أبحث عن موضوع

الاثنين، 14 ديسمبر 2020

اهمية العتبة العنوانية / مقالة ................... بقلم : باسم عبد الكريم الفضلي // العراق




إن إطلالة سريعة على معظم الدراسات السيميائية الحديثة التي طالت الأعمال الأدبية ، الرّوائية منها والشعرية ، تبرز بشكل واضح أهمّية العنوان في دراسة النص الأدبي ،  والتّي تعتمد في تحليلها على قواعد المنهج السيميائي.

وتتجلى أهمية العنوان فما يثيره من تساؤلات لا نلقى لها إجابة إلا مع نهاية العمل، فهو يفتح شهية القارئ للقراءة أكثر فأكثر، و هذا من خلال تراكم كمّ هائل من علامات الاستفهام في ذهنه (القارئ )، والتّي سببها الأول هو العنوان و بهذا يضطر إلى دخول عالم النّص بحثا عن إجابات لتلك التساؤلات بغية إيجادها و إسقاطها على العنوان.

ونظرا لهذه الأهميّة شغلت عناوين النصوص الأدبية في الدراسات الحديثة حيزا كبيرا من اهتمام النقاد ، حيث رأوا فيها عتبة مهمّة من الصعب تجاهلها إذ يستطيع من خلالها القارئ دخول عالم النّص دونما تردد كونه استعان بالعنوان على النّص.

لهذا أصبح العنوان ، في النّص الحديث ، ضرورة ملحّة و مطلبا أساسيا لا نستغني عنه في البناء العام للنصوص الأدبية و غيرها، لذلك ترى الكتّاب و الشّعراء يجتهدون في وسم أعمالهم الأدبية بعناوين يتفننون في اختيارها و تنسيقها بالخطّ و الصّورة المصاحبة وذلك لعلمهم بأهميتها .

وتكمن أهمية العنوان في كونه تشكيلا بصريا له رتبته الأولى في عرض العمل الفنّي لذلك فهو يلفت انتباه القارئ.

لكنّنا قد نصادف عنوانا يكتب في آخر العمل الأدبي إن لم تكن أغلب العناوين تكتب في الأخير.

- كما يعد العنوان إبداعا ثانيا للنّص ، فبعدما ينتهي الكاتب من انتاج نصه الأصلي يصاب "بمتلازمة" البحث عن العنوان الذّي سيحتل موضع الصدارة في منجزه ، هذه المتلازمة التي غابت عن الشعراء القدامى حيث قدموا أحاسيسهم للمتلقي بكل عفوية.

- وإذا تتبعنا عمل العنوان في النّص نجده حاضرا في البدء وخلال السرد الذي يدشنه و يعمل كأداة وصل وتعديل للقراءة.

- وهو بذلك يشكل عنصرا هامّا من عناصر المؤلّف الأدبي و مكونا داخليا ذا قيمة دلالية عند الدّارس، إذ يعتبر ممثلا لسلطة النّص و واجهته الإعلامية التّي تمارس على المتلقي، وهو الجزء الدّال من النّص كونه يؤشّر على معنى ما، و بذلك يُعّد وسيلة للكشف عن طبيعته والمساهمة في فك غموضه، وبهذا "يبقى العنوان علامة دالة على النّص  وخطابا قائما بذاته لكونه جزءا منمذجا فيه، وهو أيضا شبكة دلالية يفتح بها عوالم النّص الداخلية ، ويؤسس لنقطة الانطلاق الطبيعية لفهم مقاصده ، و العنوان ، بوحي من الكاتب ، يهدف إلى "تبئير" انتباه المتلقي على اعتبار أنّه ( اي العنوان ) تسمية مصاحبة للعمل الأدبي مؤشرة عليه .

- فالعنوان يعين مجموع النّص ،على مرّ العصور واختلاف الأجناس الأدبية ، دون أن يقتصر على جزء محدد منه ، كونه إعلاناً عن طبيعة النّص و "القصد" الذّي انبثق عنه ، فإمّا ان يكون واصفا اياه بشكل محايد ، أو حاجبا لشيء خفي منه / تحتاني  ، أو كاشفا غير آبه لما سيأتي في السياق ، لأنّه  يظهر معنى النّص ومعنى ماحولياته ، فهو من جهة "يكثّف" معنى المكتوب في متنه ، و من جهة ثانية يكون نافذة "تحيل" على خارجه .

وعليه يعد العنوان مرجعا يضمر ،في احشائه ، العلامة و الرمز اللذين يحاول المؤلف من خلالهما أن يثبت قصده كليا أو جزئيا، بمعنى انه النواة التي خيط عليها المؤلف نسيج النص دون تحقيق أي إشتمالية أو اكتمال، و ان بتذليل عنواناً آخر يكون فرعيا ، والعنوان بهذا المعنى يأتي باعتباره "تساؤلاً" يجيب عنه النّص إجابة مؤقتة كإمكانية الإضافة  والتأويل.

- وإذا أمعنا النظر في دلالة العنوان وإشكاليته نجد جملة أسئلة متعددة تنطلق ، في مجملها من تعريفه ، كونه مجموعة علامات لسانية مصورة ومعينة تشير إلى المحتوى العام للنص ، حيث تتبدى أهمية العنوان من خلال بحث الكاتب واختياره اسمَ مؤلَّفه كي يميزه عن غيره من المؤلفات.

بذا صارت العناوين أمرا ضروريا لابد منه للتعريف بالمكتوب / الاثر الادبي ، حتى يصبح متداولاً ، وهذا ما أفرز خصائصَ مؤطرةً ، لما هو محكي و قديم، تأطيرا يشتمل على الأشكال التعبيرية ، مما يشكل معه ثلاث علامات أساسية نوردها كالآتي:

أ- يسوغ العنوان التعريف بالمُؤلَف / النص ،وبجنسه الأدبي ، ويميز بين مكتوب وآخر ، وهنا تُعرَف المؤلفات التي تصب في المحكي من عناوينها لأنها مفتاح للمتلقي ، وبذلك تجعله يفقه نوع المكتوب و توصله إلى التعرف على ما في داخلها من سمات تعينه على فك ألغاز النص  وتأويله.

ب- العنوان ، فضلا عن تعيينه للجنس الأدبي ، يعين كذلك المتلقي على تصور ورسم الملامح الاولى لمضمونه ، كونه نواة ومركزاً لمجموع الأفكار النصية ، فهو كالمرآة المصغرة لنسيج النص تعكس ظاهر أفكاره وخلجاته ، والمسكوت عنهما  .

ج- يحدد العنوان منهجية وفضاء القراءة ، فالباحث المتخصص في التاريخ،سيعرف مثلاً أن "تاريخ الملوك للطبري" أو "الممالك والمسالك للمسعودي" هما كتابان يهتمان بتاريخ الملوك وجغرافيا الأرض ، ونظرا لتمتع العنوان بأسبقية التلقي عن نصه فإنّ العلاقة بينهما ، بالمجمل ،علاقة تكاملية ( عنوان يشهر عن وجود نص / نص يفسر ويفصح عن مضمونه ) ، وحتى لا يبقى تحت طائلة التحديد القاموسي الجاف عليه أن يكتسب بعدا سيميائيا يؤهله للدّخول في "نسق" معين مع نصه الذّي يكفل له هذه القيمة الدلالية، و يتضح ذلك في قول رشيد بن مالك : "حتى تتحقق هذه العلمية نسلم بدءا أنّ "مضمون العنوان ليس ثابتا ولا يمكن أن نحدد تفرعاته دلاليا في استقلاليته ذلك أنّ القيمة الدلالية في العلاقة البنائية التّي تقيمها معه عناصر النّص، و لهذا سنضطر إلى تقريب معنى العنوان مع مفاهيم أخرى تظهر في سياق النّص"*. ومهما يتراءى للقارئ أنّ العلاقة بين النّص و عنوانه علاقة تنافر وتناقض، فإن عملية الحفر في موضوعه بأدوات إجرائية أكثر دقة قد تفضي إلى نتائج لا تقل إبداعا عن النص الأصلي، ويتوقف كل هذا على مدى قدرة من يسائل النّص ويبحث عن جوهر النّص ويكشف عن الطّاقات الجمالية الكامنة فيه.

---------------------------------------------------------

*رشيد بن مالك ، باحث مغربي، كتابه ( السيميائية بين النظرية و التطبيق ) .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق