فجأة وجدته أمامي يراجع مثلي إحدى الدوائر الحكومية. .تعلقت عيناي بعينيه ، تبّسم واتجه نحوي :
- من فضلك...أنت... م....م ...م... ..؟؟؟ ؟؟.. أرحت حيرته قلت :
ـ نعم أنا هو .....وأنت أظنك محمود ..م...م..م... مطر..هه..هه.. أليس كذلك؟؟؟
تعانقنا بقوة أدهشت الحاضرين من المراجعين...كان جليسي على منضدة التلمذة في الإبتدائية حتى السادس .لم أره بعدها بسبب تغيير مسكننا .كنت معجبا كثيرا بخطه الجميل وقدرته الكبيرة في الرسم ...سألته :
- سمعت أنك أنهيت دراستك في كلية الفنون الجميلة ؟؟
- نعم.....
- يا رجل لم أسمع بمعرض لك في الخط او الرسم...لماذا ؟!!
سحب نفسا طويلا وقال:
- بالنسبة لي ذهب الرسم إلى غير رجعة... لكنني بدأت أعلمه لأحد أطفالي...
- لماذا ؟!!
مدّ ذراعيه نحوي بكفوف بلا ستيكية مرعبة ...
- فقدت يديّ إلى نصف الساعد بحادث عبوة ناسفة كنت أعدّها في الطريق للجنود الأمريكان.
- لماذا !!...أنت فنان.... ما شأنك بالعبوات الناسفة والأمريكان ؟؟!!
- اعتقلوني ظلما لمدة عام في احدى مداهماتهم الليلية لمجرد احتجاجي على رعونتهم واستخفافهم بنا. ولا تسالني كيف تعلمت صنع العبوات الناسفة. لأن من يدخل سجن (بوكا) يتعلم كل شيء.
- وماهي وظيفتك الآن ؟
ضحك بمرارة وقال:
- هه...طبعا عاطل عن العمل...... ( ومدّ يديه نحوي كأنه يذكرني بعوقه ).... منحوني راتب رعاية اجتماعية حالي حال العجزة والمرضى لا يغني و لا يسمن...
كان ألمي لحاله عظيما . في صغرنا كنت أحسده لشخصيته الجذابة وقدرته الفائقة في جذب الآخرين فضلا عن موهبته في الرسم والخط...
جلسنا على أريكة بعيدة .... ورحت أسأله عن أحواله الأخرى وعنوان مسكنه لكي أتواصل معه. عرفت منه أن له ولدان في الإبتدائية وزوجه ربة بيت تخيط الملابس للجيران ...
عندما ودّعته ، لم ألتق به إلا مرتين الأولى لأتعرف على عنوانه جيدا ،والثانية لأبشره ليقدّم أوراقه لتعيينه في دائرتنا .....
عندما باشر في وظيفته... اخترت له وظيفة تلائم وضعه الصحي ؛ نسّبته في مكتب الاستعلامات ليضيع بين العديد الموظفين الموجودين في هذا المكتب.
كم كنت أشعر بالسعادة عندما أراه صباح كل يوم ببدلته الأنيقة وابتسامة الرضا والسعادة والإمتنان تعلو تقاسيم وجههه الجميل. وبفضل ما وهب من كارزمية مؤثرة استطاع كسب ود وإعجاب جميع الموظفين الذين تعاطفوا مع حالته ؛ بحيث صار وجوده فقط هو عمله .
لكن......
بعد ستة أشهر، فجأة غاب عن العمل لثلاثة أيام متواصلة .حاولت الإتصال به لم أفلح ....عندما ذهبت لأسأل عنه قيل لي أنه ذهب ضحية انفجار سيارة مفخخة وهو في طريقه للعمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق