في زمن الموت ..
في وطن الموت ..
في مدينة الموت ..
في كينونة الموت ..
حيث أعيش ..
في كل يوم .. وعند كل فرصة تتاح لي .. أخلو إلى كآبتي .. أنصب للعزاء خيمة .. وأجلس فيها .. في عمقها .. في غيبوبة الظلام والسكون والصمت .. أعزي نفسي .. بموتي وموت كل الألوان من حولي ..
أتجاذب أطراف الحديث مع روحي المريضة .. ألومها .. أعنفها .. فتبكي وتئن .. ثم أداريها كما تداري الأم طفلتها الباكية .. أخادعها بكلمات كاذبة أو صادقة .. لتهدأ وتسكن .. وأعيد الكرة .. مرات ومرات ..
لماذا يغرينا الحديث عن أنفسنا؟ هل هو الغرور؟ التشبث بالذات؟ المبالغة في تقدير اهتمام الآخرين بنا؟ أم لجذب هذا الاهتمام؟ أم لأن كلاً منا هو “نموذج”؟ فنحن إذاً لا نتحدث عن ذواتنا .. نتحدث عن حالة .. عن إطار يسكن فيه الآلاف وربما الملايين .. لا يهم !
أما أنا .. فقد سئمت!
سئمت كل شيء ..
سئمت “اللاجدوى” التي أدور وأدور فيها منذ سنوات ..
لأعود في كل مرة إلى نقطة العدم .. بل وربما ما دون العدم !
سئمت تلقي الطعنات .. لم يعد في ظهري مكان للمزيد ..
سئمت مرافقة الآخرين لي في الطريق الإجباري .. وتركهم لي أو تركي لهم دوماً عند أول منعطف ..
سئمت الجري وراء المستحيل … وترك الممكن !
سئمت من رفض المرفوض أصلاً ..
سئمت من المحاولات البائسة .. من طرق الأبواب المقفلة ..
سئمت ترددي وحيرتي ..
سئمت طول الشرود والأرق والكوابيس …
سئمت ارتجافي ..
سئمت من اختلاق الأعذار لتجنيب المخذولين مرارة الخذلان دون جدوى ..
سئمت من شرح نفسي للآخرين ..
سئمت احتجاب معناي عن الناظرين .. لست لغزاً .. ولست قفلاً صدئاً .. ولكنهم لا يقرؤون جيداً !
سئمت طرق أبواب المجهول .. وانتظار الصدف السعيدة ..
تعلمت أن المجهول لا يأتي بفرح .. على الأغلب
وأن الانتظار لا يخفي وراءه إلا الخيبة .. على الأغلب
وأن الأقدار لا تحابي الكسالى والمتأملين .. دوماً
ماذا لو .. عرضت لك الحياة منحة .. هدية .. قطعة من سعادة ..
وقالت لك : خذ !
ولكنك تنظر قليلاً .. وتتساءل ..
هل أستحقها؟ هل أنا مستعد للقبض على هذه السعادة؟
هل لديّ ما يكفي من القوة والإصرار لأحتفظ بها؟ لأصونها وأحميها وأدافع عنها بدمي؟
هل لديّ من الاتزان ما يكفي لأحسن الاستفادة منها؟
ثم تقع في حيرة قاتلة ..
هل أغمض عينيّ عن منحة القدر .. وأقبض يدي في جيبي .. وأدعها تمرّ إلى غيري كأن شيئاً لم يكن ..
أم أغامر .. وأقبلها .. وأضمّها إلى كياني .. مخاطراً باحتمالات إفسادها والعيش إلى نهاية الدهر في ألم الندم والحسرة وتأنيب الضمير !
هل تفهمون ما أقول؟
أم أني نغمة يتيمة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق