أبحث عن موضوع

الاثنين، 13 يونيو 2016

شذرات من السيرة النبوية المعطرة ................. بقلم : د فالح الكيلاني // العراق




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله:
ذكرت في الشذرة السادسة لقاء ابي الوليد عتبة بن ربيعة العبشمي برسول الله صلى الله عليه وسلم ورده عليه بالا يات المباركة من سورة فصلت ورجوعه الى قريش ليخبرهم ان يتركوه وشانه و انه سيكون للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم شأن كبير ومما قاله لهم انه ان يظهر على العرب فملكه ملكهم وعزه عزهم وكان اهل مكة اسعد الناس به فلم يرعووا لما قال وقالوا له :
- سحرك محمد يا ابا الوليد.
فاجابهم: - هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم
فكان كما قال .
وبعد هذه الحادثة بايام وبعد فشل المشركين في مساومته وترغيبه مرة وترهيبه اخرى عرضوا عليه امرا جديدا لم يسبق ان طرقوه من قبل فجاؤا اليه وهو في المسجد الحرام فقالوا له:
- نعرض عليك خصلة واحدة فيها صلاح لك .
فقال لهم : ( ماهي؟؟)
قالوا : تعبد آلهتنا عاما ونعبد الهك عاما فاذا كنا على الحق اخذت منه حظا وان كنت على الحق اخذنا منه حظا . فانزل الله تعالى عليه:
( قل يا ايها الكافرون * لا اعبد ما تعبدون * ولا انتم عابدون ما اعبد * ولا انا عابد ما عبدتم * ولا انتم عابدون ما اعبد* لكم دينكم ولي دين *)
فابلغهم بذلك بعدم موافقته و ان كل له دينه.
( قل أفغير الله تامروني اعبد ايها الجاهلون ) الزمر\ 64
فاستشاطوا غضبا اذ وصفهم بالجاهلين . وبعدها نزلت الاية:
( قل اني نهيت ان اعبد الذين تدعون من دون الله ) .
فقد أبدوا تنا زلا بغية حسم الخلاف كما يرون الا ان النبي صلى الله عليه وسلم رفض ذلك لان الله تعالى نهاه عن القبول بما ارادوا .
ومرت الايام والحيرة تقتلهم فأرسلوا الى اليهود يستفهمون منهم و يسالونهم عن امر محمد صلى الله عليه وسلم فاقترح عليهم احبار اليهود ان يسالوه عن ثلاثة امور فان اجاب عليها فهو نبي مرسل وان لم يجب عليها فليس بنبي ولا رسول فيعملون على قتله وهذه الامورهي:
الاول : الفتية الذين ذهبوا في الزمن الماضي فما حكايتهم وما كان مصيرهم ؟
الثاني : يسالونه عن الروح ما هي وما يعلمه عنها ؟؟
الثالث: عن رجل طاف الا رض ووصل مشارقها ومغاربها فمن هو وما كان خبره ؟؟
فتجمع رؤساء قريش وزعماؤهم وعظماؤهم ليسألون النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاسئلة فانزل الله تعالى اجوبتها اليه :
فاما الفتية فهم اصحاب الكهف قال تعالى :
( ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا* اذ اوى الفتية الى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا* فضربنا على آذنهم في الكهف سنين عددا * ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين احصى لما لبثوا امدا* نحن نقص عليك نباهم بالحق انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى*) الكهف\9- 13
وفي عددهم يقول سبحانه وتعالى:
( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم . قل ربي اعلم بعدتهم ما يعلمهم الا قليل* فغلا تماري فيهم الا مراءا ظاهرا ولا تستف فيهم منهم احدا * )الكهف \22
وفي مدة بقائهم في الكهف يقول تعالى:
( ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا*) الكهف\25
وهذا الفارق تسع سنين جاء باحتساب مدة بقائهم في الكهف بين التقويم الشمسي (الرومي) و التقويم القمري ( الاسلامي الهجري) بحيث تكون المدة بين التقويمين بزيادة سنة واحدة كل ثلاثة وثلاثين سنة تقريبا أي ثلاث سنوات كاملة لكل مائة سنة . وبتعبير اخر كل مائة سنة شمسية تساوي مائة وثلاث سنوات قمرية .
واما الروح فجاء خبرها في سورة الاسراء:
( يسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي وما اوتيتم من العلم الا قليلا * ) الاسراء اية \ 85
اما الرجل الطوّاف فهو ذو القرنين قال تعالى:
( ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا * انا مكنا
له في الأرض واتيناه من كل شيء سببا * فاتبع سببا * حتى اذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا
ذا القرنين اما ان تعذب واما ان تتخذ فيهم حسنا * قال اما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا* واما من آمن وعمل صالحا فله جزاءا الحسنى وسنقول له من امرنا يسرى * ثم اتبع سببا * حتى اذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا * كذلك وقد احطنا بما لديه خبرا * ثم اتبع سببا * حتى بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا *) الكهف\82- 93
فلما علموا صحة الاجابة وتحققوا من نبوته وتبين لهم انها الحق من ربهم وانه صلى الله عليه وسلم رسولا ونبيا ابدوا بعض المرونة اولا واستعدادهم لسماع ما يقوله لهم ولكنهم اشترطوا عليه ان يقيم لهم مجلسا لا يحضره ضعفاء المسلمين _ وهم فقراء قريش وعبيدهم وهؤلاء هم السابقون في الاسلام وهم اصحاب التقوى والايمان - وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كاد ان يوافق على هذا الراي بغية حرصه على اسلام المشركين وهدايتهم لولا انزل الله عليه :
( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه . ما عليك من حسابهم وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين * ) الانعام \52
وقال تعالى :
( ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا*) الاسراء\74
فنهاه الله تعالى عن ذلك فلم يوافق على رغباتهم . فأبى الظالمون الا كفورا وطفقوا يتظاهرون بالوعيد والعناد والمكابرة ولم يبق عندهم الا السيف والقتال ومعناه التناحر والحرب والمقاتلة فاحتاروا فيما يفعلونه .
في هذه الظروف الصعبة كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يتخذ من منزل الارقم بن ابي الارقم المخزومي موقعا ثابتا لتعليم المسلمين العبادة والايمان فكان يجتمع مع اصحابه كل يوم سرا فيه فيتلو عليهم القران الكريم ويعلمهم الايات التي تنزل عليه تباعا سرا وآنا جهرا فكان يعبد الله تعالى على مرأى ومسمع من المشركين لا يهابهم . فكان الكــفار يمتعضون من ذلك ويعمـــلون على ايذاء المسلمين مما جعل الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم يفكر في ان يشــير على المســـلمين بالهجــرة الى الحبشـــة حيث يوجد النجاشي وهو ملك اشتهر بالعدل فلا يظلم عنده احدا . فهاجر جماعة من المسلمين اليها وفي الحقيقة هي هجرتان تمت الى الحبشة :
الاولى في رجب من السنة الخامسة للنبوة وفيها هاجر جماعة من المسلمين وعددهم اثنا عشر رجلا واربع نساء يتراسهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويعتبر عثمان بن عثمان الرجل الثالث الذي هاجر مع عائلته في سبيل الله في التاريخ . اذ كان اول من هاجر سيدنا ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث انه هاجر وزوجته من بلاد بابل في العراق الى فلسطين في الشام وثانيهما لوط عليه السلام .
هاجر هؤلاء سرا في جنح الظلام قاصدين مدينة جدة حيث وجدوا سفننا على وجه الانطلاق فركبوا الى الحبشة وكان ممن هاجر الزبير بن العوام و عبد الرحمن بن عوف وابن مسعود و ابو سلمة وزوجته .
فلما علمت قريش سفرهم هاجوا وماجوا واسرعوا في اثرهم كي يمنعونهم من السفر ويعيدونهم الى مكة فيصرفونهم عن الاسلام او يعذبونهم وينكلون بهم فلما وصل القرشيون الى جدة كانت السفن قد ابحرت و كان المسلمون قد سافروا . فرجعوا خائبين .
وفي هذه الاثناء حدث امر عظيم الشأن حيث نزلت على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ( سورة النجم) في رمضان أي بعد شهرين من هجرة المسلمين الى الحبشة . فخرج النبي عليه الصلاة والسلام الى المسجد الحرام فوجد جمعا كبيرا من قريش يطوفون حول الكعبة ومنهم رؤســاؤهم وعظماؤهم فقام بهم يتلو عليهم هذه السورة المباركة وقريش تسمع لهذا الكلام الرائع الذي ما سمعوا بمثله ابدا فاخذتهم الدهشة من روعة هذا الكلام فبقوا يستمعون اليه مبهورين ومبهوتين حتى تلا هذه الايات التالية :
( وان الى ربك المنتهى* وانه اضحك وابكى * وانه امات واحيا * وانه خلق الزوجين الذكر والانثى* من نطفة اذا تمنى* وان عليه النشأة الاخرى * وانه اغنى واقنى * وانه هو رب الشعرى * وانه اهلك عادا الاولى * وثمود فما ابقى * وقوم نوح من قبل انهم كانوا اظلم واطغى * والمؤتفكة اهوى * فغشاها ما غشى* فباي الا ء ربك تتمارى * هذا نذير من النذر الاولى * ازفت الازفة * ليس لها من دون الله كاشفة * افمن هذا الحديث تعجبون * وتضحكون ولا تبكون * وانتم سامدون *)
النجم\42- 61
( راجع كتابي - يوم القيامة في القران الكريم – الجزء الثاني)
وهي خواتيم هذه السورة المباركة لما فيها ردع وزجر وقوارع فخشعت لها الانفس واستقنتها القلوب فلما وصل الى الاية المباركة :
( فاسجد واقترب *) النجم \ 62
خر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ساجدا لله تعالى فلم يتمالك القرشيون انفسهم فسجدوا جميعا بسجوده الا رجل واحد هو امية بن خلف اذ اخذ حفنة من تراب بيده ورفعها الى وجهه ليتعفر بها قائلا :
- يكفيي هذا .
وجاء عن ابن مسعود رحمه الله انه قال :
( ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقي احد من القوم الا سجد فاخذ رجل من القوم كفا من حصى او تراب فرفعه الى وجهه وقال: يكفيني هذا . فلقد رايته قتل كافرا – هو امية بن خلف قتل يوم بدر)
فلما شاع الخبر ووصل الى الحبشة ظن المسلمون ان قريشا اسلمت فعادوا من الهجرة فرحين الا انهم قبل ان يصلوا مكة بمسيرة يوم واحد وقيل ساعة من نهار عرفوا حقيقة الامر فرجع قسم منهم والقسم الاخر دخل مكة سرا .
القرشيون ندموا على سجودهم مع المسلمين فشددوا العذاب عليهم والتنكيل بهم فاشار النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة الى الحبشة خاصة وقد عرفوا بحسن جوار النجاشي للمهاجرين من اخوانهم الذين هاجروا من قبل .
وهذه هي الهجرة الثانية فشد الرحال ثلاثة وثمانون رجلا و ثماني عشرة امراة استطاعوا السفر رغم تيقظ قريش وحرصهم على منعهم منه . فلما علموا بهجرتهم شق الامر عليهم فارسلوا في اثرهم اثنين من اشد رجالهم حنكة ودهاءا: عمرو بن العاص و عبد الله بن ربيعة .
نزل الرجلان الحبشة فاتصلا بالبطارقة وقدما اليهم الهدايا وشرحوا الامر الذي جاؤوا من اجله اليهم راجين مساعدتهم في ردهم فقدموهم الى النجاشي وقدما له الهدايا التي ارسلها له عظماء قريش وقالا له :
-( ايها الملك انه ضوى الى بلدك غلمان سفهاء فارقوا دينهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا انت وقد بعثنا اليك اشراف قومهم من آبائهم واعمامهم وعشائرهم لتردهم اليهم فهم اعلى بهم عينا واعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه ) فايدهم البطارقة.
الا ان النجاشي قرر سماع قول المهاجرين فاحضرهم وسألهم عن هذا الدين الجديد الذي جاؤوا به ومن اجله فارقوا قومهم واهلهم . فتقدم جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه فقال قولته المشهورة:
( ايها الملك كنا قوما اهل جاهلية نعبد الاصنام وناكل الميتة وناتي الفواحش ونقطع الارحام ونسئ الجوار وياكل منا القوي الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وامانته وعفافه فدعانا الى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نحن وآباؤنا نعبد من دونه الحجارة والاوثان وامرنا بصدق الحديث واداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور واكل مال اليتيم وقذف المحصنات وامرنا ان نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا وامرنا بالصلاة والزكاة والصيام فصدقناه وامنا به واتبعناه على ما جاء به من دين الله وعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم الله علينا واحللنا ما احل لنا فعدا علينا قومنا وفتنونا عن ديننا ليردونا الى عبادة الاوثان عن عبادة الله تعالى وان نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا الى بلادك واخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ان لا نظلم عندك ايها الملك )
وتحاور جعفر مع عمرو بن العاص في حضرة النجاشي :
فقال عمرو لجعفر : تكلم
فقال جعفر موجها كلامه الى النجاشي:
- سله اعبيد نحن ام احرار ؟
فقال عمرو بن العاص: بل احرار كرام
فقال جعفر: هل اهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟
مقال عمرو: ولا قطرة دم
قال جعفر: هل اخذنا اموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟
قال عمرو: ولا قيراط
فقال النجاشي : فماذا تطلبون منهم ؟
قال عمرو : كنا نحن وهم على امر واحد على دين آبائنا فتركوا ذلك واتبعوا غيره.
قال جعفر: كنا نعبد دين الشيطان ونكفر بالله ونعبد الحجارة . اما الان فنعبد الله وحده ولا نشرك به احدا فنحن على دين الاسلام جاءنا به رسول من الله وكتاب مبين .
فقال له النجاشي: تكلمت في امر عظيم فعلى رسلك.
ثم امر بضرب الناقوس فاجتمع اليه كل قس وراهب .
فقال لهم : اخبروني هل تجدون من بعد عيسى الى يوم القيامة نبيا؟
فقالوا: اللهم نعم فقد بشرنا به عيسى عليه السلام فقال(من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي ).
فالتفت النجاشي الى جعفر وقال له: ماذا يقول لكم نبيكم وما يأمركم به وما ينهاكم عنه ؟
فقال جعفر: يقرا علينا كتاب الله ويامرنا بعبادة الله وحده ويامرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر ويامرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر الوالدين وكفالة اليتيم
فقال النجاشي له : اقرا ما عندك منه .
- فقرا عليهم جعفر بن ابي طالب سورتي العنكبوت والروم فاستزادوه فقرا عليهم سورة الكهف .
ثم التفت النجاشي الى عمرو بن العاص وصاحبه فقال لهما :
- انطلقا فلا والله لا اسلمهم اليكما .
الا ان عمروا بن العاص احتال حيلة اخرى على الملك فقال له :
- ان المسلمين يقولون في عيسى قولا عظيما.
فسأل النجاشي جعفرا : ماذا تقولون بعيسى ؟
فقال له جعفر:
- نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته القاها الى مريم العذراء البتول .
فاخذ النجاشي من الارض عودا ثم قال :
- والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود اذهبوا فانتم سيوم- اي آمنون- في ارضي –
ثم امر النجاشي برد الهدايا على عمرو بن العاص وصاحبه فرجعا الى قريش خائبين .
يتبــــــــــــع
اميرالبيـــــــــــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العـــراق- ديالى - بلــــــدروز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق