الصيدلية أمام محل الملابس , و العيد غدا , وأطفالها بلا ملابس جديدة , و هي مريضة , تقف بينهما وحيدة ,
لا تمتلك الا بالكاد ثمن دواء مرضها .
الناس من حولها يحملون على وجوههم زهرات فرحة العيد النابتة من شجرة الطمأنينة في قلوبهم , و في أيديهم أكياس
الملابس الجديدة.
أما هي فلا تحمل إلا أكياسا من علب الأدوية القديمة , الفارغة , الجائعة , و عقلها مزدحم بمواعيد الجرعات , و الاستشارات المتكررة .
ساعات قليلة و ينتزع العيد غطاء الليل , و يتكشف النهار عن ألوان ملابس جديدة لكل الصغار إلا صغارها , ترى نفسها
, و صغارها شبه عراة , تلهبهم سياط العيد , و نظرات الشفقة الصامتة , الموجعة .
تغمض عينيها و تفتحهما في محاولة لطرد تلك الصور , وتهم بالدخول إلى محل الملابس المزدحم , تتحرك قدماها و كأنها تزحف في رمال ثقيلة .
أخيرا تصل إلى عتبة محل الملابس ,وعندها تتجمد قدماها بفعل ذاكرتها التي رسمت لها صورة طبيبها محذرا .
ــ تأخرت حالتك كثيرا , أرجو الاهتمام بمواعيد الدواء هذه فرصتك الأخيرة .
تهتز أكياس الدواء في يدها نتيجة الاستدارة , و العودة إلى الشارع .. تؤنب نفسها..
ــ و ما الجدوى من صحتي , و ما قيمة العلاج أو الحياة و صغاري بلا عيد .. و.. و لكن ماذا لو رحلت لمن أتركهم بعد اهمالي للدواء إذا لحقت بأبيهم .؟
و ما تلك الأنانية في التخلي عنهم ..
ــ آه .....
قالتها و كأنها آتية من عصور مظلمة , سحيقة منذ أن عرف الانسان الحزن و ان كانت مكتومة إلا أنها تحمل من
الألم ما يكفي لبكاء هذا العالم الصاخب الأناني ؟
عندما قالتها ودت لو سمعها أخوها الأكبر و هي الأخت الوحيدة له و شريكته في ميراث أبيها الواسع الثراء و لكن أخاها
بتوكيل ابيه المتوفي باع لنفسه كل شيء , و رفض كل من تقدم لزواجها , و تركها فقيرة , مريضة , وحيدة تعاني
الهذيان .. و المشاعر المهلهلة في ليلة قاسية البرودة .
و الأن الصيدلية أمام محل الملابس , و العيد غدا , و الصغار بلا ملابس جديدة ..
قررت أخيرا أنها تمزق و تلقي ما في يدها و تسرع لمحل الملابس....
( تمت )
26/8/2016
26/8/2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق