أصفر لون الذاكرة، فانتابتني رغبة عارمة في الليل الطويل، أن أدخن ذاكرتي، وأحرق القصاصات المبعثرة:
- فهل لك رغبة لتلبية دعوتي وتحرق معي تلك القصاصات؟.
تعال وشاهد معي من خلال خيط الدخان صور الأيام. هكذا وجدت نفسي أتكلم معك بدون أن أعرفك وتعرفني، ولكن ستعرف عندما تجلس وتقلب ذاكرتي مدى الثقل والألم الذي حملته حتى جاءت اللحظة وأتحدث معك .
- ستسـألني عن ذاكرتي وتقول أنها لا تحمل سوى لغة الحرب والقتل والدمار.
- نعم ذاكرتي تصف الحرب بسهولة وذلك لأنها عاشت معها حتى لحظات الحب كانت في زمن الحرب.
- والسلام؟
- كيف تحفظ الذاكرة السلام أو تصفه وهي لم تعش يوماً واحد بسلام، فلا يمكن أن أصف لك السلام. ولكن سأصف لك السلام والحياة الحب من ساعة انتظار نموذج الإجازة الذي يعتبر في ذلك الزمن ولادة حياة جديد أو العودة إليها من مقابر الموت.
- أجلس وأحرق معي قصاصة الليل الذي غاب عنه النوم ولكن حضرت البهجة. الحديث يخرج من الخنادق هذه المرة عن الحياة وتغيب لغة الحرب، ففي صباح الغد نلبس ثوب الحياة وننزع ثوب الموت. أنه النزول في أجازه بعد واحد عشرين يوماً في الجبهة، لن أكلمك عما جرى هنا في السواتر والخنادق فقط سأتكلم معك عن معنى الانتظار لتلك الورقة ..
الدقائق تنبت أظافرها في ذاكرة العقل وتطرح الجسد لهواجس وارتياب وخوف من الغاء الإجازات.. غالباً ما كانت تلغى الإجازات أو يتم تأجيلها بسبب الإنذار أو الهجوم على أحدى القطعات ليتأجل السلام أياماً وشهوراً. أستلام النموذج هو السلام الحقيقي الذي عرفته واستنشقت دخانه بعمق حتى يصل أقصى مكان في صدري ليتفاعل مع السائل ويصل عقلي.
ما أن أصل البيت حتى تخرج أمي مسرعة نحوي وتضمني إلى احضانها وهي تبكي وكلماتها المبلولة بالدموع تسألني: ( يمه شلونك).
- آه ... ما أعمق تلك الكلمة الممزوجة بالدموع والفرح الممتدة من عمق الأرض :أنا أقول لك " أنها الحب الحقيقي و السلام والأمان بكل معاني الأصالة الذي أشعر به وأنا أسمعها ". كلمة تنزع تعب واحد وعشرين يوماً من العمل والسهر والخوف، أشعر بالحنان وهي تتحسس بيدها كل انحاء جسدي خوفاً من أني قد جرحت في الجبهة. فهل هناك سلام يوازي السلام وأنت بين أحضان الأم. في الغد سنجلس ونحرق قصاصة أخرى. هل ستأتي أم يصيبك الملل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق