الموتُ يتجوَّلُ في أزقَّتِنا
يبحثُ عن كائنٍ يتنفَّسُ
لينقضَّ على قلبِهِ
يتنكَّرُ بأزياءَ عدَّةٍ
منها على سبيلِ المثالِ
على شكلِ أخٍ يبتسمُ
يخطفُ الأطفالَ من دهشتِهمْ
والأمُّ من حليبِِ نهديها
والكهلَ من عُكَّازتهِ
أمَّا الشَّبابُ
فيأتيهم من الخلفِ
لا شيءَ
يجرؤُ على العبورِ
إلَّا الغبارُ
وأكياسُ الجوعِ
يتقاذفها الهواءُ
الموتُ يحاصرُ حياتَنا
في مدينتِنا
من الجهةِ الشرقيٍَةِ
يأخذُنا الموتُ أسراباً
وَمِنْ جهةِ الغربِ
يسوقنا على شكلِ جماعاتٍ
لا أحدَ مستثنىً من الموتِ
بَدءْاً مِنْ أشجارِنا
مروراً بأحجارِنا
اقتحمَ علينا النوافذَ
ربضَ لنا على أبوابِ تنهُّداتِنا
السماءُ تمطرُ موتاً
والهواءُ
عابقٌ برائحةِ الموتِ
حتَّى خطواتُنا تزدحمُ فيهِ
أينما وُجِدَتِ ابتسامةٌ
تُقْصَفُ
وفي آيِّ مكانٍ
يجتمعُ عاشقانِ
سيُحرَقُ المكانُ
حدائقُ المدينةِ
تزهرُ
بالجثثِ المبتورةِ الأطرافِ
وقمرُنا الحزينُ
لا يلوِّحُ للموتى
كي لا ينتبهَ الموتُ
على المخابئِ
موتٌ من على رؤوسِ الجبالِ
يطلّ على الشواطئِ
ينتهكُ الأشرعةَ
في المدارسِ
يشرحُ للمقاعدِ
كيفيةِ استقبالِ القتلى
في دهاليزِ المشافي
يتربَّصُ الموتُ بالأطبَّاءِ
نشيدُنا الوطنيُّ التهمَهُ الموتُ
مآذنُنا اعتراها الدمارُ
خطُّ سككِ الحديدِ
أعمدةُ الكهرباءِ
وصنابيرُ الماءِ المتعفِّنةُ
داهمها الموتُ
بشكلٍ مباغتٍ
آثارُ الأجدادِ
التي تضاهي الذَّهبَ
تاريخُنا الازليُّ
وقلعةُ الأمجادِ
ابتلعَها الموتُ
صارتْ في جوفِهِ
ورسائلُ العشَّاقِ احترقَتْ
الفراشاتُ اختنقَتْ
والعصافيرُ صُلِّبَتْ من أجنحتِها
لا شيءَ يضجُّ بالحياةِ
سوى الموتُ
لا شيءَ يورقُ في الحقولِ غيرُهُ
من باطنِ الأرضِ ينبثقُ
ومن شرفاتِ جيرانِنا الأوفياءِ
إعصارٌ من الموتِ
حطَّمَ نوافذَ الأمانِ
لا شيءَ يرهبُهُ
أو يرعبُهُ
سوى قدودِنا الحلبيَّة
وموشحِ أسقِ العطاشَ
غنّي يا حلبُ
لنقتلَ الموتَ
الله على عذوبةِ الألحانِ
سيموتُ الموتُ
على أعتابِكِ
يا حلبُ *.
إسطنبول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق