لكِ هيبتان تضارعان الوجود فتنة الغوى..
ولكِ اعتبار المعابد..
بناهدات القباب وقداسة الجسد!
ودونكِ سموكِ ما تشاء الجبال رفعة..
وما تجلجل الملوك في هوامش العروش
ولي بهامس نبضكِ المرهفِ أن....
أتحسس رنين النهد برهافة الناقوس
وأوحّد اكتمالكِ بآية الملاك..
أعرف،أن الجمال بلوةُ الجميل حين..
تنغمس الروح برعشة اللذّة ، كبلورة سكّر في خمر!!
وأعرفني في مهرجان حضورك بحر غوى،
أتناثر كالماء، راقصا فوق أصابعي..
وأنحدر كفيض جنون المطر..
في منعرجات الجسد، وأتجمع في تويج الزهرة..
يأخذني كالطفل إغراء خصبك..
باصطكاك الأضلع، ولهاث العيون وازرقاق اللمسات
ويسكبني كأس لهاثكِ نبيذا ونار !!
أيا امرأة..
علمتني ابتهال القبل ونساكة الشمِّ ورضاعة الجنون ..
وورّثتني شراهة الجائع ونهم السكارى
فاستباحتِ ممالكي بناهم كنوزها..
فاتحة صدري بصلاة الوعد.. وعدكِ بالحسناتِ !
سأبتهلُ لمراياكِ الراهبة يا تحفة النساء..
ففي فرادة القوارير خمائل خميلات
تُسكر عاطفتي في طراوة انهماركِ
وتقرأني قراءة الأجنحة للريح..
وفطنة الحلمة في اشتهاء الشفاه
فقلبي المازال ينبضكِ كأمنية يرتجف لهفة..
ويطير راعشا بفضاءات وجدكِ الحميم
أنت قصيدتي التي تتوحم بلذات المعنى
هلّا وضأتني برضاب سبيلكِ، وأغرقتني بروابي الجيد
فمقتلي في القبلة .. بين الكتف والرقبة
******
الجسد كينونة ومؤشر أولي على الكون والوجود، وجمالياته أحدى مظاهر الأشتغالات الشعرية. حتى أضحى مثيراً للجدل في الدراسات الأدبية والنقدية، بأعتباره بؤرة دلالية ينطلق منها خيال الشاعر، فينتج دلالات رمزية ووتعبيرية. فالجسد في الشعر الحداثي، عالم حسي بحت ذو أبعاد تشكيلية وشعرية متنوعة، له الحضور المكثف، في الشعر العربي. ومن مشتقات هذا الجسد يبرز الجسد الأنثوي الذي تمظهر بصورة أكثر إثارة، و (صراحة جنسية ودقة في تصوير المفاتن الجسدية، التي تشكل فلسفة جديدة في الشعر الحداثي)، فهو أكثر أختراقاً من قبل الشعراء، وهذا بمثابة أستكناه للمسكوت عنه. حيث ركز الشعراء على أجزاء الجسد الأنثوي المختلفة، وتحدثوا عنه بأسهاب. فهناك من تعامل معه وفق رغبات شهوانية، ونظرة ضيقة للمرأة، تبرزها كجسد يثير الغرائز، وحاضن لتلك الرغبات. وهناك من عُد كاهناً فى معبد الجسد، لا بهدف إثارة الغرائز، لكنه يريد الخروج به عن المسكوت عنه، وإبراز دلالاته الرمزية. (فقد نلمس مفردات جسديّة المرأة وبيولوجيتها، كما نلمس رمزيّة هذا الجسد ومجازاته الّتي تتركها الألفاظ المشعّة في النّص، فجغرافية الجسد هي جغرافية النّص، واستبطان الجسد الأنثوي هو استبطان للفضاء النصيّ، وتمثّل لخصائصه)، "الاخضر بن السايح، سرد الجسد وغواية اللغة، قراءة في حركية السرد الأنثوي وتجربة المعنى، ص 122،128".
إن ثيمة الجسد الأنثوي شكلت موضوعاً جوهرياً، وحجر أرتكاز في أغلب نصوص الشعراء. وإشتغالهم على هذه الثيمة ليس بجديد على الأدب العربي، فالتراث الشعري العربى ممتلئ بالكتابة عن الجسد وجمالياته.
فالجسد الانثوي ليس كفكرة جمالية فحسب، وإنما ركيزة فنية. فكان له الحضور الأوفر في النتاج الشعري، فهو ملهم الشعراء حين تغنوا به، فأجادوا الوصف وأستباحوا جغرافيته بما فيها، وأظهروا صوره الشعرية بأسلوب تشكيلي يجسد كل مكوناته.
إن أستثمار الجسد الأنثوي في النص الشعري له دلالات ومحمولات، فهو نص أثارة، لإن البعد الرمزي له يجعلنا أن نقرأه كنص، له لغته وبلاغته، ودلالاته المنفتحة على النص. والشاعر (فائز الحداد) أعتمده في نصه، كبؤرة مركزية أستقطب بها عالم النص كله. فهو (يلج بوابة الجسد الأنثوي من خلال لغته الخاصة، وانفعالاته المتفردة، وصوته المتميّز دون وساطات)، "إبراهيم الحجري، المتخيل الروائي العربي، الجسد، الهوية، الآخر، ص32".
********
العنونة جانب مهم في الدراسات النقدية الحديثة، ومؤثر في تكوين دلالة النص الشعري، فهي العتبة النصية الأولى، والمدخل الى قراءته، والعتبة النصية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها لأنها تساعد القارئ على فك ما يضمره النص، فلا معنى للنص من دونها، تسهم في الأنفتاح على النص، وغيابها يؤدي إلى تشتته. أن البعض يرى أن العلاقة بين العتبة النصية والنص هي علاقة جدلية، تضفي على النص جمالية، تحفز القارئ على فهمه والإحاطة به. أضافة الى كونها ذا قيمة سيميولوجية، وعلامة من العلامات الدالة على بنية النص، كرمز قابل للتأويل، له أمتدادته في النص. وموجه دلالي لقراءة النص وأختزال مضمونه. فهو (يشكل عنصراً أساسيّاً في النّص لا سيما في النّص النّثريّ، فهو المفتاح الإجرائيّ الذي يمكن من خلاله الولوج إلى عالم النّص، وكشف أسراره)، "سيرة جبرا الذّاتيّة في البئر الأولى وشارع الأميرات، خليل شكري هياس".
لقد أتخذ الشاعر "فائز الحداد" من العنوان إشارة وعلامة دالة، هي بمنزلة هوية النص، فكان موفقاً في كشف دلالاته، وإعطاء آفاقاً دلالية أوسع، مع الإحتفاظ بغموض نسبي وقدرة إيحائية.
النص الذي بين أيدينا نصاً مبنياً بناء شعرياً وجمالياً، بأدوات إبداعية مكثفة. فهو نص يشتغل على رؤى فنية وجمالية، ومشحون برموز ودلالات وإيحاءات تفتح الباب على مصراعيه أمام التأويل.
الشاعر "فائز الحداد" أجتهد في أختيار العنوان بما يلائم المضمون لأعتبارات فنية لا تخلو من الجمالية النصية، لإنه المدخل للنص، يستثمر به الدلالات والصور الشعرية المشحونة بالإيحاءات المتاحة أمام المتلقي. فجاء على صيغة تميزت باقتصاد لغوي، يحمل المتلقي على التأويل، وعنوان النص (هيبتان) مفردة لها إيحاء سايكولوجي، تنتج منه دلالات جمالية في تشكيل النص، من خلال قدرته الإيحائية التي تسهم في أستشراف النص. إذ تدل مفردة العنوان على صفة لـ(النهد) بطريقة غير مألوفة، وتعبير عنه بصورة شعرية. فهو (عنوان أرتدادي) خرج من رحم النص، يميل إلى الإنزياح اللغوي (يؤطره إذ يشار به إلى النص فيصبح كالدال على مدلوله حقيقياً كان أم تخيلياً)، "سلمان كاصد، عالم النص، ص15".
هيبتان (مفرد هَيْبة: اسم، مصدره هَابَ، والـهَيْبةُ: الـمَهابةُ، وهي الإِجلالُ والـمَخافة. وهابَهُ يَهابُه هَيْباً ومَهابةً، والأَمْرُ منه هَبْ، بفتح الهاءِ)، إن إطلاق لفظ الهيبة فيما يتعلق بـ(النهد) هو أصدق لفظ كصفة غالبة عليه، لأن كل شيء له صفة معينة تميزه عن غيره من أعضاء الجسد. فيصنع له مهابة وإجلالاً في النفوس، والهيبة، صفة ذاتية مميزة أكسبها الشاعر لـ(النهد)، أراد أن يتحلى بها، فيضفي تميزاً على أنوثة المرأة، تجذب إليها الأنظار. فهو أكثر أجزاء الجسد جذباً للرغبة وعلامة مركزية مميزة للغريزة الجنسية، وإيقونة دالة، ومعبرة عن تجليات (الليبيدو)*؟!
(أتناثر كالماء، راقصا فوق أصابعي..
وأنحدر كفيض جنون المطر..
في منعرجات الجسد، وأتجمع في تويج الزهرة..)
فهو يغدو ثيمة دلالية في النص بتشكيلته الظاهرة، كأول عتبة نصية، ودلالته المنفتحة على النص المكتنز بتفاصيله. لما يمثله من حمولة دلالية كثيفة، ومنزلق من ثيمة الجسد الأنثوي، المثير لذهن المتلقي، بما يملك من خاصية متفردة، فهو (منتج ومتلق). فالشاعر "فائز الحداد" يسمو به ــ النهد ــ وهو يرفع الثوب في علو يشير إلى حسن القوام.
( دونكِ سموكِ ما تشاء الجبال رفعة..
وما تجلجل الملوك في هوامش العروش)
وبما إن (النهد) من أبرز مفاتن المرأة الحسية، نجده يتجلى في قصائد الشعراء كعنوان بارز للهوية الأنثوية، وأشد مناطق الدهشة والإثارة حيوية، بل كينونة دالة عليه، وتجلي جمالي أنثوي كامن فيه، حتى عد مركزاً للذة. وقد بالغ الشعراء بوصفه وتشبيهاته وما فيه من شهوة للأرتواء الجنسي والعاطفي.
ذكر النهد كثيراً في الأدب والشعر العربي قديماً وحديثاً. فقد شبهوا الشعراء النهدين بـ(الرمان في استدارته)، وبـ(حُق العاج لصفائه)، و(بياضه بالمرمر الناصع) وأطلقوا على المرأة (الكاعب)، وقد ذكر هذا الوصف في قوله تعالى: (إنّ للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا)، سورة النبأ 31، قال: "أبا الثناء الألوسي" في (روح المعاني)، (وكواعب أترابا)، جمع كاعب وهي المرأة التي تكعب ثدياها واستدار مع ارتفاع يسير ويكون ذلك في سن البلوغ)، وما ذلك إلاّ لما يحتله من جسد الأنثى من موقعٍ يهبها هويتها الأنثوية. فـالنهد ليس اسما بقدر ما هو وصف (يقال نَهَدَ الثَّدْيُ، إِذا ارتَفعَ عَن الصَّدْرِ وصارَ لَهُ حَجْمٌ. ويقال: نهدت الْمَرْأَة كَعْب ثديها فَهِيَ ناهد وناهدة. ومنه اشتق العرب اسم النهد).
******
نحن نعرف أن الشعر الحداثي يعتمد في بنائه على بنى رمزية وتأويلية، وتفيض بدلالات مفتوحة ومتجددة، تمنحه تعدد في القراءات. والنص الحداثي (لاينطلق من أيِّ شرط، ولاينمو تحت أيِّ شرط بل إنَّه يختار تماماً المنطقة غير المشروحة ويجلِّي طبقاتها بسلسلة من الاحتمالات)، "العقل الشعري، خزعل الماجدي".
والشاعر "فائز الحداد" شاعر حداثي بكل ما تحتويه صفة الحداثة من تمرد وتجديد، جسدَ وعياً مغايراً يعبر به عن ذاته. ورب سأل يسأل، هل نص الشاعر "فائز الحداد" (غواية أنثى أم غواية قصيدة أو جسد قصيدة أم جسد امرأة؟ ومَن يغوي مَن، القصيدة أم الأنثى؟).
إن لغة النص جاءت مكثفة، ومفعمة بالأنفعال والمشاعر والأحاسيس. وغنية بإنزياحاتـها الرمزيـة، وأستعاراتها، وإيحاءاتها المجازية، وبث اللذة الجمالية فيه، فأظهرت نصاً ذات طاقات ترميزية. و (بناء لغوي، يتمظهر داخل سلسلة تركيبية ودلالية متعددة المسارات والمستويات
)، "أحمد اليبوري، دينامية النص الروائي، ص.67".
في نص الشاعر "فائز الحداد"، بما يحتويه من دلالة تخيلية ورغبة، ما هي إلا إشارة أيروسية تحولها اللغة الى صورة حسية تلتقطها مخيلة القارئ، لإن هذه اللغة، تتغنى بالجسد الأنثوي حتى تبرز مفاتنه. من خلال آليات الصورة الشعرية كالأدوات البلاغية من أستعارة أو تشبيه أو غيرها، مما يجعل القارئ يعيد قراءة أي نص ويعيد تخيله بوصفه صورة مرئية تحمل دالها ومدلولها، ولغة ذات إغراء جمالي وتعبيري، وهذا أسلوب وتكنيك خاص بالشاعر، والأستمتاع باللذة النصية وجمالياتها، التي تدل على تلك الرغبة. لإن اللذة النصية تقتضي وجود قارئ يحس بـ(لذة النص) الذي بين يديه قادر على سبر أغواره وأستكشاف مواطن الإبداع والجمال فيه، فيصبح مشاركاً في عملية صياغة النص. لإةزن اللذة النصية حسب ما يذهب اليه "رولان بارت" هي (تلك اللحظة التي يتبع فيها جسدي أفكاره الخاصة؛ ذلك لأن أفكار جسدي ليست أفكاري).
والشاعر "فائز الحداد" مارس غوايته الفنية عبر صوره الشعرية، مثل ما مارس الجسد الأنثوي غوايته عبر مفاتنه، في النص شكل (النهد) نقطة الإثارة الأولى، والمهيمنة عليه، مما أعطت للنص أناقة شعرية، وقدرة على خلق لغته الشعرية، التي ترتقي بالحسي الى الصوفي. فقد وظفه بدقة، لما يمثله من حمولة دلالية كثيفة، وإشارات رامزة لفعل اللذة.
(تنغمس الروح برعشة اللذّة ، كبلورة سكّر في خمر!!)
(ويسكبني كأس لهاثكِ نبيذا ونار !!)
تكلم الشاعر عن تكورات (النهد)، الأداة لتوليد اللذة، وإيقونة الجسد الأنثوي. وعادةً (الإيقونات تعلق على الجدران في المنازل والكنائس وأحياناً تتدلى على الصدور)، فجمال الصدر يكون ببروز النهدين، وكانت العرب قديماً تنسب المرأة إلى النهد فسمتها ناهداً لبروز نهديها، وجمال النهدين من بين ما تغنى به الشعراء عند وصف محبوباتهم. والشاعر "فائز الحداد" جعل له قداسة صوفية، نرى فيه جمالية لغة التوصيف في أدق صورها. فكثف الرؤى الصوفية في وصفه الذي يفيض جمالاً.
(لكِ هيبتان تضارعان الوجود فتنة الغوى..)
(لكِ اعتبار المعابد..
بناهدات القباب وقداسة الجسد!)
(فاتحة صدري بصلاة الوعد.. وعدكِ بالحسناتِ !
سأبتهلُ لمراياكِ الراهبة يا تحفة النساء)
فنراه يقترب من المرأة إقتراباً ناعماً، يغازلها تارةً ويداعبها تارةً أخرى.
( لي بهامس نبضكِ المرهفِ أن....
أتحسس رنين النهد برهافة الناقوس
وأوحّد اكتمالكِ بآية الملاك..)
كذلك هو في نظرته للمرأة، تمثل جمالية خطابه الشعري، لها حضورها المميز والمتميز، حتى أحالها إلى معبد. فإشتغل على ثيمة الجسد وتضاريسه، الذي شكل بؤرة جنسية متكاملة، أتخذ من الحسية الجمالية، معنى للجمال في مفهومه المطلق. من خلال أستغلال وظيفة اللغة البصرية في أقتحام المسكوت عنه. ففي مجموعته الشعرية: (روزالين)، الصادرة عن دار العراب بدمشق 2012، يقول الشاعر "فائز الحداد":
(يا امرأة..
تأكلني كواعبها برعشة الأرض
ولا يأخذني غير نرجسها المتباهي)
(والفيروز كأغاني فيروز تهز بجدوى
سلي مئذنة النهد حين أوذن بالفلاح !؟)
يمتلك الشاعر "فائز الحداد" في نصه الشعري طاقة تعبيرية وتصويرية أتية من حالة شعورية وأنفعالية مبنية على بعد تشكيلي. فقد أستطاع أن يضع الجسد في بؤرة (اللاوعي)، وراهن على تجاوز حدود اللغة، التي وُضعت للتعبير عن المعنى. وأستنطق بنحو جمالي أنفعالي (النهد)، بأوصاف لا تخلو من الدلالات و (التعمق في أظهار المشاعر الحسية من دون التطرق الـى العملية الجنسية)، "سلطة الجنس، أسامة غانم".
المتأمل في نص الشاعر "فائز الحداد"، له دلالته على عمق التجربة الشعرية، فهو يمتاز بالتركيز والتكثيف بمعنى إختزال النص ببضع كلمات، (كلما ضاقت العبارة اتسعت الرؤيا) كما يقول "النفري"، وهذه ميزة تجعل منه ــ النص ـ بعيداً عن الأستغراق في التفاصيل، ومحاولة أستنطاق لغته للكشف عن المعنى، وهذا محور شاعريته، لإن الشاعرية تمثل (إيجازاً في العبارة وتركيزاً في المعنى ...)،ــ بحسب سوزان برنار ــ ، فالشاعر "فائز الحداد" يحمل في نصه هاجس جمالي ووجودي كوني. مالك لأدواته الشعرية ومبتكر لأسلوبه الخاص، وحريص على أشاعة الجمال داخل نصه، والأعتناء بلغته الشعرية، وفق رؤية إبداعية وعمق شعري، وذائقة شعرية.
(ففي فرادة القوارير خمائل خميلات
تُسكر عاطفتي في طراوة انهماركِ
وتقرأني قراءة الأجنحة للريح..
وفطنة الحلمة في اشتهاء الشفاه
فقلبي المازال ينبضكِ كأمنية يرتجف لهفة..)
********
إن لغة الشعر تعكس أبداع الشاعر وثقافته ومهاراته التعبيرية، وأول مهمات الشعر هي (أثارة المتعة)، على حد تعبير الشاعر "ت.س.اليوت". لإن لغة الشعر لغة ذات خصوصية، يقول الناقد الجمالي "عبد القادر الرباعي":(لغة الشعر لغة التصوير المكثف، والخيال المتعقل الخلاق). فالصورة الشعرية ركناً من أركان النص الشعري، تُبنى على أساس رمزي وجودي، فهي تمثل بنية النص الأساسية، وبؤرته الجمالية، لإنها الدلالة التي أرتكزت على لغة ذات حمولات، من خلال الأتصال بمعجمها الدلالي، كذلك هي وسيلة فنية تحدد دقة الإبداع وعمق الإحساس في التجربة الشعرية، وعنصراً فعالاً في توهج النص من خلال مكوناتها. ونص الشاعر "فائز الحداد" مشبع بالصور الشعرية الحسية وجمالياتها، ولكن في حدود التلميح دون التصريح، والمباشر حين يتطلب الأمر التصريح. لإن (الصّورة ليست بالضّرورة أستبدال شيء بشيء آخر، أو تشبيه شيء بشيء آخر، وإنّما قد تستدعي أيّ كلمة حسيّة أستجابة الأشياء)، "البلاغة مدخل لدراسة الصّورة البيانيّة، فرونسوا مورو، ترجمة محمد والي وعائشة جرير".
*******
النص (هيبتان) نص يتميز بالتكثيف اللغوي الذى يجعل من المفردة الشعرية داخل سياق النص ضرورة. لإنها تنتج رموزاً وأشارات شعرية، لإن قيمة المفردة في وظيفتها الدلالية، ومن هذه الرؤية نتعرف على معالمها. والشاعر "فائز الحداد" أمتلك المفردة الشعرية، المعبرة عن مكنونها، والتي يمكن بها أستدراج ذهن المتلقي للنص، وأستقطابه وشده اليه. لذلك يعد أختيار المفردة الشعرية في النص، جزءاً من البنية الجمالية له.
و(النهد) المفردة المهيمنة والملازمة للنص، وجد فيها الشاعر "فائز الحداد" قيمة جمالية وطاقة دلالية، يكررها ويوظفها في أشكال دلالية متعددة، من أجل تأكيدها لغرض إثارة المتلقي، وترسيخ المعنى في ذهنه، فهي ترنيمة النص، التي تجاوز بها المعنى المعجمي المألوف، لتحمل دلالات وفقاً لسياقها الشعري، يرسم من خلالها صوراً شعرية ذات تدفق رومانسي، ومتعة شعرية متفردة، فـ(لا تقتصر دلالة الکلمة على مدلولها فقط، وإنما تحتوي على کل المعاني التي قد تکتسبها ضمن السياق التعبيرى. وذلک لإن الکلمات، في الواقع، لا تتضمن دلالة مطلقة بل تتحقق دلالتها في السياق الذي ترد فيه، وترتبط دلالة الجملة بدلالة مفرداتها)، "الدلالة الجدلية المعطيات والسياق، رمضان حسانين جاد المولى".
فالنص (هيبتان) نصاً توليدياً، ولد من رحم الجسد الأنثوي، يكتنز في بواطنه الدلالات والإيحاءات الشعرية، وكثافة التشبيهات، التي تمظهرت كقيمة جمالية وفنية ودلالية مهمة في تشكيل الصورة الشعرية والحسية التي تفيض أنوثةً، وجمالاً في الوصف، تدور في فلك الجسد الأنثوي. فالنص يمتلك طاقة شعرية ولغة شفافة، وتقنية فنية أسهمت في صياغة الإيقاع التصويري، صياغة متميزة، وكأن الشاعر يرسم تفاصيل النص بإحساس غريزي متقد بالشهوة.
_______________________________
* الليبيدو libido هو الدافع الجنسي أو الرغبة الجنسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق