- " كفاك حزنا يا ولدي ... ولا تعذبني أرجوك ..." بهذه النصيحة استمر الأب بكلامه منفعلاً" بعد أن أضرب الأبن عن الطعام وبات الأب بحالة لايحسد عليها، فقد يموت ابنه بأية لحظة أمامه وهو يتضور جوعاً.. هيا... (كل فقد أحضرت لك أحسن أنواع الشعير. هل أزعجك أحد.. أخبرني ما بك؟)
- انهم البشر يا أبي. كلما قام أحدُهم بفعل مشين يقولون له يا حمار وكلما قام أحد أبنائهم برذيلة يقولون له يا حمار ويصفون أغبياءهم بالحمير ونحن لسنا كذلك يا أبي. أتذكر يا أبي عندما مات أخي نتيجة الضرب المبرح وتحت أشعة الشمس، وعلى امتداد الطريق بين البيت والمدرسة؟
- طبعا فقد تزايدت الغيابات على "محيسن" وفصل من المدرسة لانه لم يستطع معرفة الطرق المتعرجة بين البساتين وعبر الأنهار للذهاب الى مدرسته رغم أن أخيك المرحوم نقله لأكثر من سنه ..انه طالب غبي وقاسي القلب وكم عانيت يا ولدي منه في حر الصيف وبرد الشتاء عندما ينهال علي ضرباً، لكنني لم أستطع تحمله وعصاه تنهال على ظهرك بكل قسوة. كيف يُضرب الأبن أمام أبيه والأب أمام عائلته؟
- نعمل ليلاَ ونهاراَ ولنا مشاعر يتجاهلونها يا أبي. وهنا حرك الأب أذنيه يمنة ويسرة قائلاَ (أنظر يا بني انهم معشر البشر فضًلهم الله على سائر المخلوقات لكنهم أساؤا لأنفسهم. هل رأيت حمارا يسرق مال أخيه أو يعذب حمارا اخر لانه أضعف منه أو لا يعجبه؟ هل رأيت حمارا عنصريا؟ ) هل رأيت حماراً يهرب الأموال وخيرات بلاده الى الخارج؟ هل رأيت حماراً يهرب النفط ويساوم في البرلمان ؟ هل رأيت حماراً يستورد الأكل آلفاسد؟ هل رأيت حماراً يصرف الملايين لعقد الأجتماعات التي يسمونها مؤتمرات القمة؟ وهل رأيت حماراً يوافق على تجويع الاخرين؟ يا بني.. (نحن الحمير لا نكذب ولا نقتل ولا نسرق ولا نغتاب ولا نشتم) واعلم جيدا يا صغيري أننا لن نذبح ونسفك الدماء ولا (نرقص فرحا وبيننا جريح وقتيل..) واعلم إننا معشر آلحمير لم يكن بيننا عميلاً لدولة أجنبية يتآمر ضد حمير بلاده ويستميت من أجل تقسيم وطنه الذي عاش به هو وأجداده؟ وهنا هز الأبن رأسه وقال الان فهمت يا أبي.. سآكل الشعير وأبقى (كما عهدتني وأفتخر أنني حمار ابن حمار.)
وهكذا وجدت نفسي أعيد قراءة قصة الأديب "أحمد مطر" حيث راحت كلماتُهُ تتداخل مع كلماتي وربما يعلم أنني أحب الحمير رغم أنني لم أنتم لحد الان لحزبهم فقد قال لي قبل أيام صديق قديم وهو الان عالم فيزيائي وفلكي يعمل مع شركة Google بأنه حاول الأنظمام لحزب الحمير، لكنه فشل في امتحان آلجمعية واتهموه بالخداع وإن شهادته مزيفة ولم يعترفوا بشهادة صحة صدورها.
- وماذا سألوك؟ قلت له.
- لن تصدق، أجاب باستغراب. رجعوا لأيام طفولتي فكان أصعب سؤال في حياتي؟ طلبوا مني وصف الطريق الذي سلكه الحمار حاملاَ الطابوق والجص من السكلة الى بيت جارنا، عبر الأزقة الضيقة فأجبت بصورة مشوشة ومبهمة ، وقد شعرت بالإحراج لعدم تذكري أيَّ شيء، بينما يتذكر الحمار الطريق عند مجيئه محملاً ورجوعه فارغاً لوحده حيث ينقل أدوات البناء دون الحاجة لمن يقوده. يا الهي، أيعقل أن تكون ذاكرة الحمار أقوى من ذاكرتي؟ وإن أصروا على عدم قبولي فأنني لن اتنازل عن مشروعي الجديد في الانتخابات القادمة وهو أن يلبس الحمار بدلة وربطة عنق جميلة ويشترك في الأنتخابات.
- لن أوافق . قلت ذلك وسكتُّ.
- ولماذا؟ تساءل الصديق باستغراب
- لأنه سيضطر للتعامل مع دولة أجنبية تموله وتفتح له محطة تلفزيون وأذاعة وأن يصرف على بعض الصحفيين اذا دعت الضرورة ويوزع أراضٍ بسندات وهمية أو بطانيات ومواد غذائية. ودعني أقولها وبكل ثقة . أذا تنازل الحمار عن حماريته فعلى الدنيا السلام..
- كن متفائلا. قال الصديق . نُزَينُ الشوارعَ بشعاراتِنا ونصْرَخُ بأعلى أصواتنا. إنتخبوا حمار الداخل. لا يأكل غير قشور الرقي ، وأحياناً ألشعير بالأعياد والمناسبات الوطنية فقط. وسأحاول منع ضرب الحمير وأفرض غرامات ثقيلة على المتجاوزين.. وعلينا أن لا نيأس بأي تغيير قادم. لقد بقي الحمار وفياً. أجل... لن يسيل لعاب الحمار لملايين الدولارات أو للشقق الفارهه في الخارج... ألأيام بيننا وسترى حقيقة كلامي..
- أراك تخطط لاستغلال صبر وطيبة غيرك وامتصاص قدراتهم والوصول لأطماع دفينة في أعماقك..
- أنا .. أنا مستحيل.
- لن أصدقك. قلت له باصرار..
- ولماذا ؟
هكذا الأمور وكما أرى؟ فأنا مُصرٌ على رأيي بأنك مخادعٌ وسَتفْتك بك حيوانات المزرعة يوما عندما تسقط الشعارات وتتوضح الحقيقة..
لا عليك يا صديقي.. بيني وبينك الأيام.
- وسنرى من يفوز في القيادة.. الخير أم الشر؟ الأشرار اللصوص المخادعون ألذين أفقرونا عندما كان سعر برميل آلنفط عالياً أم هؤلاء الذين استرخصوا دماءهم؟
- لا تقلق.. سنوفر الخبز للجياع فاطمئن.
- وهل بالخبز و حده يحيا الأنسان؟
- بالطبع لا.. وبالشعير أيضا..
- لابأس. سنكون بالتأكيد بحاجة ماسة إليه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق