في الثلث الأخير من الليل امتطيت حصانا أزرقَ من غير سرْجٍ ولا لِجام ، أمخُر عُبَابَ البحر في اتجاه اليابسة ، كنا نطوي صفحات البحر كما يطوي قارئٌ عابثٌ صفحاتِ كتابٍ، لم نشعرْ حتَّى ارتفعتْ أمامنا أمواجه كالحيطان ، وخلْت أننا سنغرقُ لا محالة، وأنا الذي لم يسبقْ له أن ركبَ بحرا أو اعتلى ظهرَ حيوان ..
كأننا سقطنا من على سفينة نوح عليه السلام ، لكنْ نجونا بقدرةِ قادرٍ من جحيم الطوفان..هكذا أحسسْت ذات كَبْوَةٍ حين غمرتنا الأمواج من أخمص قدمينا حتى الرأس. كان شيءٌ ما يشدّني إلى ظهر الحصان لا أراه، إنما أشعر به ؛حَدَثَ ذلك مِرارا ، حين كانت تُدَاهمنا الأمواج على حين غرّةٍ. من شدة الخوف لم أكنْ أنظر إلى الخلف ولا أحدِّق كثيرا أمامي ، وحين فعلتُ بدَتْ لي قدّامي معالمُ جزيرةٍ يلفُّها الضَّبابُ وورائي نبتت صخورٌ ناتِئةٌ كسُفُنٍ غَزَاهَا الطُّوفان، ونحن معا على الشاطئ كسمكة قرْشٍ جَفَلَهَا البحرُ.
استرجعت بعض أنفاسي الباقياتِ ، وحاولت أن أخفيَ هَلَعِي عن الحصان،فكنت أمسح بيدي على ناصيته التي تراكم فُوَيقها رذاذُ الضّباب الخفيف ،وأُثْنِي عليه بوَابِلٍ من كلماتٍ ..، كان يطأطئُ رأسَه كسُنْبُلةٍ في شهر ماي، ويمجُّ من أنفه بين الفينة والأخرى بخارا كالدخان ، في الوقت الذي كان قلبي يوشك أن يفضحني من كثرة الخفقان..
لم أكنْ أحلمُ إني رأيتني راكبًا مرَّاتٍ عدَّة على الحِصَان نفسه ،ولم أقصص ما رأيته على إخوتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق