لم يتبق على إفتتاح المعرض. سوى يومين..
تراودني أفكار وتخيلات..، كمبدع حقيقي. أمقت التقليد جذرياً. بحثت. فكرت. تخيلت. تأملت، عصفت بذهني عصفاً. لأبدع فكرة.. أترجمها بريشتي.. فأنا رسام بارع بلا شك، نابغة بلا جدال، أشعر بعبقريتي..، التي جعلتني وحيداً منعزلاً، لا أحد يعترف بي..، لندرة الإبداع الإبتكاري. كدت أصرخ:
ــ ( أريد أن أحقق ذاتي)..
ولأجذبها من لا وعيي. جلست على كرسي، مائلاً للخلف برأسي، أغمضت عيني، أسلمت للخيال ذهني. فقادني لغفوة، تراءت لي فيها.. أشعة الشمس متسللة لمرسمي، تتماوج على بعضها، رسمت إسمي باللغة العربية.. تارة بخط الرقعة، أخرى بالنسخ..، صغته بالإنجليزية والفرنسية ثم الإيطالية والألمانية فالإسبانية.. وغيرها. اختفت هذه التشكيلات، تحولت الأشعة لأمواج شمسية. تطفو عليها عمامة، يصدر منها ضوء ذهبيّ، استقرت على رأسي..
أفقت من غفوتي، اتجهت إلى الشباك، ناديت على أول شخص وقعت عليه عيناي. شيخاً تعدى السبعين منذ قليل.. استجاب لندائي، صعد للمرسم، اتجه لكرسي بجوار لوحة بيضاء. معدة للرسم:
ــ ( تفضل أرسم. حقق ذاتك ).
كانت عبارته. مفاجئة حالمة لذهني..، تساءلت في صمت:
ــ لمَّ اخترت هذا بالذات؟
الشيخ بنظراته:
ــ من قال إنك اخترتني؟ كل هذا في خيالك. أرسم..، انتبه لعمامتي.. فلها معك شأن..
تساءلت :
ــ يا ترى. من أين جاء هذا الرجل؟
الشيخ ما زال في صمته:
ــ دعك من هذه التهيؤات. فأنا لست هنا، لن أكون في اللوحة. أنا بداخلك، سأظل هكذا ما حييت.
قمت بتخطيط وهيكلة اللوحة، رسمت الكرسي، أيضاًً العمامة، تجاهلت الشيخ نفسه. اكتملت الصورة.. ( الكرسي والعمامة فقط ). كأن شبحاً يرتديها. يصدر منها ضوءٌ. لم أقصد إظهاره، العمامة بهذا الضوء. تريد أن تقول شيئاً.. الكرسي يشعر بحضوره.. كأنه يفرض نفسه. هذا أيضاً. لم أقصده في وعيي، لكنها أشياء فرضت نفسها..، كيفما اتفق. لاوعي الفنان بداخلي. أوحى بها لريشتي، من خلالها.. أثبت ذاتي، أبدعتها في غفلة من وعيي، انتهيت من إبداعي. استراحت سريرتي، اطمئن قلبي. هدأ عقلي، أسرعت لصالة العرض، سلمتها..
في اليوم التالي. ذهبت لأستكشف الأعمال المشاركة، لم أرَ أي عمل سوى رائعتي، ذوو الشأن أمام معجزتي. متأملين لأسطورتي..
من لحظتها. أعيش فى الضوء الأبيض بكافة مكوناته..
انتهت ،،
مصر أسيوط ديروط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق