ذات ربيع سقطت من على دوحتها حمامة ،تنكَرت لها الأيَام فزجَت بها في كهف
تمتدَ الظلال فيه وتتشابك لتسُدَ المنافذ أمام النَور، تدحره فيتناثر على مدار العتمة
شهُبا مبعثرة لا تقوى على الصَمود.
هناك جثت، طأطأت رأسها وقد أثقلت الأحمال كاهلها المتهالك ...لقد أصابها
الخرسُ وكاد العمى يقضي على بقايا بصر شحيح.
كان الضَجيجُ يصلها عارما : تفجيرات ...صراخ ....استغاثة...أصداء عويل
تتردَد في عمق الكهف فتؤذي مسامعها وتتسلَل إلى أعماق وجدانها لتلفظها العين
سواقي وجع ينعى بقايا حياة.
كانت عبثا تُحاول أن تُلملم شتاتها لكنَها في كلَ مرَة تفشل ذلك أن العاهة تكسر
جسور التَواصل. أنَى لها أن تفعل ذلك والدَاء العُضال ينخُرُ جسدها المتداعي.
من يرفدُها أو يشدَُ أزرها؟ لا أحد...إنَها وحيدة رغم الكثرة الصاخبة حولها.
هؤلاء أبناؤها يعيدون القصَة الأزلية ...قابيل وهابيل... والدافع الأنانية ...بل
هم يتآمرون عليها مع الأعداء وقد انحلَت فيهم قيم الانتماء والهويَة.
لقد حوَلهم الجشع والجهل ذئابا متوحَشة تمتصَ دماء الأبرياء وتُلقي بهم
في مستنقعات الموت دون رحمة. إنَ التَآمر أعمى بصائرهم فباتوا آلة تهديد
وتنفيذ، مجرَد قطع شطرنج تحرَكها أيادي خفيَة وتدفع بها في من تدفع
نحو هذا الكهف المظلم.
أمَا هي فقد أضحت رفاة حضارة ...أمَ تُداس بأقدام العقوق ثمَ يُلقى بها
في بئر مهجورة دون شفقة.
إحساس ولا أقسى، وجع يؤرَق جفنها فهل يُقدَر لها أن تنعتق من هذا الكهف
البارد وتسقيها الحياة جرعة دفء بعد الحرمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق