أبحث عن موضوع

الأحد، 5 يونيو 2016

براءة الحروف وأدانة الترتيب( دراسة نقدية )عن (قصورة) الشاعر العراقي علي الأمارة .......... بقلم : رائد مهدي // العراق


عنوان لدراسة نقدية كانت لي والتي كانت بعنوان - فكر - وقبل البدء بالدراسة اود التنويه لمعنى كلمة قصورة لمن لم يألفها بعد فهي عبارة عن نص (قصيدة) و (صورة) بمثابة شاهد حسي على النص وبدمج الكلمتين قصيدة و الصورة ينتج قصورة . وبعد : تبدو لنا الحروف في تشابه شديد الى حد التماثل تجده من النظرة الاولى لكلمتي فكر وكفر .كل مافي الامر هو ذلك التقديم والتأخير في وسط الكلمة فما ان نزيح الكاف الذي يتوسط كلمة فكر ونسوقه عنوة الى طرف الكلمة ستتحول كلمة فكر الى كلمة كفر وببساطة شديدة ان الوسطية التي يتحقق بها الاعتدال لو اقصيت من مكانها وكانت لطرف ما استحالت لكفر وعلى نفس الشاكلة يمكننا ان نضع كلمة كفر التي هي محصلة طرفية فكر وتطرفه فلو دفعنا كاف الطرف بكلمة كفر لو دفعناها عنوة لتعود لمكانها في الوسط الذي به يتحقق الاستواء وعدم طغيان كفة على اخرى وعدم رجاحة جهة على حساب خفة اخرى واركاسها مرغمة .واعجب مابتلك الحروف هو تشكلها على حالتين متضادتين وكأنهما تحملان نفس المضامين وما هو الا الترتيب ولعبته التي يحترفها اصحاب الحرف والتحريف والاحتراف .كانت تلك نبذة بسيطة عن تركيبات حروف الفاء والكاف والراء ولعبة تشكيلها التي تجسدت واقعا امامنا تشاهده العيون وتتحسسه الآذان وتهتز له المشاعر .آه لتلك اللعبة وذلك الترتيب الذي لو كان مقتصرا على ساحة الحرف لما نال من الانسانية من ويلات كالتي اصابتها حين استحال الترتيب من مجرد حروف يتلاعب بها الى صورة حية تدركها الحواس البشرية لذا ارتأى صاحب النص العمودي الشاعر علي الامارة ان يستدعي الصورة التي تجسد معالم تلك الحروف صوريا من حيث الاستواء ومن حيث الازاحة عن المكان والرفع والسحب الى طرف عمودي الى نحو جهة فعند دحرجة الكرسي الذي هو الوسط مابين القلم وارضيته ازيح القلم عنوة الى جهة وحدثت الهوة التي هي الكفر بعينه لأن الكفر هوة وهاوية تؤدي للفصل والانفصال مابين حقيقتين وكانت الصورة شاهد على تلك اللعبة الموجعة وعلى ذلك الترتيب اللامسؤول .وانطلاقا من كفتي الصورة والقصيدة على ميزان النقد كانت لنا هذه الرؤية فيقول الشاعر :
أرى حرية الافكار صفرا
اذا لم تنتفض نثرا وشعرا
وبمجرد نظرة سريعة الى الصورة نرى التماثل في طريقة اصطفاف الاقلام لنفهم انه لاحرية ولا اختيار في تلك الوقفة المتماثلة الى حد اللعنة كأحجار البنيان المرصوصة العمياء الصماء التي تحجرت على تلك الشاكلة القاسية ورسخت على الارض بقساوتها وحجريتها لا بلينها او رهافة حسها او رقة ذاتها .ويواصل صاحب النص قائلا :
فكم في الارض من قلم قتيل
أراد يكون في الاقلام حرا
وبنظرة خاطفة للصورة نرى قلما عملاقا استطال الى حد كبير وخالف الاقلام في تماثلها واستطال في حريته الغير مألوفة للغير فكان مصيره الرفع من الساحة ونزعه من مكانته التي هي كرسي يفترض ان يكون عليه لا ان يسلب منه بوحشية اقصي من خلالها واستبعد عن ارضيته في تماثل غير مسبوق مابينه وبين القتلى المقصيين من ساحة الواقع والطبيعة الى ماورائهما.
ويواصل الشاعر في عموديته قائلا :
تعثر بالمشانق والمنايا
ولم تأخذ له الاقلام ثأرا
وبلمح البصر نرى في الصورة ارجل لكرسي قد تعثرت بل اعثرت عمدا بل نستقصي ان تلك الارجل قد تم ركلها بالارجل حتى قلبت الى جانب وانتهى امرها وفقدت توازنها بمن كان عليها ونرى المشنقة في الصورة كان عملها متصل بذلك الانقلاب للموازين وامالتها قهرا لجانب ما فكان القتل صنيعة الانقلاب والعبث الذي هو الكفر بالحالة السوية للاشياء وحين نرى جميع رؤوس تلك الاقلام متجهة الى جهة الموت التي استؤصل بها رأس الحروف نفهم انعدام حالة الغليان التي تستلزم الحركة بدلا عن ذلك الجمود الذي لايرتجى من ورائه ثأر الذي هو وليد الاستثارة المبنية على الحركة لا على ذلك السكون الذي بدت عليه الاقلام بالصورة .
ويواصل صاحب النص قائلا :
ومانفع الثقافة حين تمضي
ولم تترك لها نفعا وضرا
وما ان نحول انظارنا الى جهة الصورة حتى نفهم بيسر ان الأثر هو بصمة مميزة لشخص ما يتركه عبر اي اداة من ادوات صناعة الاثر في جسده او ذهنه ولأن الثقافة هي بصمة غير عادية يتركها الافراد والجماعات نرى في الصورة ان الاصطفاف كان عاديا جدا فلا نرى بروز او اركاس عدى ذلك القلم العملاق المقصي المحارب والمقتول والمرفوع من مكانه نحو مقصلة الطرف لذا كان هو عينه بصمة جلية بينة مابين حفنة كبيرة من اصحاب الوجود العادي المتماثل الذي خلا من كل بصمة وليكن ذلك القلم العملاق شاهدا يدين عادية الاقلام وشللها وعدم قدرتها على ترك الاثر المطلوب للاستثارة والمحفز للحركية والمرونة . ويواصل الشاعر عموديته قائلا :
ولم تدرك أكان الفكر كفرا
ام ان الكفر كان هناك فكرا
ونتجه الى الصورة لنرى ان هناك صعوبة بالغة على الناظر بالتمييز بين القلم الجيد والرديء نتيجة تماثل ماتظهره رؤوس الاقلام من نفاقيات وازدواجيات يصعب التمييز فيما بينها وذلك لوجود روح النفاق التي بها تتحرك الحروف وتتشكل الى طرف ومن الممكن تحريكها بنفس الوقت دون ان يميز العامة مابين حروفها المتماثلة الى حد اللعنة فبنفس تلك الحروف يكفر المرء ويفكر وبذات الحروف يتشكل فكر المرء وكفره فلا احد يميز مابين تلك الحروف سوى من فهم اللعبة وادرك حقيقة التحريك القصدي والتطرف فيها ويفهمها من يعي وسطية تشكيلها ويركز دائما على وسطيتها واستواؤها. كانت القصورة منسجمة بدرجة عالية وكانت رؤية الشاعر متداخلة مع الصورة على عدة مستويات فكان الحرف متصلا بالقلم الذي هو راسمه ومشكله لكن البعد الاعمق للفكر يفترض ان يكون الذهن الذي هو رحم الفكر لكن هذا لاينفي عن القلم ترجمة مايولد بالذهن وتشكيله لصورة تحاكي عيوننا على شاكلة الصورة التي هي شاهد للقصيدة . ايضا يبدو لنا استواء رؤوس الاقلام الذي هو يساوي صفرا تجاه قيمة الرسالة المناطة بأصحاب الاقلام الذين اصطفوا جميعا لجهة وتخلوا عن رسالتهم وهذا التطابق بالارتفاع كان امتثالهم الجنوني لدور التقزم الذي اراده لهم ذلك الطرف وبذا يعزز هذا من انسجام القصيدة والصورة لكن التماثل الفكري وان كان يظهر به التشابه في الطرح الحرفي لكن الطرح الصوري حقيقته تتصل بالتماثل الذهني الذي لايوجد له مثال يمكن تجسيده على صورة لكن يحسب للشاعر انه وصل للحد الاعلى التصويري لفكرة التماثل الذهني لرؤوس تلك الاقلام .ايضا كان الانسجام عاليا بالتعبير عن اعدام القلم بالمبراة التي يفترض بها ان تبري رأس القلم الى ان تكسر رأسه المدبب وتشله عن الكتابة وتكسره وتعيقه وتبدد رصاص مداده .لكن المبراة في حقيقتها اداة وجدت لخدمة القلم فمن الصعب جدا تصور موت الفكر بواسطة العناوين المعدة لرفده ودعمه لذا كانت المبراة بالصورة لاتعبر بشكل واف عن فكرة اعدام القلم وقتل مداده لكنها الى حد ما تبدو مقبولة ان كانت المبراة قد تطرفت بعملها واستحالت من فكر الى كفر وقتل وموت .وكان اللون الاحمر لذلك القلم العملاق وافيا بالتعبير عما يلفت الانتباه او انه يكتب على خطوط حمراء اصطبغ بملامستها او انه البس هذه الهيئة التي تعبر عن تحذير الاقلام المتقزمة من المصير الذي ينتظر كل من يبدو على تلك الحمرة ويجوز على خطوطها الدموية التي تسفك الدم والمداد على حد سواء . اعجبتني كثيرا هذه القصورة .اعجبتني بفكرتها وبنصها العمودي وبصورتها المعبرة الشاهدة اعجبني ذلك الانسجام والتداخل واخضاع الصورة وتسخيرها لخدمة الفكر وادانة الكفر .تمنياتي بالتوفيق ومزيد من التألق لصاحب قصورة (فكر) الشاعر علي الامارة له مني فائق الود والتحيات .ولجميع من تابع هذه الدراسة النقدية محبتي واحترامي .

رائد مهدي / العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق