هلوساتُ محمومٍ....
حمّىً تلتحفُني...
تسحقُني...
تحتويني قشعريرةٌ...
تصطكُّ أسناني...
تهتزُّ فرائصي..
يحملُني غثياني إلى
بحرٍ مجهولِ المعالم…
أرى نملةً تكبرُ... تصيرُ
قطاراً...
ما أوجهُ الشبهِ بينهما؟...
ظنوني ترتابُني
حدَّ الجزعِ…
الكونُ أصفرُ...
يتغيرُ في نظري؟…
تتموجُ الغرفةُ...
تغزلُ في رأسي…
ينتفخُ سِحري جُبناً
مَنْ الآتي...
ألتقطُ أنفاسي…
وَهنٌ يعتريني…
ياه...!
أتراني عبرتُ إلى
ضِفةِ الشيخوخةِ؟...
لكي تحدد قدرة الشاعر على تحقيق رؤيته الشعرية وضمن نسق أسلوبه الذي يحدد له الكثير من التفاصيل لحظة التوهج الشعري لديه ، لهذا عليك أن تدرك مقدار ما يستطيع هذا الشاعر أن يحدث المقاربة الكبيرة بينه وبين هاجسه اللغوي التي يموضعه ضمن
فكرة النص الذي يحاول من خلالها أن يحقق ما يريد أن يوصله الى المتلقي ، دون الابتعاد عن البؤرة النصية لديه ، أي يكمل المعنى ضمن أنساقه التي يرى بها ما يريد أن يطرحه ، دون التشتت عن هذا الهاجس،ما يعطيه التعبير الصادق في أسلوبه الشعري ، وكذلك تبين قدرة الشاعر على مراوغة اللغة لكي تحقق له فكرته الرؤيوية ضمن حالات التأويل الدلالي المتأزم داخل شعوريته التحسسية أتجاه المفردات اللغوية ، والمراوغة هنا هي قدرته على الحفاظ على أنساقه الصورية الإدراكية بنسق مفردته اللغوية ، لكي تكتمل عنده القدرة على التعبير الفني ضمن شروط النص النثري ، عكس ما نراه الآن حيث تحولت القصائد الى تركيبات لفظية لا ضابط لها ولا قياس ، والشاعر قاسم سهم الربيعي أستطاع أن يحقق للمفردة اللغوية غايتها في تكوين المعنى ضمن أنساقه الفكرية ، وهذا ما وجدته في نصه (هلوسات محموم ) الذي أعطي لهذه المفردات التقارب الكبير الى هاجسه الشعري ، وحولها الى تحسس شعوري معبر عن كل ما يشعر ، بحيث أصبحت هي المعبر عن مشاعره الوجدانية بشكل دقيق ، دون زوائد أو أضافات التي لا داعي لها في كتابة قصيدة النثر ...
(حمى تلتحفني../تسحقني.. /تحتويني قشعريرة../تصطك أسناني .... /تهتز فرائصي.. /يحملني غثياني الى /بحر مجهول المعالم…/أرى نملة تكبر .. تصير /قطار .. )
حين يصل الإنسان الى مرحلة يدرك من خلالها أن كل ما يعيشه في حياته هو مجرد هذيان حين يلتصق بداخلة البحث عن معنى لحياته التي يريد أن يصل لها ، لعدم ثبات القيم الحقيقية فيها وهذا ما يدعوه، الى البحث عن أسئلة مصير الإنسان وسط تراكمات الحياة المتناظرة مع هذه الذات ورؤيتها بفقدان هذه القيم، التي تحرك الحياة نحو الأمل المنشود ، لهذا يشعر بالتيه و الانسحاق والغثيان الى حد تهتز فرائضه ، وتتلاشى صورة الحياة داخله في مجهولية مصيره ، ما يؤدي الى التداعيات الذهنية في تحسس ذاته أتجاه ما يريد أن يحققه في الحياة مع كل مسميات التي ينتمي إليها ، ما يدخله في حالة من الهذيان الوجداني الى حد يرى النملة تصير قطارا ما يجعله يطرح انتكاس الإنسان وسط صرعات العالم الداخلي مع التهميش الذي يحدث له في الحياة ...
(ما أوجه الشبه بينهما ؟!.../ظنوني ترتابني /حد الجزع…/الكون اصفر.. /يتغير في نظري؟…/تتموج الغرفة .. /تغزل في رأسي… /ينتفخ سحري جبناً /من الآتي..)
يتنامى شعوره بالانسحاق والانتكاس أتجاه ما يراه في الحياة حوله ، فيفقد عنونة الأشياء ومسمياتها الحية ، حتى يشعر أنه أخذ يفقد هذه الأشياء و يدخل في مرحلة الشك والظنون التي تنتابه وتسحقه من الداخل ، حيث أصبح كل شيء حوله غير واضح ، ما يؤدي الى فقدان حسه المتشاعر وفقدان الاتصال مع كل الموجودات ، و يصبح العالم اصفرا ، أي لا وجود له في تناظره مع إحساسه الداخلي ، فتتموج الغرفة ، لأن كل شيء حوله غير واضح وغير مستقر، وهذا ما أربك شعوره الإنساني الداخلي ، وتصبح ساحات رأسه ساحة الأسئلة الوجودية عن قيمة الإنسان وأهدافه التي يعيش من أجلها ، والشاعر قاسم هنا أستطاع أن يعبر بشكل رؤيوي عن الإنسان المحاصر من الداخل بأسئلته عن ماهية الحياة وقيمها حين لا يمتلك هو أي شيء حوله ، وهذا هي أقصى حالة الغربة الوجودية التي يعيشها الكثير في مجتمعنا ، الذين يشعرون بالانسحاق وعدم قدرتهم على الاستمرار في الحياة لعدم امتلاكهم أي شيء من أجل أن يعيشون من أجله ، أي أنهم فقدوا الأمل بالحياة الكلي ، وهذا تراكيب صوريه وجدانية أستطاع الشاعر أن يحقق قدرته المتخيلة في رسم صورة الإنسان الذي يتداعى عنده كل شيء ويفقد الأمل والإحساس بالأشياء حوله ، لأنه لم يعد يملك أي شيء لهذا يبقى يسأل عن قيمة الآتي إذا هو لا يمتلك حاضره ...
(التقط انفاسي…/وهنٌ يعتريني…/ياه ؟!../أتراني عبرت الى /ضفةالشيخوخة ؟.. )
ويستمر الشاعر بطرح الصراح النفسي والفكري عن الأنسان الذي فقد كل شيء ، الى حد يشعر بالوهن ، بعد أن جعله هذا الصراع في حالة من التشظي والتيه والغربة الداخلية مع كل المسميات الخارجية ، لها يشعر أنه يعيش الشيخوخة أي أنه لم يعد يمتلك الأمل ولا ينتظر إلا النهاية لحيا ته ، والشيخوخة هنا هي حالة العجز الكلي بأحداث أي تغير في حياته ، لشعوره أنه فاقد كل شيء يستطيع من خلاله أن يحدث تغير في حياته ، لهذا يلتقط أنفاسه ويصمت لكي لا يحدث تصادم عنيف وكبير مع الحياة ، ولكي يبرر أنه لا يمتلك أي شيء ، فيعتريه الوهن والسكوت عن التفكير في الحياة حوله ،لأنه عاجز عن تغيرها باتجاه الذي يريد لكنه فقد الأمل ووصل الى ضفة الشيخوخة .
والشاعر قاسم سهم الربيعي أستطاع أن يماثل المقاربة بشكل كبير للإنسان الذي يفقد أي شيء لأنه لا يملك أي شيء ، وهذه حالة العجز الكلي عن أحداث أي تغير في حياته ، وهذا نصه نص حواري مع الذات حين تشعر بمجهولية الحياة وفقدان الأمل وعدم القدرة على تغيرها ،وقد حقق الشاعر كل هذه من خلال الاستعارة التخيلية ضمن الحس الوجودي للإنسان ، أي أن النص حقق التأويل الدلالي من خلال أعطاء البعد للوعي الداخلي حين يتهمش الإنسان ، ولهذا يجد العزلة داخلة بأسئلة عابرة لليقين لكي يحقق الوجود الفعلي لأحلامه المتشظية في وجوده كإنسان ..نص متوهج خلق التوحد العضوي للبؤرة النصية في النص الحديث ، بلغة هاجسيه حدثت المقاربة الكبيرة بين حسه الشعوري الإنساني وبين فكرته الذي بينها من خلال أحدث الانزياح الأحيائي التأويلي لقضية الأنسان الذي لا يمتلك القدرة على العيش وسط العزلة وفقدان الأمل أن القادم افضل ما يعيش في حاضره الآن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق