تناءى الذي بيننا من مَدًى وفراقْ
ومن سنواتٍ عجافٍ ذوت وتوارتْ
بعيدًا وراء التُخومِ
وأرخى عليها وُجوم
وما أعقبتها سوى زفراتِ اختناق
فما كان عُمرًا، ولا كان حُلمًا
ولم يَكُ أكثرمن وَمضةٍ وخَبَتْ
لم تُعَقِّب سوى غُصةٍ
آهةٍ، حُرقةٍ، واشتياقْ
أبي
كم وددتُ لو أنك تطلعُ يومًا
تَحُط ُّبلا موعدٍ
وتجيءُ مع الفجرِ
تَدهمُ رأس الزقاقْ
أراك ولو مرةً
لأقول الذي لم أقلهُ
ولو آخر العهد بي
إذ يضيقُ الفؤادُ
ويعجزُ هذا اللسانُ الكسيحُ عن الانطلاقْ
وأعلم أنك يا والدي كنتَ مُنتظرًا
صابرًا صامتًا
جمرةً تتآكلُ من لهفةٍ واحتراقْ
وجئتك لكنني ما استطعتُ دِراكًا
وجدتكَ سافرتَ دون وداع
كدأبكَ دومًا
وكي لاتُثيرَ المواجعَ
لكن بي وجعًا كنتُ خبأتهُ
وبي ألمٌ مضَّني طول عمري
ولكنني ما شكوتُ
وجئتكَ من آخرِ الأرضِ
من أولِ العُمرِ
من آخرِالعُمرِ
بي رغبةٌ أن أبوحَ
وأنكأَ كل الجروحْ المُدماةِ
أقسمُ: ما كنت يومًا كما خِلتني
قاسيًا أو عنيدا
وما كنتُ جلفا وما كنتُ عاقْ
ولكنها اللحظاتُ القصارُ
هو العُمرُ ليس سوى لحظاتٍ قِصارٍ
يُساء بها الفهمُ
تُكسرَ فيها المرايا
وتغدو الأماني سرابْ
وأرضًا يَبابْ
وددتكَ يا والدي لو تجيءُ
ولو مرةً لتُنوِّرَ مصباح بيتي الجديدْ
الذي لم تَرَهْ
فتغرسَ زيتونةً في الفناءِ
تقابلها تينةٌ عن يمينْ
وبينهما كرمةٌ تتسلقُ
تزدانُ في أعين الناظرين
كما كنت تصنع في كل كرمٍ
وفي كل أرضٍ وفي كل حين
ويا والدي إن تلك الكروم
التي قد رعيت شجيراتها
لا تزالُ تَخِبُّ مُصَعِّدةً
تتشبثُ في جانب السفحِ
أو تتعلق مقرورةً حول عُنقِ الجبلْ
عنادلُها تَسحرُ السامعينَ
وفَوحُ شَذاها بطعمِ القُبَلْ
وغايتُها أن تطالَ النجومَ
عُلُوُّا فتنسجُ خيطَ الأملْ
وأحسبها لو تُنادي عليها
العشيةّ تَلوي بأعناقِها وتَفِزُّ
قد ادَّكَرتْ غارِسيها
وحنَّتْ لجيرتِها وذويها
وجاءتك حَبوًا لتحضنها
حَضن أمٍ بنيها
وفاضَتْ دمًا لا نبيذْ
وأصبح مُرًا جَناها اللذيذْ
وطال انتظاري ليومٍ أراكَ
تُمسِّدُ باللمساتِ الحنونةِ رأس حفيديكَ
من يحملُ اسمكَ منهمْ
كما تشتهي
رغم أنك ما قلتها
بَيدَ أنيَّ أدركتها يا أبي
وتَرقي أخاه الذي يَصغُرُهْ
وتحكي لهم يا أبي من بديع الحكايا
فإن الحكايا مرايا
حكايا أبي زيد والزيرأوعنتره
وما زلت منتظرًا أن يجيءَ الذي لا يجيءُ
على غفلةٍ أو أغذُّ خُطايَ إليه
أُكَحِّلُ جفنيَّ بالنورِ إذ أُبصِرَهْ.
20/3/2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق