(لا شيء في حقيبتي سوى الوطن )
بهذا الإهداء يبدأ مهند صلاح مجموعته الشعرية الثانية ( مريم لغة الحشد المقدس) وهي المنجز الشعري الثاني بعد مجموعته ( قوانين تشبه الصمت ) .
مهند صلاح شاعر ومقاتل وهذا ما يضفي على نصوصه رؤية التماس المباشر مع واقع الحرب ضد القوى الظلامية التي تفتك بكل ما هو إنساني وجميل وتحاول ان تستنبط من الأفكار المشوهة ما يضفي على وجودها شرعنة تستدر عواطف السذج والجهلاء للإلتفاف على تعاليم السماء السمحاء التي تؤمن بالمواطنة والتعايش بين الأديان وضمان حياة الإنسان معززا ً مكرما ً ، ولهذا فلا غرابة أن تبدأ قوى الظلام بعد أن تمكنت في بعض أرجاء الوطن ، من بث سمومها وحقدها على مكونات وأقليات دينية عاشت على هذه الأرض منذ أقدم الأزمان بكل سلام وحرية في المعتقد والحياة الاجتماعية.
إتخذ مهند صلاح من اسم ( مريم) دلالة رمزية لمكون عراقي أصيل تجذر على هذه الأرض وأسهم بكل ما يملك من إمكانات ثقافية وحضارية جنبا ً الى جنب مع باقي من عاش على هذه الرقعة التي محط انظار العالم ماضيا ً وحاضرا ً ، ليكون اسم مريم مركز الدائرة في كل نص شعري من نصوصه الأربعة عشر التي امتازت بشفافية العبارة والسلاسة الواضحة التي اعطتها ميزة التواصل مع قارئها دون الوقوع في مطبات التجريد والغموض.
عذرا ً مريم
فربهم الشيطان
وصلاتهم الدم
وغبار ايامهم مارد من نار .
وعلى وقع مواويل الحب والاعتذار ورسم الأمنية النقية يناجي مريم :
لا تحزني صغيرتي
هذا العيد
سنصنع لكم من العراق كنيسة
ومن الجنوب شجرة
ومن الوسط مغارة للمسيح
سنقرع الأجراس وننشر السلام.
وعلى امتداد نصوصه كرس الشاعر جل اهتمامه لعرض مواطن الضوء في في حقيقة الحياة العراقية الزاخرة بألوان المحبة والتي تقف دوما ً بوجه كل ما هو مظلم ، فتأتيك عباراته طيعة لتنشر ضوؤها بهدوء يتناغم مع سجية النفس التي تأبى الانصياع للفكرة المظلمة ففي نص ( رسالة من علي بن ابي طالب لعيسى المسيح يقول :
هُز َ إليك بجذع الحرب
تتساقط من حولك
قمحا ً سرمديا
وأنت تجمعنا كاليتامى
من سرادق الموت
وتربت على فوهات قلوبنا برفق
فحجرك يا سيدي
جنان سكينة
من توسدها فهو آمن.
وفي نص تراتيل اسرافيل :
أشتهي طفولة ً بلا حروب
طفولة لا أكون فيها أنا.
أما الموقف من الحرب فيأخذ امتدادات تتواشج مع هاجسه الإبداعي :
الحرب
رسمت على قلبي
خارطة الطريق نحو النهاية
لذا سأتركني بينكم
حروفا ً تتناسل بخصب الحياة
فلا أحد منا يتوارث البقاء.
أو كما يقول :
في جعبتي
قلب رشاش
ومخزن محشو بالأصابع .
وفي التقاطة لواقع يتمناه الشاعر يقول :
سأبني مخبزا ً بحجم قلبي
لأطعم كل من أحبهم
خبز الحياة.
وفي كشفه لواقع الزيف السياسي والاجتماعي الذي نعيشه والاقنعة التي استشرت والتي أصبحت مجال تكسب بهموم البسطاء وأحلامهم بحيث اصبح هذا الزيف هو البديل عن الواقع الحقيقي لا يرى الشاعر نفسه إلا منبوذا ً لأن المعادلة قد تغير اتجاهها فأصبح الزيف والاقنعة هو الصواب بينما النقاء هو المنبوذ :
في الشارع
كان الجميع يحمل على وجهه
قناع القداسة
لذلك كنت المنبوذ بينهم.
ورغم الهم العام الذي يسكن النصوص - كما أسلفنا -
إلا انها احتوت على لمسات جمالية تتغنى بواقع الحياة بكل ما تحمل من خصب وعطاء فكانت المرأة التي هي رمز العطاء والكائن المانح للحياة الذي تلاحقه انفاس الشاعر بومضات غاية في الروعة :
- المرأة
تعويذة حب سومرية.
-المرأة
شجرة أحلامنا المعلنة .
-المرأة
نص جريء
بحاجة لقارئ جيد.
وبتعبير عن الشجن المستمر الذي يحاصر الحياة اليومية يقول :
الدموع
هي الأخرى ضحايا
لأنها تتساقط.
وبعد فأنني لا أقول أنني قد أحطت بكل تفاصيل هذه المجموعة قراءة ً وتعليقا ً ، إلا إنني قد استمتعت حقا ً وأنا أقرأها ، وحاولت أن أقف على محطات رئيسة حاولت المجموعة أن تغطيها لما لها من بساطة من العبارة وعمق في الفكرة وأتمنى لكاتبها الشاعر مهند صلاح التوفيق ودوام العطاء.
---------------------
2016/6/25
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق