لغة الجسد التي لطالما غادرت المنهج اللفظي وتربعت على المساحات الايحائية لتؤشر للعالم ان اللغة علامات ومؤشرات فدونت من خلال مسيرتها الموغلة في القدم بالرغم من ادعاء الكثير على انها لغة حديثة العهد..حتى انها وكما اظن لغة ام ومن طياتها خرجت كل اللغات.. عالم مدهش مترامي الدلالات ويحكي من خلال أروماته تواصلا ربما كل اللغات لا تستطيع مجاراته لان اصول التواصل خرجت من عباءة تلك اللغة الصامتة التي لا تصدر ضجيجا لان فعلها الايمائي هو صيرورة التلقي الاسرع والاكثر ايغالا في انتاج مساحة تواصلية يتعدى الصوت الهادر للغة القرائية السماعية . فهي فعل غير لفظي يعتمد الديناميك الجسدي اداة التوصيل المعول عليها ويتجاوز جغرافية الامكنة بوصفها اي ( لغة الجسد ) اجتهاد مرئي وكلنا يعلم ان الصورة ومنها المتحرك ..لها الصدى الاكبر في حلقات التلقي وشاهدنا ان (شارلي شابلن) الذي جسد بحركاته وأفلامه الصامتة اروع وأبهى سمات التلقي الصامت في ترجمة فورية للسلوك المتابع وتظهر علامات التلقي على مساحة الجسد وحسب التاثير الفاضح وهذا ما يتمثل بالوجه الذي هو اكثر تاثيرا وعلاماتية شاخصة من خلال التغير في اللون والعقد الاخرى,,, انها ايماءة وخلاصة فاضحة لما هو مستور ومخفي ...لسنا هنا بصدد شرح لغة الجسد انما هو تقديم لسؤال ربما يتبناه القاريء .... فنحن على علم ويقين بمفردات تلك اللغة .. لكن في الغالب يتوارد السؤال .. كلنا يعي ماهية لغة الجسد .. ماذا عن جسد اللغة ؟وهو محور ما نصبو اليه من خلال تلك القراءة المتواضعة في مجموعة الشاعر حسين السلطاني رحمه الله (كاف يا وثري) التي صدرت مؤخرا بعد رحيله عن دار المرتضى 2016 والتي حفلت بتسعة نصوص فقط فكان النص الذي حفلت المجموعة الشعرية هذه عنوانا لها والذي استحل مساحة تقترب من نصف اوراقها ....
اللغة بوصفها كائن حي وحسبما ذكرته في اكثر من مقال .. فهذا الكائن يتنفس ويمارس كل الافعال الحياتية ويستطيع ان يتواصل مع الاخر والدليل ان هذا الكائن اللغوي صاحب السمات البايلوجية المغيبة يستطيع ان يمارس على المتلقي سلطة التلقي وتحريك اساريره والاكثر من هذا احيانا يتلاعب بمقدرات المتلقي من خلال التنوعات الدلالية لتي يبعث بها من خلال شفرات البث ..
من هنا ممكن ان تعتبر--- اللغة جسدا --- له ديناميكيته الفاعلة استدلالا من ادوات البث التي يمتلكها .. لكن ما هي اشارات اللغة ؟ يمكن تصنيف الحركات الجسدية للغة من خلال قدرة الكاتب على جعل الجملة الشعرية او السردية وتلوناتها وحراكها وفنون التوصيل بفاعلية حاضرة ومتقدة والاكثر حضورا في هذا الجسد اللغوي هو ما تتلمسه في النص الشعري والسردي مما يجعلك ازاء مشهدية تتراوح حسب درجات التلقي .......يضاف الى ذلك فحوى الافعال: المضارع والأمر والماضي التي تؤشر بعلاماتها الدلالية مستوى تحركات جسد الجملة على مستوى ما كان من السرد او الشعر فهي تحمل ايماءات وكانها يد راقص الباليه او تموجات جسده ولأننا بصدد الولوج الى مجموعة حسين السلطاني (كاف يا وثري) .. نصوص البديعة... تتيح لنا العنونة ثغرة التلصص لنصوص من طراز خاص ولعل العتبة الاولى باثاراتها غير التقليدية ترسم مسارا مدمجا بين الخبايا المستترة وراء قصدية تحاول ان تمازج بين العام والخاص وصولا الى تركات مخبئة تحت وابل الحرف... فعتبة العتبة ...تشير الى تمازج مثير اعتمده الشاعر وفي ظن منه انه محاولة لا بتلاع الخراجات التي تشكلت وتشاكلت مع ايقونات اليومي من انبهاراته المشتعلة . واعتبره تماهيا شعريا سيعبر به المتعرج من خلاساته المدغمة في جحافل الانتقال الى عوالم اخرى لانه فضح النص من خلال التسريبات التي ربما لا يرى... ولعل المتلقي يدرك ما يلعبه الاخر مع صاحبه على رقعة الشطرنج عندما يكون متفرجا ( متلقيا) اقرب من حلبة الصراع
ان عملية استيعاب النص والخوض في غمار الايحاءات يخضع الى جملة من العوامل منها ... الترابط المجتمعي والتقارب النفسي والمساحات المتقاربة بين الناص والمتلقي وربما الابعد من كل ما ذكرنا يخضع الى عوامل مكملة اذا ما استبعدنا العوامل الاولى وتتمثل تلك بالممكنات القرائية الفاحصة استنادا الى البعد المعرفي في ادوات النقد بكل مدارسه .. واستنادا الى ما تقدم يمكننا القول ان العلامات البحثية في ثكنات النصوص تتيح لنا التجوال في ثكناتها ومدلولاتها ربما اكثر من المتلقي الاخر الذي ربما يبتعد عن الدقيق والشامل في اروقة النصوص فاستدعاء الرؤى المخزنة في اروقة اليومي تتيح للمتلقي الاقرب نسبة عالية من تلقف الاشارات وتعليلها على نحو يجيد فيه الفحص وقراءة ما وراء القصد ................
( كاف ياوثري ) عنوان المجموعة الشعرية بإحالاته المربكة الى حد ما ..ياء النداء ل (وثري ) بمدلولها الايحائي وإحالاتها الدلالية تؤكد صيرورة مدغمة يمكن الافصاح عنها بعلامة التداخل لشخصيتين مختلفين.. الاولى هي العلامة الراكزة , والاخرى رغبة مكتومة لرجل بري يجاهد باقصى ما يمكن العزل وحتى التماهي مع تلك العلامتين (كافه / اثماره ) تلك الثنائية التي تشكلت عصبت عقدة في تلابيب هذا الكائن الشعري ولم يستطع افراز مزيجا يمرر من خلاله تلك التجربة المريرة المحيرة فهو لا يستطيع التفريط .. ب( الكاف ).. ولا التمسك ب (الثمار) فكان الفيصل التحولي ان الرمز الايحائي في العنونة تسربت ايقوناته في متن النص ( اما انت يا اثمار )....فبما ان لغة الجسد تتموضع بفعل لا ارادي ولا شعوري منتجة فعلا مبطنا اشاريا ..كذلك الجسد اللغوي – القصيدة , الجملة الشعرية والسردية - يمتلك الصفات عينها ويبث شفراته عبر قنوات الكتابة معبرا ومؤشرا وموصلا عن طريق الحركة الجسدية للغة وتموجاتها
(اطلعي من البئر .. غافية اطلعي الوسيمة ... يا بنت الكلب لماذا انا نبي و سكران
اسمعي يا نهر الله ... اما انت يا (اثمار )العالم ابتعدي عني مثل الضفة والنسيان لأعود لـــ كافي ... يا كافي , نهرية انت ..اسمك يقول هذا ,جرحي المحنط انت ,زاوية الزوال من ذا الذي دلك على الفراق وأسمائه )
تتحرك اللغة بوصفها جسدا في اتجاهات شتى من خلال المناورة القصدية والغير مقصودة اضافة الى المحاور المتعددة بالكتابة وكما استخدمه شاعرنا موضوع الدراسة فهو في نصه (كاف ياوثري) يحاول ان يبث من خلال النص مجموعة من الارهاصات منها التمرد الشخصي وعثرات حياتية (موت سعيد) اخ الشاعر الذي مات غرقا والتناسب اللوني في حيثيات البث وووو.. ليجعل من جمله النصية مثابات ترسم مصائر متعددة مرّرها عبر قنواته الفاعلة فنقرأ ص28 حين يمزج ما ترطّب من التراب مع ما تيبّس منه والغور في ازقة المراوغة
.....(في خان بطنجة قرأت كتاب الباه ,لذلك تذكرت عينين تلوحان للقرد بالشبق ,لو علوت مثله (لأكلت جوزته وشربت ماءها ) ولحطت على يدي من كل زوج انثى ..قرّديني اذن .ولا تجففها يا حبل الغسيل ,دعها تنتظرني ريثما ارد قرديتي ,واشطف عاري بمياه التناسل كذلك حبيبتي لا دمع في عينيها ,لهذا كل انثى انكسار )
اللون الذي اخذ مساحة مهمة في نصوصة ف نلحظ هنا وفي مواضع اخرى يحاول ان يستنطق اللون بوصفه علامة ومؤشرا مهما في رحلته التي لم تدم طويلا (الحنطة .. السنبلة ... الحدائق ...الفراديس......ووو) فهو يزاوج اللون بمقادير التأسي ولحظات الفرح الماره سريعا وبين اصفرار يحيله الى تصدير الحياة وخمول وخيبة لان الاصفرار علامة تدلنا الى حيث الشحوب والتخاذل في اركان الجسد ففي ص 30 يقول
( دعيني المس الارنب لأفك خطاياه لا داعي لنتركه وحيدا ..كذلك السنبلة تبحث عن وطن شريد .وأقول ..يا سنبلة ادخلي الوطن ,لماذا اللوعات حصتي , والطين يشبه الكتابة )
ما نجده في تلك البانوراما ان هناك عملية تبادل تنافذي لرقصة اللغة فيما يكتبه حسين السلطاني ليسجل لنا من خلال اللوحة النثرية نصا معبرا للحراك الذي يشعل فيه فوانيس اللغة بامتداداتها متناولا السير المؤثرة وصهرها في بوتقة النص والخوض بتساؤلات تارة توثق المرارة وتمنح وجه الحقيقة سطوعا في تارة اخرى ..انه يملا كاس التمني بحلقات متمددة الى حيث مخياله الذي تسامت معانيه واضحى سلالة بقيود تربعت على هذيانات اربكت يومه المتكأ على منبر الحياة فكانت صلاته الشعرية بمحراب مشوّه وخرق لفضاء لا يستطيع الافلات من عناوينه التي احتوت كل ايامه القصّر ......فهو اي الشاعر يستخدم منظورا متعدد الرؤى يمرر عبر مساحاته الشعرية ليرصد تحولاته اليومية عبر قنوات يحاول ان يدجنها لصالح عالمه الذي لم يكن ممتدا الى امد بعيد ..حقا ربما الحاذق منا لا يستطع الخوض في مشاكسة شعرية مع هذا الانسان الشعري الذي غادر دون ان يكمل ماعون عشائه الشعري فو يسعى الى(( تبريد اللغة الشعرية )) حسب(الشاعر عز الدين المناصرة) لسعي سردي تتزاوج فيه الاحداث والعلامات لبناء فني في اروقة المساحات الشعرية السردية بتأمل هاديء وخلوصات تذهب الى حيث التمفصل مع كل اشيائه ..لهذا تبقى اللغة جسدا معبرا وباثا متنوعا كما الجسد في كل علاماته التي نعرف .. كذلك نتلمس في نصوصه القصيرة والهايكو الذي يكتب التسربات المثيولوجية بوصفه مثقفا ولج وقرأ الثقافات السومرية والبابلية والاشورية متاثرا باستاذه وصديقه د. خزعل الماجدي فقد تناول الشاعر مضامين هذه الثقافة في اكثر نتاجاته الشعرية وتاثره الواضح في( النفري ) والتي تجلت وتسربت بقصد وغيره في كثير من المواضع فنقرا ص 51 من نص (امشي مع النفري )
(ثم اقامني في رمال الترك ومضى /وبقيت نفريا ضائعا /اوقفت نفسي في المطر /وقلت للنسيان : تذكرني /اتذكر اذ في المهد لا انام ؟)
بقي ان نقول ان حسين السلطاني شاعر يجيد العزف على اوتار اللغة ويلوي عنق الحرف ليجعله مطواعا بين انامله الشعرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق