أبحث عن موضوع

الاثنين، 14 ديسمبر 2020

مَطَرٌ بِلَا غُيُومٍ...................... بقلم : العلمي الدريوش _ المغرب

 ..      


رَأْسِي ثَقِيلٌ هَذَا الْمْسَاء

كَأَوْجَاعِ الْأَرْضِ الْفَاجِرَة

يَقْطُنُهُ الطُّغَاةُ وَالْعُرَاةُ

وَالْعُمَّالُ والصُّنَّاعُ وَاللُّصُوصُ والْقَراصِنَة..

وَسَادَةُ الْغَبَاءِ وَزُمْرَةُ الْعَبَاقِرَة  

تَتَغَنَّجُ فِيهِ الْحَوْرَاءُ وَالْعَوْرَاءُ

وَالْعَذْرَاءُ وَالثَّيِّبُ وَالْعَاهِرَة..

كُلُّ هَؤُلَاءِ يَزْحَفُونَ وَيهْتِفُونَ

فِي مَرَايَا الذَّكِرَة

نُرِيدُ حَقَّنَا عَاجِلاً

مِنْ لَحْمِ الْكِلْمَةِ الشّاعِرَة.


رَأَْسِي ثَقِيلٌ هَذَا الْمَسَاء

كطرْوَادَةَ الْمَلِيئَةِ بِالصَّخَبْ 

فِي انْتِظَارِ هَدِيَّةِ السَّلَامِ الْفَاخِرَة.

يَصْطَفُّ فِي جَنَبَاتِهِ الْجُنودُ

وَالضَّحَايَا وَالشُّهُودُ 

وَالسَّادَةُ وَالْعَبِيدُ 

والْعَرَّافُونَ وَالْقَوَّادُونَ 

وَبَاعَةُ الْحَشِيشِ وَالْأَشَعَارِ

وَالدُّولَارِ وَالذَّهَبْ 

وَالْأُغْنَيَاتِ اللّقِيطَةِ فِي الْبَارَاتِ وَالْعُلَبْ

وَمُنْتِجُو الشَّائِعَاتِ وَالْأَخْبَارِ   

وَالسَّاسَةُ وَالْخَدَمُ 

والفُقَهَاءُ وَالرُّهْبَانُ 

وَالْأَحْبَارُ والْقَسَاوِسَة

وَمُرَوِّضُو الخِصْيَانِ وَالْغِلْمَانِ وَخُيُولِ الرِّهَانِ الْخَاسِرَة..

يَشْرَبُونَ فِي صِحَّةِ الْمُومِسَاتِ

وَأَنْصَافِ الْآلِهَةِ الْبَائِرَة

يَرْقُصُونَ حَوْلَ حِصَانٍ مِنْ خَشَبْ

فِي لَيْلَةٍ مَجْنُونَةٍ سَاخِرَة

فَيَغْرَقُونَ فَي قَرَارَةِ الكُؤُوسِ الْمُقَعَّرَة 

وَالشِّفَاهِ وَالنُّهُودِ الْمُخَضَّبَةِ بالدَّمِ

وَبِالشَّهْوَةِ الْغَائِرَة..


رَاْسِي الْعَجِيبُ مِنْ ثِقْلِه يَمِيلْ

يَكَادُ فِي الْعَرَاءِ الْأَسْوَدِ يَنْفَجِرْ  

يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ الْحِصَانِ لُورْكَا* الْجَمِيلْ

عَيْنَاهُ عَيْنَا قُرْطُبَة 

تَحِنَّانِ وَتَدْمَعَانِ لِابْنِ زَيْدُونِ الْعَاشِقِ الْأَسِير..        

وَصَوْتُهُ الرَّخِيمُ الْمُحَلَّى بِنُكْهَةِ الْمَطَرْ 

تَسْبَحُ فِيهِ الطُّيُورُ وَالنِّسَاءْ ويَعْرُشُ الشَّجَرْ

يُثِيرُ هُدُوءُهُ نِقْمَةَ الرُّهْبَانِ وَحُرَّاسَ الْمُلُوكِ وَالْقَيَاصِرَة..

يَمْشِي فِي السّاحَةِ المُطَوَّقَةِ بِالخُيُولِ وَالطُّبُولِ وَالْغِرِبَان

فِي انْتِظَارِ أَنْ تَبْدَأَ الْمُحاَكَمَة..   

يَسْأَلُ عَنْ دَالِي*عُيُونَ الْوَاقِفِينَ

كَيْفَ تأخَّرَ فِي ضَبْطِ سَاعَاتِهِ الذَّائِبَة

وَكَانَ يَرْجُو فِي ظِلَالِهَا ثَبَاتَ الذَّاكِرَةْ*..

لُورْكَا الْطَّائِرُ الْجَمِيلْ

يُوَاصِلُ الْغِنَاءَ وَالشَّغَبْ

يَفْتَحُ قَلْبَهُ الَمَلِيءَ بِالْحُبِّ وَالتَّعَبْ   

كَيْ تَرَى الصَّغِيرَاتُ الْغَرِيرَاتُ الزًاحِفَاتُ نَحْوَهُ في شَكْلِ دَائِرَة  

مَا تَدَلَّى فِي صَدْرِهِ يَانِعاً مِنْ نَبْتَةِ الرُّمَّان*

نُورُ الْحَيَاةِ وَأُنْثَى الْفَوَاكِهِ

وَدَمُ أَمْوَاجِ الْبَحْرِ الْهَادِرَة..

كَانَ يُلَوِّحُ مِنْ بَعِيد 

كَأَنَّهُ يُلْقِي التَّحِيَّةَ لِلْقَادِمِينَ وَالذَّاهِبِينَ مَنَ الغَجَرْ..

كَأَنّ "عُرْسَ الدَّمِ"* يَبْدَأُ عَمَّا قَلِيلْ..

وَفَجْأَةً يُلَعْلِعُ فِي رَأْسِيَ الرَّصَاصُ

وَيَسْقُطُ الشَّاعِرُ القَتِيلْ

مُوَشَّحاً مِثْلُ كُلَيْبٍ* بِالدِّمَاءْ..

لَكِنَّ السَّاحَةَ البَلِيدَةَ العَمْيَاء

تُوَاصِلُ السَّهَرْ

وَتَرْقُبُ الشَّاعِرَ الجَدِيدْ..


مِنْ جَوْفِ الْحِصَانِ الْكَبِيرْ

يَخْرُجُ أَبُو الطَّيِّبِ الْهَارِبُ بِقَصَائِدِ الْهِجَاءْ 

مِنْ بَلَاطٍ يَسْتَأْسِدُ فِيهِ الْخِصْيَانُ وَالْعَبِيدُ

وَالْبُكَاءُ يُضَاجِعُ الْمُضْحِكَاتِ 

بِأَزِقَّةِ الْفُسْطَاطِ فِي ضَوْءِ النُّجُومِ الزَّاهِرَة*..      

يُلَوِّحُ لَهُ فِي الْبَعِيد

سَارِقُ البَلاطِ بِبَيْتِهِ الشَّهِيرْ

الْخَيْلُ وَاللَّيُلُ وَالْبَيْدَاءْ..*

فَيُشْهِرُ الْمَخْدُوعُ بِصَوتِهِ 

سَيْفَهُ المَصْقُولَ بِالْقَوَافِي وَالْمَجَازِ 

فِي وَجْهِ طَوَاحِينِ الْهَوَاءْ

وَمِنْ خَلفِهِ تَأْتِي أََسْنَانُ الرِّمَاحِ الْغَادِرَة..

لِيَسْقُطَ الشَّاعِرُ الشُّجَاعُ

وَمِنْ دَمِه تُزْهِرُ بَرَاعمُ الكِبْرِيَاءِ فِي الرِّماَلْ..

وَقَدْ أَطَلَّ فِي اللَّيْلِ الْهِلَالْ

يُرَدِّدُ حَزِيناً فِي سَمَاءٍ بِلَا غُيُومٍ  مُمْطِرَة 

عِيدٌ بَأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ..


رَأْسِي الثَّقِيلُ حَتْماً سَيَنْفَجِرْ

فَالْبَلَاشِفَةُ الْحَالِمُونَ بِالصَّبَاحِ الْوَلِيدْ

يَدْخُلُونَ السَّاحَةَ بِالْمَطَارِقِ وَالْمَنَاجِلْ

اَلْأَرْضُ لِلْجَمِيعِ وَالْمَصَانِعُ وَالْمَعَامِلْ..

وَالنِّسَاءُ لِلْجَمِيعِ وَالأَشْعَارُ وَالسَّنَابِلْ..

يخْرُجُ الشَّاعِرُ مِنْ كُنْهِ الْمُسْتَحِيلْ

مَايَكُوفْسْكِي عَاشِقُ الثَّوْرَةِ الْعَنِيد

يَمْشِي غَرِيباً كَالنَّخِلِ فِي الْجَلِيد 

تَارِكاً وَرَاءَهُ غَابَةَ الذِّئَاب

فِي سِْروَالِهِ الْمُوَرَّدِ الطَّوِيلْ

تَسْكُنُ غَيْمَةٌ بَيْضَاءُ مَاطِرَة*

وَفِي عَيْنَيْهِ جُوعٌ لِحُبٍّ مُخَلَّعٍ قَدِيم

لَمْ تَأْتِي فِي الْمَسَاءِ الْمَوْعُودِ مَارِيَا..

التَّاسِعَةُ.. الْعَاشِرَة..

يُهَاتِفُ أُمَّهُ بِصَوْتِهِ الْحَزِينْ

مَامَا ..مَامَا

اِبْنُكِ مَرِيضٌ مَرَضاً رَائِعاً

لَدَيْهِ حَريِقٌ فِي الْقَلْبِ

قَلْبِي يَا أُمِّي احْتَرَقْ*

وَالنَّاسُ لَا يَفْهَمُونَ مَا يُقَالْ

أَنَا الْعَظِيمُ الَّذِي لَا سَقْفَ لَه

أَنَا اللُّؤْلؤُ الْمَكْنُونُ تَحْتَ الْأَمْوَاجِ الْهَادِرَة

أَيُّهَا السَّادَةُ الْجُدُد كَالْجَوَارِبْ 

أَيُّهَا الْأَوْغَادُ وَالْأنْذَالْ

يَا شَرَفَ الذٍئَابِ وَالثَّعَالِبْ

وَيَا دُمُوعَ التَّمَاسِيحِ وَذُيولَ الْعَقَارِبْ 

وَيَا قَرَفَ أَلْقَابِ مَرَاتِبِ الْجَبَابِرَة..

فَلْيَسْقُطْ حُبُّكُمْ 

فَلْيَسْقُطْ فَنُّكُمْ..*

فَلْيَسْقُطْ غَدْرُكُمْ باِلْكِلْمَةِ الشَّاعِرَة..

قَتَلْتُمْ أَجْمَلَ الرِّجَالْ

وَالثَّوْرَةُ تَأْكُلُ أَبْنَاءَهَا

حِينَ يُعْدَمُ السُّؤَالْ

مُعَلَّقاً كَالنَّيَاشِينِ الدّاعِرَة..

وَحِينَ لَا تَرَِى الْجَمَالْ

أَبْعَدَ مِنْ جَمْعِ الْجُمُوعِ الثَّائِرَة..

تَرْتَبِكُ فِي السَّاحَةِ الْحُشُود

يَتَوَقَّفُ الرَّقْصُ الْمَاجِنُ وَتَصْمُتُ الطُّبُولْ

وَيُنْصِتُ الصِّغَارُ فِي ذُهُولْ

يَفِرُّ الْحِصَانُ الْخَشَبِيُّ بِجَوْفِهِ الْمَثْقُوبْ

وَمِنْ خَلْفِه تَفِرُّ الْأَقْلَامُ الْمَأْجُورَةُ الْمُؤَجَّرَة

وَالنِّسَاءُ الْمَطْرُوقَةُ كَالْأَمْثَالْ

كَالنِّكَثِ البَذِيئَةِ في حَانَةٍ مُسَكَّرَة 

يَفِرُّ هُوَاةُ الْبُرْصَاتِ النَّافِقَة

وَيَبْقَى الشَّاعِرُ وَاقِفاً لِوَحْدِهِ

كَأَنَّهُ مَسِيحُ زَمَانِهِ الْمَصْلُوبْ

اَلْمُسَدَّسُ قَصِيدَةٌ أَخِيرَةٌ بِكَفِّهِ

تَفْضَحُ الْمُؤَامَرَة..

وَبِطَلْقَةٍ وَدِيعَةٍ فِي رَأْسِهِ

يَقْتُلُ الْمَوْتَ الَّذِي بِمَوْتِهُ تَبْدَأُ الْمُغَامَرَة..


أحِسُّ رَأْسِيَ الْآنَ مَقْبَرَة

تُطِلُّ فِيهَا الشَّاهِدَاتُ

وَرَافِعَاتُ النُّهُودِ المُكَوَّرَة

فِي جَنَبَاتِهَا مَلَاعِبُ الْأَطْفَالْ

وَبَاحَاتٌ لِلسَّيَّاحِ الْهَارِبينَ مِنْ تُخْمَةِ الْحَيَاةِ

يَشْتَهُونَ الْجِنْسَ وَالسَّمَر

فِي رُبُوعِ طَرْوَادَةَ الْمُدَمَّرَة.

وَلَحْظَةً فَلَحْظَةً

تَزَاحَمَتْ دَاخِلِي الصُّوَر  

فَآهٍ ! أَقُولُهَا بِلا لِسَان 

كَمْ مُقْرِفَةٌ

وَكَمْ مُتْعِبَةٌ

هَذِهِ الثَّوَانِي الْأَخِيرَةُ

وَالرُّوحُ لَا زالَتْ تَحُومُ حَوْلَ الْجَسَد

كَأَنَّهَا تَرْجُو وَقْتاً مُسْتَقْطَعاً فِي مُبَارَاةٍ خَاسِرَة.

وَآهٍ ثُمَّ آهٍ  تُطْلِقُ الْبُرْكَان!

أَيُّ لُعْبَةٍ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَياةِ

حِينَ تَعْلو عَنْكَ قَلِيلاً قَلِلاً

 فَتَرَى الْحَقِيقَة عَرْضاً لِمُحَاكَاةٍ سَاخِرَة..

تَرْتَجِفُ الرُّوحُ الْمِسْكِينَةُ كَأُمِّ كِنَاسٍ

تَرْقُبُ مِنْ بَعِيدٍ صَفَّ الذِّئَابِ 

تَرَى مَنْ نَهَشُوكَ

يَضَعُونَ فَوْقَكَ وَرْدَا  

وَتَرَى مَنْ قَتَلُوكَ 

يَطْلُبُونَ مِنْ قَصَائِدِكَ الصَّفْحَ وَالْمَغْفِرَة.


هوامش:

*فيديريكو غارثيا لوركا: شاعر  وكاتب مسرحي ورسام وعازف بيانو إسباني. ولد في قرطبة بتاريخ 5 يونيو 1898. وتم إعدامه رميا بالرصاص إبان الحرب الأهلية الإسبانية بتاريخ 19 غشت 1936 بضواحي غرناطة. ولم يعثر على جثته. وكان قد تنبأ بهذا المصير في إحدى قصائده.

* سلفادور دالي : الرسام الإسباني الشهير صديق الشاعر غارثيا لوركا.

* الساعات الذائبة: هي أشهر لوحة فنية لدالي وتسمى أيضا "ثبات الذاكرة".

* شجرة الرمان : قصيدة تعد من روائع لوركا.

*عرس الدم : مسرحية شهيرة للوركا.

* كليب بن ربيعة : شاعر وفارس كان زعيم قبيلة ثغلب. وتم قتله غدرا  على يد أخ زوجته جساس بن مرة  البكري لتنشب حرب البسوس التي دامت أربعين عاما.   

* أبو الطيب المتنبي: شاعر عربي عاش في العهد العباسي وملأت أشعاره الدنيا.. وهو نموذح للاعتزاز والكبرياء والطموح. وكان مقتله دفاعا عن بيت شعري قاله  خسارة كبرى للشعر العربي والعالمي.

* الخيل و الليل و البيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم

هو البيت الشعري الذي قتل بسببه المتنبي.

* كتاب "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" لمؤلفه ابن تغري بردي.. الذي يقدم تفاصيل مهمة عن مصر وحياة المصريين وحكامهم..

* عيد بأية حال عدت يا عيد..

مطلع قصيدة المتنبي في هجو كافور الإخشيدي. 

* ولد الشاعر الروسي فلاديمير مايكوفسكي في 19يوليوز 1893 في بلدة بغدادي بجورجيا والتي ستسمى لاحقا باسمه. عاش حياة صعبة ومتقلبة.. وكان من مؤيدي الثورة الروسية والمتحمسين لها.. لكنه بدأ يستشعر المخاطر المحدقة بجني ثمارها وامتداد آفاقها..ليضع حدا لحياته منتحرا بعيار ناري في 14 أبريل 1930 نتيجة تراكم فشله العاطفي وعدم  تحقيق الثورة لطموحاته وأحلامه وشعوره باغتراب فكري وروحي لأنه لم يعد يجد من يفهمه. 

* غيمة بيضاء ماطرة :إحالة على قصيدة لوركا العنيفة والجميلة " غيمة في سروال".

* ابنك مريض مرضا رائعا

قلبي يا امي احترق

اقتباس من قصيدة غيمة في سروال.

* فليسقط حبكم فليسقط فنكم..

من مطلع قصيدة غيمة في سروال.


القنيطرة 2 دجنبر2020



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق