صوتها المموسق.. ورنين كلماتها المثقل بالشبق.. يشنف آذاني.. فتزدرده بدون مضغ.. كحمل جائع يلتهم عشبة الربيع.. فتأتسر مخيلتي باجتراره.. ويتوه فكري في سباسب لذته.. عيوني تمطر فمها الكمثري بوابل من سهام النظرات الظمآى.. تبرق أسارير وجهها.. فتندلق من فيها العنقودي ألفاظ شفيفة كأنها حبات عنب.. قد يكون العنب حلوا.. أنما المضغ أحلى..
ـ (كنت معلمة أدرس تلاميذ المدرسة مادة اللغة العربية.. لم يمض وقت طويل حتى تزوجت من موظف يعمل كمحاسب في احدى الشركات)..
وهي سادرة في حكايتها.. رمتني بنظرة ساحرة تتقاسم إغضاء الطرف والبوح به.. سابلة عليّ جلباباً يطير في كل الدنيا.. يلفني بغمامة.. ليهدر رعده.. فأتشظى في إنثيالات ملونة كقوس قزح..
ـ (لم أسلخ من العمر العشرين حتى أنجبت أبنتي البكر..)
الحق يقال.. لو حسبناها أختا لها كان أقرب الى الأنصاف.. فالأرملة المفجوعة.. تلتهب حسناً وتتضوع شباباً.. وأبنتها التي تقف في منتصف العقد الثاني من عمرها.. تخطو على عتبة النضج الجسدي الذي ينز دلالاً ويبهر قداً.
ـ (كانت والدتي.. تشاركني تربية أبنتي.. طالما أصغيت الى مواعظها.. ولكن رغم شفقتها وحنانها المفرط عليّ وعلى حفيدتها.. لكنني ما عدت أستسيغ طريقتها الخاصة في تربية الأطفال.. وكلما تقدمت في العمر بات اتصالي بها يفقد حرارته).
رحت أمخر عباب عطرها الأخاذ.. وأرتشف فحيح رغبتها الصارخة.. لكن وخزة من عصا العجوز قطنية الشدقين.. سكبت القدح المتأرجح في فمي القاحل.. فاحترق لساني.. ودمعت عيناي دون أن أنبس ببنت شفة.. كحيوان أعجم.
ـ (ترسخ اعتمادي على نفسي أكثر من ذي قبل مسترشدة في الكثير من الأشياء التي تواجهني بأشخاص آخرين أكثر خبرة وأعلى وعياً)..
صوتها ببحته العاصفة بالأنوثة.. يقرس قلبي اللافح.. ويدق باب شغافه نصف الموارب.. لكن الإطناب في الكلام الرتيب قد أبرمه.. فراغ الى الإيصاد.
ـ (كان زوجي ـ قتل في إحدى حروب الخليج ـ قد ترك تربية أبنتنا لي.. ربما كان محقاً إذ أن عمله المتواصل لايعطيه الوقت الكافي لمتابعة شؤون الطفلة التي دخلت المدرسة للإنتظام فيها.. لكن ذلك لايعني أن يعيش بمعزل عن صيرورة حياتها.. إذ ربما كان له حضور لايستهان به في بعض الأمور التي كان يعتقد أنها ذات شأن جدير بالاهتمام).
لعله إذ ترك تربيتها لك.. لأنه ربما قرر الرحيل.. إذ كان من المونوليزا قريب وهو عنها بعيد.. لم يوطن نفسه على تجرع السم لو لم يأته اليقين.. كما فعل سقراط.. بعد أن سأم عبودية التتلمذ.. وأستحال شهده الى حصرم له مذاق الحنظل.. فكانت الأقدار أقرب الى رغباته.. في رحيله الأبدي.. هذا الوباء الذي فشا أيما فشواً في طول البلد وعرضها.
ـ (لم تدخل طفلتي روضة أطفال لعدم تيسر ذلك في حينه.. يمكن لقول بأنني قمت معها بدور معلمة الروضة وحاولت أن أعلمها أشياء مفيدة تهيؤها للولوج الى الدراسة الابتدائية).
لقد أطالت في محاضرتها.. حتى حسدت من كان به صمم.. لكنني شدخت رأس الضجر.. وأن ظننت أن نمارقها لاتليق بوامق.. من تحسبني؟.. تلميذ واكس الأدب.. جشب الخلق.. أنما أنا رجل مفتون من أخمصيه حتى ناصيته بأمرأة حسناء عجزاء.. جئت أملكها لألوي عنقها وأعتلي سراتها.. وأريد أن أقد قميصها من قبل.. وأنحت بأزميلي على ثربها سغب عمري.. فتذرف أوصالي وجعا سحيقا يحكي أحزان أخت تموز وهي تندبه.
ـ (إذ بصفتي مربية أطفال لعدة سنوات خلت فقد تكونت لدي أفكار عامة عن احتياجات الاطفال الجسدية والنفسية.. كالتغذية الملائمة.. والملبس الدافئ.. وأحاطتهم بالهدوء.. وتعويدهم النظام الروتيني المطلوب بعيداً عن الزجر والقسر).
لكنك ياسيدتي ليس لديك أفكار عامة او خاصة عن احتياجاتي الجسدية والنفسية.. لابل تقسرينني على الاصغاء الى نصائحك القريرة.. وأنا أجد في أن اظللك بسحابتي البيضاء لتهطل الامطار على ارضك.. وتكثر غلال حقلك وتزداد محاصيله.. فترفلين بالرفاء والغنى.. لكن عشتار لاتبحث عن الخصب في الحياة فحسب بل في الدماء ايضا..
ـ (حاولت جهد الامكان ان اكون قريبة منها كلما كانت بحاجة لي.. وجهدت ان لا اتدخل بشكل سافر في حياتها فضلا عن تطفلي في شؤونها).
كم تمنيت ان تكوني قريبة مني لانني بحاجة ماسة اليك.. هلا تركتي هذه الطفلة لشأنها والتفت ولو برهة لي!!.. هلا كنت لي كحمائم سمير اميس وهي تلتقط قطع جبن صغيرة.. وتملأ مناقيرها بالحليب وتطير مرفرفة بأجنحتها لترد عنها حر الصيف وبرد الشتاء..
ـ (رغم اني كنت اخطط مع نفسي لأرسم لها طموحا ممتازا حسب تقديري اذ اردت لها ان تتفوق في جميع الدروس.. لكنني يجب ان اعترف.. فقد اخفقت في تحقيق ذلك في النهاية.. لأن موهبتها كانت صالحة لدروس معينة ومتلكئة في دروس اخرى).
اشهد انك اخفقت ايما اخفاق.. لأنك متلكئة في أعظم درس في الحياة.. بعد ما حسبتك لائكة افواه العاشقين.. فهم في روضة يحبرون.. لايسمعون فيها لاغية.. صاروا يقتاتون الحبيق.. سادرين في لغوب..
ـ (طفقنا نشجع التنافس بين تلاميذ المدرسة بغية تنمية مواهبهم وتحريك روح الابداع لديهم حتى في الاشياء الثانوية).
حسنا فعلت اذ غرست في نفس ابنتك روح المنافسة لتتفوق عليك بمواهبها الفاتنة وابداعها الآسر.. ها هي شبت عن الطوق مثل تفاحة يانعة.. حان قطافها.. او كثمرة طازجة تستفز الناظرين للتلذذ بعسجدها وتستصرخ الجياع لقضم خدها الاسيل..
ـ (بدأت ابنتي بالاحتكاك بمظاهر الحياة المختلفة.. كنت اشجعها دون الزام ان تنظر الى الامور من خلال اقانيم اطريناها لها مثل الايمان وحب الوطن والصدق والتواضع).
انا وبكل تواضع ياسيدتي.. وبمنتهى الصدق.. اريد ان اكون وطنا لأبنتك.. لأنني مؤمن بها.
ـ (وحاولت ان اغرس في نفسها السرور والبهجة من خلال اشياء تتسم بالبساطة والروعة: كالجمال الطبيعي، عالم الحيوان، العاب الاطفال).
جئت لكي اغرس في نفسك السرور والبهجة.. لكنك برعونتك الخائبة.. قد تضطرينني.. لئن ادخل قفص القرود لأسعاد ابنتك الغرة..
ـ (كما اخذت ألاحظ تأثير البيئة المدرسية على ابنتي وعلاقتها مع التلاميذ الوافدين، ربما من بيئات متنوعة.. وهل يطرأ تغير في نظرتها للحياة من خلال ذلك).
نعم لقد طرأ تغير في نظرتي لك.. اريد ان اقول لك: الصيف ضيعت اللبن.. بعد ماتهيأ لي انني نشوان بنفح مناغاتك.. انغضتِ رأسي من نشوزك الاجهر.
ـ (كنت اطمح ان تكون ابنتي فتاة صالحة.. تأسرني اللهفة في ان تعتمد في بناء شخصيتها على الارشادات والمعلومات التي حاولت ان اقدمها لها).
لاريب.. ان ابنتك صالحة.. وكم تأسرني اللهفة.. اللحظة.. لئن اطويها تحت جناحي لأطير بها في سماء الحب.. ومعارج الهوى.. لأنك اصبحت عارية من شارات سلطتك.. وتركت لازوردك الثمين يتكسر كحجر.. وليس ثمة امل في ((انكي)).. لأنه مات في اريدو بعد الزلزال الذي جاس بين افنائها..
ـ (رغم انني اريد ان اقول بأننا نعيش حياة اولادنا لكن بإمكاننا ان نزودهم بدرع واق يقيهم تحديات الحياة).
حسنا هل لي ان اتكلم؟.. فأشارت المعلمة الارملة الى امها الشمطاء.. وهي تبتسم بأستحياء العذارى واغضلئهن.. فبحلقت في العجوز قائلا:
ـ لي الشرف ان اطلب يد كريمتكم!.
ازدان وجه الارملة تهللا.. فيما كانت ابنتها ترميني بابتسامات تلصصية.
ـ من تقصد؟قالت العجوز ذلك وهي تتصنع المماطلة.ـ حفيدتك ياسيدتي الفاضلة.. فقد احبتني كثيرا!!!.
فأمتعضت المعلمة واكفهر وجهها حيث تسربل بالخيبة.. وبنفاد صبر قالت:
ـ لكنني لم اعلم ابنتي درسا كهذا ابدا!!!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق