(إحذروا العتبات ...) جنيت
2ــ الهامشية المفترضة
إن الرقم المستخدم كهامش فوقي يُقصد منه القوة الرمزية للعدد وتفسيره الى جنب المقصود من توضيحه دلاليا (دلالة الرقم + دلالة النسق ، أو العنصر المؤثر في الأنساق) يساعد في تعاضد الدلالتين وجمعهما في نسق واحد لبيان الإنعكاس على القارئ إن الهامش يمتلك خصائص الشيء المراد توضيحه ، فهو إعادة لإنتاج ذات الشيء في مكان ما من أسفل النص ، وما دام الأمر كذلك فلا حاجة لإن يتكرر المكرر مرتين ، مرة في أصل ماهيته (مادة توضيحية موجودة سابقا بكل تفاصيلها) ومرة في مكان يحتويه لذاته لا لذات النص ، وهذا ما نشكل عليه من وجود الهامش كدلالة مغايرة لدلالة النص وللغته ، فلا يمكن أن تأكل وتشرب في عملية واحدة . لقد وقفنا من خلال هذا العمل أيضا عند تفسير الغرض الرئيس من (الهوامش المفترضة ) وبيّنا التوضيح والهدف هو ليس تسمين المباشرة وزيادة في إبتذال اللغة التقريرية كما يظن القارئ ، وإنما إضافة جرعات جديدة من الدلالة ، أو استطرادات قد يحتاجها الكاتب في إشباع النص ، ومستحدثات تعمل على قتل تقادمية الهامش ، وقضية الإبتذال اللغوي ، وينبغي أن يُراعي (الناص) عدم اشتمالها على معلومات معيارية مباشرة تُضافُ الى النص من الأسفل صعودا الى الأعلى ، فيكون التحرك (مكانيا ــ إنشائيا) فقط .
الغرض منها - كما أشرنا - هو ليس التوضيح والتوثيق والترشيق لمنظومة مصطلحية أو شخصية تاريخية أو التعريف بمفردة لغوية... وخير مثال ما عرضناه من نصوص ، مما يظن البعض أنه تلاعب في المصطلح لإحياء سمة المباشرة ، وإنما حصيلته إستثمار النص لهذه الظاهرة ، فينبغي أن يحدث التفريق بين المستويين(الهامشية التقريرية ــ الهامشية المفترضة) في إشتغالها الشعري وإضافة قدرات إيحائية ولغوية جديدة تفيد أولئك الذين يتمازون بسعة الدفق اللغوي والخيال البعيد ويعانون من الإقتصادية اللغوية وإحتقار الهامش وتقييد النموذج .
وتشير الدراسات أن الهوامش بأنواعها تشكل عتبات نصية وكما هو حاصل ، وما وجدناه هو نوع من التهميش للهامش نفسه ومظالمة له وتقييد للدلالة ، وحصرها في إفق ضيق لا تمت بأي صلة الى لغة النص ، لكن عندما ينصهر الهامش بين طيات النص ويستشرف في فضائه البعد الآتي الجديد تكون اللغة في أعلى منازلها الطبقية من النزوع والتأثير ، فتحتاج الى اقتراب الفكر من الواقعة الحداثية والذي هو أساس نجاح أي فكرة . فوضع الأرقام ، أو العلامات ... قد يثير استغراب البعض ، لأن النص ممكن أن يكون هامشه ذائب فيه وعلى القاري أن يستكشفه ، وهذا الكلام الى حد ما صحيح ، لكن هذه الطريقة تقادمية لا تختلف عن سابقاتها من حيث العودة الى الدلالة بطريقتها التقليدية ، والإستغراب والتصعيق والتساؤل والبحث... هو ما نبتغيه أن يكون عند القارئ لنحقق مبدأ (الصرخة النصية وإيقاظ العقل).
يبدو أن الحراك قد يولد جدلا بين مركزية النص وهامشية المكان الأمر الذي يؤدي ظهور طبقة دلالية من الوسط اللغوي المكتنز بالعلامات والأرقام أثر حوار قد فتح مصراعيه قبالة القارئ ويحتاج الترقيم الى نباهة الكاتب ومعرفته بدلالة ذلك الترقيم وتلاعبه (بتلازمية الأشتغال) أي أن النص مرتهن بأستمالة الأفكار الصادرة من (الناص) نفسه ، والقارئ الذي له الحق أن يزيل تلك الأرقام والعلامات وصياغة النص من جديد ، هو الذي يدفع النص باتجاه المعايشة الحقيقية للهوامش والعلامات. يستدعي أن نطرح سؤالا ، ما نظُنَّ أن (الهامش) قد كان جزءا من النص والخروج عنه قد خالف مقتضى التوظيف والتشكيل ، فتحول الهامش الى عالم آخر يختلف من حيث العمل المكاني ، والواقع هذا لا ندعي به تنازعا للألفاظ بين طورين لا ينتمي أحدهما للآخر لأن منزلة النص هي الأرفع إجراء ، إذا ما قورنت بالهامش ، وحديثنا عن (تملص الشعرية الى طور معياري) والتواصل غير الشعري يُفقد النص خلاصة تكوينه .
إننا والحال هكذا ينبغي أن يكون للنص برنامج متكامل الدلالة ووفق المعطيات الآتية.
1ــ البحث الدلالي في هرمية النسق المجرد من الرقم أو العلامة .
التطبيق .
رخامٌ ميِّتٌ//
بقلم: فريد غانم
الدلالة التراكمية ناتج حاصل من المكرور اللفظي المتوفر على مدار النسق ، إذ يعُدّ البعض هذا تكوين توليدي مفردة من أخرى ، لكننا نرى أن هذا أثر مرور المفردة بحالة تبادل الأطوار ، فالطور أصله القلب ("قلبي يهطلُ في غيمةٍ. غيمةٌ تصبُّ في الينابيعِ السِّرّيّةِ. ينابيعُ تصُبُّ خِلسةً في الجداول. جداولُ تسكبُ ماءها في النّهر. نهرٌ يصبُّ في البَحْرِ. بَحْرٌ يصبُّ في عينَيْها، حبيبتي التي تنامُ على زِنْدِ اللّيلِ وترُشُّ المِلْحَ على قلبي".) وهو الجوهر (الذي لم يتوالد) لكنه يجد في الطورية تجدد في وجود الدلالة وماهية في طور المفردة ، لكن ليس في التوالد إلا استنساخا مكرورا. والطور نهاية مقام لإحلال مقام آخر . في زمان ومكان لا يشبهان التوالد اللفظي .
النص .
(1)
رخامٌ ميِّتٌ//
بقلم: فريد غانم
****
فوقَ بابٍ مفتوحٍ للجِهات، يصرُخُ فينا كلامٌ كوفيٌّ منقوشٌ على رخامٍ ميِّتٍ: "رأسُ الحكمةِ مخافةُ الله".
هكذا قالوا. لكنّ الكلامَ يتعكّرُ عندما يهبُّ حريرُ الفساتينِ من بيتِ الحريم. طيفُ عاشقٍ واقفٌ هناك، يُغنّي على خيطِ نايٍ طولهُ ستّة قرون:
"قلبي يهطلُ في غيمةٍ. غيمةٌ تصبُّ في الينابيعِ السِّرّيّةِ. ينابيعُ تصُبُّ خِلسةً في الجداول. جداولُ تسكبُ ماءها في النّهر. نهرٌ يصبُّ في البَحْرِ. بَحْرٌ يصبُّ في عينَيْها، حبيبتي التي تنامُ على زِنْدِ اللّيلِ وترُشُّ المِلْحَ على قلبي".
هناكَ، على لوحِ الرّخام الميِّتِ، على خيطِ نايٍ طويلٍ، يختلطُ الصَّمْتُ بالكلام.
...،
(اسطنبول، 30.3.2016).
. . .
(2)
في نص(هيا) من مجموعة (هموم النواعير) حسين الغضبان ــ دار جان ــ ص 38 ، يذكر فيه أيضا هذه الظاهرة .
. . .
هيّا
ما زال اللقاء يُنادي على الرحيل
الرحيل في قبضة العدالة
..........................
........................
الرمال
التي تطير لا تنبت الزرع
من أجل ذلك هم يفشلون
الرملة التي أدوسها درّة من عتيق
......................
الزمن
غذاء العيون
.................
.........
البطون
إذا لم لم يزلها العذب يأكلها الملح
الملح
لا ينبت فيه إلا الصبر
الصبر جميل
.................
. . .
(3)
ظِله الكبير..
عادل قاسمُ
ايها الماسِكُ عيونَ زَمنٍ من رمادٍ. تهافتَ
على اَديمِ أَرصفةِ الضبابِ جراحاتٌ تتوسلُ بريقَ النَسيمِ اَنْ يَنفخُ منْ روحه.ِ
في جَۤدَثِ هذهِ المُومْياواتِ التي تَرْكضُ فَزِعةً في الشَوارعِ .اذْ اَضْحَتْ مُشْعثةً بغبارِها الاَشْيبِ وهيَ تَنْهارُ- حيثُ اَسبَتَ مُتوحداً معَ اِنطفاءِ آخرَ النهاراتِ الفَتية- ظِلهُ الكبيرْ.
يَئِّنُ صَريعاً تَحتَ اَقدامِ اللاّهثين. يَرْكِضونَ جِموعاً على البِطاحِ وجسورِ عَقيمةٍ ﻻتُفضي الى ضفافٍ اَمنة غيرَ مُدْركين.اِنَّ ذلك الذي يوميءُ بعصاه. لهُ راَس ديناصورٍ مُنْقَرِض ما تبقى منه .عيناهُ وَفتاتٍ من اَرغفةٍ مُتيَبِسة .وَخلْفَ ذلكَ السورِ سَرابٍ لِمُروجٍ يانعةٌٍ اَحرَقَها الرُعاةُ قُبيلَ سَفَرَهم لِمَدائنِ من خَشبٍ هناك على سفوحٍ تضَلِّلُها أشجار اﻻَساطيرِ .
النص الذي ذكره الأديب الكبير عادل قاسم ، يدل في بلوغه مرحلة (الهامش المفترض) إذ فرض الكاتب بأن هنالك هامشا منقولا من طبيعة المكان بحرية الإشتغال الشعري ، بمعنى ، أن قوله : { ظِله الكبير.. ظِلهُ الكبيرْ. يَئِّنُ صَريعاً تَحتَ اَقدامِ اللاّهثين.} و {جَۤدَثِ هذهِ المُومْياواتِ التي تَرْكضُ فَزِعةً في الشَوارعِ} فالإفتراض تركز في العنصر الفاعل (المُومْياواتِ) (وإن كانت بلا رقم ، أو علامة) ليؤكد بأن الهامش تحول من مكانه التقريري الى إشتغاله الشعري وذوابنه في النص ، وبدل من ان يجعل كلمة (المومياء) ذات هامش ، أو علامة ، أو رقم ، جعل ذلك الهامش دفقا دلاليا في ذيل النص ، ووفق المنهج السيميولوجي ، لإنتاج أطوار من الدلالات الجديدة وتقنية خاصة بالجملة الشعرية (ذلك الذي يومئ بعصاه . لهُ راَس ديناصورٍ مُنْقَرِض ما تبقى منه . عيناهُ وَفتاتٍ من اَرغفةٍ مُتيَبِسة . وَخلْفَ ذلكَ السورِ ) وهذا ما قصدناه من الفكرة (نثر الهامش) .
يُتبع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق