أبحث عن موضوع

الخميس، 20 مايو 2021

حُلمٌ_ينطفئُ / ق.ق ............. بقلم : عزيز قويدر _ تونس



   استقبلتِ القِبلةَ وجلستْ في صمتٍ .. آلمها وخْزُ أشواكٍ  جمّعها الرّيحُ إلى الحجرِ الذي تعوّدت أن تجلسَ عليه قريبا من شاهدَةِ قبر ولدِها ،  أزاحتها والتقطت عودا وراحت تنبش التّرابَ في حركة آليةٍ رتيبةٍ .. فتَرتْ حماسَتُها ، لا رغبةَ لها في الحديثِ ..  لا جديد ترويه ولا قديم يستحق الذّكر ، انطفأت لهفتها وجفّت دموعها وألِفت وجعَها .. تعوّدت  دفنَ آلامها في عمقِ أعماق روحِها . سئمت ترديد فصولِ معاناتِها وأصبح صدى صوتِها يخيفها ويؤلمها ، كانت تستعذبه فتمدّ صوتا تخنقه العبراتُ يعلو وينخفض بتسارع نفَسِها مُنغَّما وِفق مقاطعِ نواحِها  ، ولا ينقطع إلا إذا أتت على كلِّ الحكايةِ واستوفت الوصْفَ لفقيدها ..  لا تنسى حادثةً ولو كانت قصيرة المهم أن يطول حديثها إليه ، فتذكر تعبَها وحزنَها وتفاصيلَ حياةِ جيرانِها السارَّمنها والمحزنَ ، بل حتى المواشي والأرض والريح لها نصيب من الحكاية , كانت تصرّ أن يعلم كلَّ شيء ، أن  تذكِّرَه ، في كلِّ مرّةٍ ، بصبرها وآلامِها وطولِ انتظارِها حتّى استوى رجُلا . يحلو لها أن تعيدَ تفاصيل أحلامِها الموؤودِة ، ويؤلمها أن تخبرَه بعجزها عن مواصلة المشوارِ ، كانت قادرةً على تحقيقِ حلمِها : تضمن حياةً كريمةً لوحيدِها  يطعم ويلبس ويدرس ويكبر دون أن يعرف للحرمان معنى .. عند هذا المفصل من قصتها يغلبها الوجع فتسكت طويلا .. يسحّ دمعها ويعلو نشيجُها " آه يا روحَ أمّك ! خانني ذراعي ، خانتني عيوني وركبتاي ..لم أستطع أن أواصل المشْوار .. لم أقدر على ان أكون سندك بعد تخرّجِك من الجامعة .. تخلّيت عنك وأنت تحاول أن تحقّق حلمك !!  سامحني يا ولدي ! " .. كان حلمه هو : بعد نجاحه ، يعمل ويعمل ليضمن العيش الكريم لأمه و يعوّضها الحرمان والوجع ـ ظل عالةً عليها وقد جفّ عودُها ، وآلمه العجز وسكنه القهرُ حتى أفناه ، عاش حالما ومات يائسا . اليومَ ، لا تقوى على البوحِ ..  تراه عبثا ، اكتفت بتلمّس النُّصب ومرّرت كفّها على قبره وغمغمت " رحمك الله لست  الموؤودَ الوحيدَ كما ظننت ، كثيرون كثيرون ، وُلِدُوا ليتجرّعوا المرارةَ ثم  رَحلوا ..(...)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق