منتهى التقدير .
تحية تقدير أيها الشاعر الكبير عبد الجبار الفياض وقد حملتك الأمانة
فاحمل تلك الأمانة ولتمض . .
فالسبيل طويل ..طويل ..
والتضاريس وعرة ..والليل بهيم
والنص الشعري العربي الحديث يستغيث بك ..
فلا تتراجع ....!!
ثمة أعشاب طفيلية لابدّ من إقتلاعها قبل أن تفتك بالمحصول..
أقول قولي هذا ولا أخشى في الحق لومة لائم
ولا أنتظر جزاءً ولا شكوراً
تلك أمانة علمية حملني الله
والقلم مقدس ..وقد أقسم به الرحمن ..!!
_____________
موقف وقصيدة
عندما يتحول الواقع إلى أفعى تمتص الرحيق !!
تصدير :
حتى أنت يا عشتار...!!
ألقوا بك في غياهب الجب
فكان القحط والموت والجدب
لن يلتقطك السيارة
فكل الطرق تؤدي إلى الخراب! !
وقميصك، لن يقف شاهداً ولا برهاناً
فقميصك. ... أحرقه التتار ..!!
نثروا رماده في العيون
سادت الذئاب والضباع
واشتعل الحرف بركاناً
_________عشتار
إلهة الحب والخصب والجمال
عند سكان ما بين النهرين ..
وقد كان للأسطورة الحضور الخصيب في الشعر العربي الحديث
وتوظيف الأسطورة في الشعر العربي الحديث هو موقف ثوري في حد ذاته
لما ترمز إليه الأسطورة في حد ذاتها من دلالات قد ترتبط بالوثنية وتتصادم مع المقولات الدينية
وهو مبحث يتواصل إلى اليوم في النص الشعري الحديث ..
وفي ذلك عدة أبعاد تختزل في النص الأسطوري في ذاته
لما يحتويه من جاذبية وابهار
ولما يكتسبه من قدرة على تفسير العلاقة العميقة بين الإنسان والطبيعة في كل تشكلاتها وحالاتها المختلفة
كما أنها تختزل ثنائية شغلت الإنسان منذ وقوعه على هذا السطح هي ثنائية الخصب والجدب
تلك الثنائية التي تتحكم في ثنائية أخرى أشد ارباكاً للكائن أمام الوجود
هي ثنائية الحياة والموت
وقد وجد الشاعر في الأسطورة مخرجاً لعدة قضايا تنبع من الواقع ..
إذ تصبح هي الملجأ الذي يعبر عن الراهن والمأمول في آن .
ومن هنا تكتسب الأسطورة قداستها وربما حتى مصداقيتها أمام التأريخ الذي يثير أكثر من سؤال وأكثر من شبهة ..!!
وهي وسيلة فنية تساعده على الحفر في أغوار الباطن للتعبير عن جملة من المشاغل الجماعية
فعن طريقها يغوص في الذات ليعبر إلى الجمع
فهو جسر بين الذاتي والموضوعي ..أو الأنية والغيرية...
وهو ما يعطي للقصيدة بناءً يتفاعل مع دلالات الرمز الأسطوري
ففي هذا النص عشتار
توظف أسطورة عشتار كرمز يستدعي عدة رموز أخرى تتشظى داخل بناء النص وتخرج من رحم الرمز الأكبر الذي هو عشتار
من هذه الرموز نذكر
الماء +غيمة ___إحالة على الجانب الخصب من عشتار
الجمال /الخصوبة /الثراء /الحياة
بلد ميت /جسد يضيق بأنوثته /الجفاف /السنابل تموت
هذا التقابل في مستوى المدلولات يكشف عن عمق هذا الرمز الأسطوري الذي وظف لولوج الباطن والربط مع الموجود ..
وهو ما يكشف عن قلق وجودي شاسع يخرج من اللحظة التاريخية الراهنة المثقلة بالجدب والموت والألم والوجع
وهو ما أهل الشاعر إلى التحول إلى القسم الثاني باستحضار صورة الأم ، بما تحيل عليه كذلك من خصوبة وثراء وعطاء . .
إذ تصبح هي الصورة التي تخرج من رحم الرمز الأكبر كذلك وهو عشتار ..
وهنا نؤكد على الربط الفني والدلالي في مستوى جسد القصيدة برمتها
فالمقاطع ليست مسقطة بقدر ما هي متناسقة متفاعلة
كل منها يخرج في انتظام من رحم الذي يسبقه
هذا النظام التوليدي في النص الشعري تحقق عن طريق تقنية الرمز وقدرة فائقة على توظيف ذاك الرمز لا فقط باستغلال تلك الشحنة الدلالية التي يحيل عليها
بل في قدرة الشاعر على تحويل هذا الرمز إلى تقنية فنية تساعد على انتظام النص الشعري داخلياً وخارجياً .
أماه
لست أنا كما أنت
.........
ما بعيني حلم
يرتد فارسا ضحى
يجول بي حقول القمح بعرس حصاد
لا يطفئ السراب شفاه ظمأ
الكل هنا
يترقب شواظ التنور ..
______
تجتمع كل الدوال في معنى البحث عن الامتلاء..الخصب..الارتواء..
وكلها تنهل من المكون الأول الذي أشرنا إليه في القسم الأول
الغيمة والسنابل وكل ما تدفق عنها
وهذا المأمول يكشف حتماً عن الموجود الراهن الذي يتناقض معه ويتصادم كلياً
ثم يخرج الشاعر إلى موضوع آخر
الغربة ..الاغتراب ..التشظي ..التمزق
فقدان كل انتماء ..
يذهب أخي
قد لا يعود
أو يعود رقماً على ورقة دولية
فالغربة سفينة مثقوبة
هذا التشكل للواقعي الممزوج بالأسطوري...
تسقط كل القيم وتموت كل المشاعر وتغتال كل الأحلام . .
ورغم كل ذلك ..
رضينا أن نعيش بنصف
لولا أن رصاصة صامتة
أسكتت النصف الآخر . . .
إذن يبدو الواقع وقد صمم على اغتيال كل ما هو جميل ..
وتلك هي المأساة عندما يتحول هذا الواقع أفعى تمتص الرحيق
عندها تكون النهايات مأساوية /درامية
فالنهايات
دوما يكتبها التعساء بخط أحمر ............!!
نصوص عبد الجبار الفياض تُقرأ تصاعديا...
فهذا الخط الأحمر يختزل كل المأساة. ...!!
وهذا مبحث آخر يستدعي التوقف والتأمل والتدقيق
ويستدعي أن نمشي فوق هذا الخط الأحمر بكل حذر ..
عندها على القلم أن يترجل
وأن يرسم معالم خطواته جيداً
فكم هو مؤلم أن نمشي على الجمر !!
وكم هو صعب أن نستنطق هذا اللون الأحمر !
وكم ..وكم ..وكم هو مؤلم أن نصغي لأنين التعساء وقد تسربل بهذا الأحمر. ..!!
نصوص عبد الجبار الفياض يجب أن تعرض كنموذج لترميم الفوضى الحاصلة في الساحة الثقافية العربية في ما يسمى بقصيدة النثر
والقبض على تلك "العربدة" باسم هذا المصطلح
والحد من تلك السذاجة والشطحات البلهوانية والغباء المعرفي. .والكثير من الكوارث الأخرى التي أصبحت تمارس باسم هذا المصطلح الذي بات يمثل شبهة في تاريخ الشعر العربي
وعلى النقاد الأكاديميين المهتمين بشأن القصيدة العربيةتوحيد الجهود لمراجعة هذا المصطلح وضبط الحدود وتقنين الظاهرة .....
ومقاومة هذه الأعشاب الطفيلية التي تسيء للحقل الثقافي العربي الخصيب وقد تفسد المحصول
بمعية من يصفق لها زوراً وبهتاناً خاصة في هذا الفضاء الذي يشكو الكثير من التجاوزات والترهلات في عقول البعض ونفوسهم
في غياب تحديد المسؤوليات وتحمل المسؤولية والأمانة العلمية بكل أمانة. ..
يمر أمامك أحياناً "شبه نص" يثير الشفقة ويردف بألقاب رنانة ..
لا علاقة له بالشعر ولا بأي جنس آخر . .
اللغة باهتة وهزيلة..
تعوي من شدة ما مورس عليها من استبداد والفكرة مبتذلة جداً .. جداً
والموضوع ركيك..ساذج..ووو
وتردف بتعليقات منتفخة تثير الشفقة ...
وما خفي كان أعظم . .
وما تحدث عنه البعض في صفحاتهم عن ما يحدث في الساحة الثقافية العربية ..يشعل العقل شيباً..!!
ما هكذا يكون التشجيع !!
ما هكذا يكون الشعر !!
ما هكذا يكون ....!!
وكل عمل ينخرط في هذا التوجه هو عمل إجرامي في حق اللغة والشعر والأدب عموماً
ونطالب بضبط قوانين تجرّم مثل هذا السلوك ..
نعم نحن مع حق ممارسة فعل الكتابة للتعلم والتصويب ...
لكن التشجيع على الخطأ يجعل منه ظاهرة صحيحة .
وهذا يساهم في الإساءة إلى حضارة ثرية زاخرة بالنظريات والعلماء الذين قدموا للإنسانية بلا حدود ....
القليل من الحياء الأدبي والثقافي قد يعالج المسألة
والوقوف أمام مرآة الذات ومحاسبتها بضمير قد يرسم معالم الطريق الصحيح .
أما الوقوف أمام تلك التجارب الضخمة في التراث العربي في وقار وذهول والتوغل في عوالمهم فهو الشفاء العاجل. ...
لكن هيهااااات. .
فالبعض لا يتقن صياغة جملة بسيطة ....
لكن يركب الموج الأزرق
ولحظة السقوط ستكون شديدة. .!!
الناقدة والأستاذة الباحثة سامية البحري /تونس
* عشتار*
ربَما
أنَّ للماءِ خائنةَ عينٍ لم تأمنْ . . .
اغتسلي
عشتارُ
من غيرِ سَقَف
برذاذِ غيمةٍ
تمرّدتْ على قافلةِ ريحٍ
تسوقُها لبلدٍ ميّت
فألقتْ حملَها على جسدٍ
يضيقُ بأنوثتِه . . .
ألبسي شفيفَ خصبٍ أخضرَ برائحةِ شتلاتِ العنبر . . .
اتركي البابَ مفتوحاً
لعلَّ ديموزي
يعودُ بعدَ وعثاءِ سفر . . .
فالجفافُ
يوشكُ أنْ يُحيطَ بحرثِه . . .
اقتربي بلا أدنى مسافة
لحظةٌ
لنْ تتكرّر . . .
البَذارَ البَذارَ
السّنابلُ المتدليةُ طوعاً
تموتُ
لتُحيي ما أفل !
. . . . .
أُمّاه
شتّان
لستُ أنا كما أنتِ . . .
أصبغُ شفتيَ بجوريٍّ ميّتٍ
من خوابي عطّارٍ عبثاً
يُصلحُ ما فَسَد . . .
ما بعيني حلمٌ
يرتدُّ فارساً ضحى
يجولُ بي حقولَ القمحِ بعُرسِ حصاد . . .
لا يُطفئُ السّرابُ شفاهَ ظمأً . . .
الكُلُّ هنا
يترقّبُ شُواظَ التّنور
بذورَ الكِتّانِ
غُبارَ الطّلع . . .
يُغادرُ محطّاتِه الزّمن
لكنّهُ غيرُ قادرٍ على مسحِ أثرَ قدميه . . .
بعيداً
يذهبُ أخي
قد لا يعود
أو يعودُ رقماً على ورقةٍ دوليّة . . .
فالغربةُ سفينةٌ مثقوبة . . .
. . . . .
أُمّاه
ورائي
تركتُ كُلَّ ما كانَ لأُنثى
خيوطُ الصِبا
تمنّعتْ أنْ تكونَ كُرةً في فُسحةِ لهو . . .
أُريدُ أنْ أعشقَ كما أنتِ عشقت . . .
وقتاً
أبدّدُهُ أمامَ شظيّةِ مرآة . . .
تشرئبُّ حلمتايَ لطيفِ حبيب . . .
أُسمعُ ضفائري ما سأقولُ لهُ غداً . . .
لكنَّ حبيبي
وَهبَ نصفَهُ لقداسةِ ثراه
ولو أكلَ الطّيرُ من فوقِ رأسِهِ أرغفةَ خبزِه . . .
رضينا أنْ نعيشَ بنصفٍ
لولا أنَّ رصاصةً صامتةً
أسكتتْ النّصفَ الآخر !
. . . . .
أمّاه
قولي لأبي
أليسَ عندَهُ بعدُ من قوةٍ
ليسحبَ يومَنا هذا لأيّامٍ أُخَر ؟
أيْ
ديموزي
لا مُمسكَ لجمرٍ تحتَ رمادٍ
إنْ لامستْهُ ريحٌ غضوب . . .
كُلُّ شيءٍ لِما في جذورِ الطين
داءٌ بداء . . .
أيستحيلُ نومُكَ كهفاً
لا تزورُهُ من الشّمسِ خيوط ؟
ابتلعَ اللّيلُ الطّويلُ أطرافَ النّهار . . .
على مقابضِ الأبوابِ
تيبّست بصماتُ موتى صبرٍ جميل
تركوا نورَ عيونِهم
ليُبصرَ بعدَهم نهايةَ الطّريق؟!
النّهاياتُ
دوماً يكتبُها التّعساءُ بخطٍ أحمر . . .
. . . . .
1 /مايس/ 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق