قام العرب في الجاهلية اكثر من 25 سوقاً , تناثرت مساحتها على ارجاء الجزيرة العربية , اتى على ذكرها ووصفها جمهرة من المؤرخين والجغرافيين , آخرهم وليس اخيرهم في القائمة , عَلامة العراق في أواخر القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين , المرحوم محمود شكري الآلوسي , في كتابه : ( بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب ) ,
فذكروا مواطنها وحددوا مواقعها ومواقيتها والاشهر التي تقع فيها .
اشهر هذه الأسواق قاطبة عكاظ في الجاهلية والمربد في الإسلام. جمع المربد ميزات عكاظ
في الجاهلية وخصائصها وزاد عليها .
المربد على وزن مفعل , معناه محبس الابل ومربضها . وقال الاخفش المربد على وزن مسجد كما قال بذلك الأستاذ الدكتور عمر طروخ . والمربد أيضا بيدر التمر لأنه يربد فيه فيشمس . ومربد البصرة هذا متسع الابل تربد فيه للبيع وكان في الأصل سوق للابل حتى اذا كان عهد الامويين صار سوق عامة يخرج اليها الناس كل يوم , كل الى فريقه وحلقته وشاعره
تتعدد فيه الحلقات يتوسطها الشعراء والرجاز .
وهكذا نرى ان المربد معرض لكل قبيلة كعكاظ تعرض فيه شعرها ومفاخرها .
وما زال المربد في مجده حتى خرب وخربت البصرة وتقلص العمران بينهما الى ان صار بين
المربد والبصرة , ثلاث اميال خراب , على عهد ياقوت الحموي الذي يقول : ( مربد البصرة من اشهر محالها . وكان سوق للابل قديماً ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس .
وبه كانت مناظرة الشعراء والخطباء وهو الآن بائن عن البصرة نحو ثلاثة اميال , وكان ما بين ذلك كله عامراً وهو الآن خراب ) .
مر نشاط المربد بثلاثة أدوار متميزة الدور الأول هو عهد الراشدين اذ كان يقتصر امره على التجارة . والدور الثاني هو عهد الامويين . فقد اتسعت السوق وكثر قاصدوها من الأطراف
وازدهرت بالشعر والشعراء والادباء والعلماء , ونخص بالذكر منه جريراً والفرزدق والاخطل والبعيث وراعي الابل وذا الرمة ومن الرجاز رؤبة واباه العجاج .
واما الدور الثالث فيأتي بين آخر العصر الاموي والقرن الثاني للهجرة فقد نضجت فيه حركة المربد الأدبية والعلمية .
لعكاظ اثر بعيد في اللغة العربية , الفاظها واساليبها . وللمربد مثل هذا الأثر واكثر في اللغة والعلم والنحو والثقافة .
يشبه المربد عكاظ في امر الشعر وحلقاته , بل فاق عكاظ بمراحل واسعة وفاقه بعدد الشعراء والرجاز وكثرة الرواد .
اما في اللغة والثقافة العامة , فقد كان للمربد باعتباره سوق البصرة شأن عظيم في نشأة علوم اللغة والمعجمية والعروض , وصقل الثقافة , وتهذيب الأفكار والآراء . فقد حظيت البصرة
بما لم تحظ به بالمدة من بلاد الإسلام , بما تم لها من فرسان البلاغة واللغة والثقافة . ويكفينا ان نذكر هنا مثالاً على ذلك خمسة من فرسان البلاغة والعبقرية هم :عبد الله بن المقفع ,
وخالد بن صفوان , والخليل بن احمد الفراهيدي , والجاحظ والاصمعي .
وهكذا اصبح المربد غرضاً يقصده الشعراء , لا ليتهاجوا ولكن ليأخذوا عن اعراب المربد الملكة الشعرية , ويحتذونهم ويسيرون على منوالهم فيخرج الى المربد بشار وأبو نؤاس
وأمثالهم ويخرج الى المربد اللغويون يأخذون عن اهله ويدونون ما يسمعون . والنحويون
يخرجون الى المربد يسمعون من اهله ما يصحح قواعدهم ويؤيد مذاهبهم بعد ان اشتد الخاف
بين مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة بالنحو وتعصب كل لمذهبه .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق