إلا في مهدي، سوف يكون شعري الغجري ليله السندسي وبياض عيني نهاره المفعم بالأمل.
- ألم تكتفي بهذا الهذيان؟
- لماذا تسميه هكذا؟...وهو الحب يسمو بجناحين نحو السماء!
- أخبريني، كيف أحببته إلى هذا الحد؟
- عصفورة أنا، أحلق فوق رياض الرياحين، لا تخاف الفراشات تقترب مني كأنني مصباح، في عيني ضوء ساحر.
ذات مرة دخلت إلى محل لبيع الإكسسوارات أبحث عن نظارة شمسية، ذلك الكهل جذبني بشكله السومري الوقور، لسانه العذب ينطق الشهد، حركاته وسكناته تدل على جمال الخلق والخلق الرفيع، أحببته من النظرة الأولى، خطف قلبي كسارق محترف، الصمت الرهيب اجتاح كياني، عاصفة العواطف شتت أفكاري، سألني عن حاجتي؛ بلهاء تقف كأنها مسمار نابت في خشب، اندهاشي أثار استغرابه.
- وكيف أحبك؟
- في اليوم الثاني، زرته في محل عمله، أخبرته بعدم قناعتي بالنظارة التي اختارها لي، نظراته الحانية زادت دقات قلبي، كلماته تنساب مثل سلسبيل عذب، لا أعرف كيف يتلاعب القدر في مصائرنا، سألته بعد عقد قراننا: هل أحببتني؟
-وماذا كان جوابه؟
-بلهاء أنت، حبيبتي! في عينيك سماء تفتح ذراعيها لعشاق الصفاء، لا يعرفها غير العارف الواله، أنت درتي المكنونة وقدري المحتوم.
فعلا أنا بلهاء، ضحكت على مفردة (بلهاء) ولم ألتفت إلى فحوى جوابه.
-سلوى، وماذا عن يوم غد؟
- لا أعرف عنه غير موعدنا الذي خططنا له، كلي شوق للخروج معه.
سوف أكتب تفاصيل ما سوف يكون (مدونتي!) أنت رفيقة رحلتي ومؤنسة ليلي الموحش، غدا يوم جديد قادم، والقادم مجهول لا نعرفه إلا بعد انقضاء ساعاته.
مع كل كلمة كنت أكفكف دموعي، اضغط على روحي المتعبة، أبتغي قراءة كل حرف كتبته أختي سلوى، عانقت دفتر مذكراتها، استنشقت روحها القابعة بين طياته، أراها ترقص فرحا بفستانها الأبيض، نيران تشتعل في داخلي، صرخات تنفجر بقوة...ما عدت أحتمل فراقها...على ضجيج الذكريات دخل، ضمني إلى صدره، راح يمسد على شعري...:
- ابنتي الحبيبة، هوني على نفسك.
- كيف يهون عليّ فراق شقيقة روحي؟.
- سلوى أصبحت بجوار الله...كفي عن قراءة مذكراتها.
- بابا أرجوك أجبني: ما ذنب سلوى وكامل؛ تأكلهما نيران انفجار الكرادة، لماذا أصبح العيد الذي كان موعد الزفاف المرتقب...عيد الشهيد؟!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق