وقفَ بين جموعِ المصلين ، تَحَسّسّ الورقةَ التي أعطاه إياها الشيخُ ذو اللحيةِ الزرقاء الممهورة بختمه، شدَّ عليها بأنامِلِهِ، لقد أكّد له الشيخُ بأن هذه الورقة جواز دخوله إلى الجنّة، هو دائما يصدَّقُ ما يقولُهُ الشيخُ، ولماذا لا يصدق فدماغُهُ مغسولٌ ونظيفٌ جدًّا.
نظر حوله ..التقتْ عيناه بعيونٍ كثيرةٍ تحملقُ فيه، منهم من ألقى عليه السلامَ، ومنهم من ابتسمَ له، واحدٌ فقط أخافَهُ حين نظرَ إليه شزرًا، همس أحدُهم بحنان :" هداك الله يا بنيَّ تعالَ قِفْ بجانبي" كاد يضعف أمام معاملة بعض الناس له، بخاصةً عندما شدَّه طفل من بنطاله مداعباً، وهو يسير قربَ والدِه.
شدَّ على الورقة من جديد، أخذ منها قوّةً وعزمًا، بسملَ حوقل، صاح "الله أكبر" و دوَّى انفجارٌ ضخمٌ مزَّقه ومزقَ من أَنِسُوا به وأفسحُوا له المكان. تشظّى أحمدُ قطعًا، وملأتِ الجثثُ الممزقةُ أرجاء المسجدِ، وغطّى الحزن والصراخ والعويل كل شيء.
هناك في العالمِ الآخر .. عالمٍ غيرِ عالَمِه، لملمَ أحمدُ أشلاءَهُ قطعةً قطعةً، جمع حوائجه واتجه نحو الحلمِ، إلى فردوسِ حياتِهِ الجديدةِ، إلى الأربعين المنتظرات، طالعَهُ هناك بابان كبيران..أحدهما تتأجج خلفَه النيرانُ أتوناً عملاقاً، والثاني يتأرّج عبقًا وسحرًا وإيمانًا.
لم يتغير به شيء، ملابسه، هي...هي .. وجهه الكالح، عيناه البلهاوان، شفتاه المرتعشتان، دماغُهُ المغسولُ، مدّ يدُهُ إلى جيبِهِ أخذ الورقة الحلمَ، واتجه إلى باب العبق والسحر باب الجنّةِ المأمولة التي وعدَهُ بها الشيخُ ذو اللحية الزرقاء ، خُيِّل إليه أن حورياتِهِ تلوِّحْنَ له: أن اسرعْ، رآهن يتغامزن، غذَّ السير نحوهن في فرحٍ طفولي أو هكذا بدا له، أخذ يفضُّ الورقةَ بحماسٍ مرَّر عينيه عليها قرأ بذهولٍ مكبوتٍ:
" ومن يقتل مؤمناً متعمِّداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها أبداً"
تساءل باستغراب: كيف وصلَتْ تلك الورقةُ إليه، كيف استُبْدِلَتْ بورقةِ دخولِهِ الجنة، لقد قرأَ بأُمِّ عينيه عبارةَ (الجنةَ) .. تمتمَ "غير معقول "لماذا جهنّم ؟!!"
وقف أمامَ باب الجنة ، يطرقه بعنفٍ، فلم يِنْفَتِحْ .. صاح بأعلى صوته " أنا شهيدٌ أنا شهيدٌ مأواي
الجنة هذا ما وعدني به الشيخ ذو اللحية الزرقاء"
قال لي" فَجِّر نفسكَ بأيّ شيء، تجمعاتٍ، جامعاتٍ، مدارسَ، مساجدَ، أسواقًا..اُقتلْ أكبرَ عددٍ ممكنٍ من الناس، رجالاً نساءً أطفالاً، لا يَهُم اُقتلْ وادخلِ الجنة"
عاد يصيح "أنا شهيد..أنا شهيد.."لكنّ الباب لم يفتحْ، قهقهةُ الحوريات صَكَّت أذنيه. وقبل أن يغادرَ المكانَ متجهاً نحو الباب الآخر الذي أشار عليه رضوان الجنة. شاهدَ الطفلَ الذي شده من بنطالِهِ، يلُّوح له مبتسماً ووالدُه بقربِهِ، والرجل الذي أفسح له المكانَ للوقوفِ بجانِبِه، وعديدٌ ممن كانوا يصلّون في المسجدِ، حتى ذلك الذي نَظَرَ إليه شزرًا. بينما الحوريات لا يَزَلْنَ يُقَهْقِهْنَ بجنون، وهن يشرْن إليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق