جافة سوداء هي الامطار .. إنها تصبغ الشجر والبيوت وكل الاسفلت بهذا اللون القاتم ، لاتزال الإطارات مشتعلة على طول الطرق تكتب فيي السماء قصة عنيفة .. إنتابني إحساس من ان بلدي بعيد جدا ًعن الخرائط والجغرافيا .. بل المدنية والتحضر بشكل عام .
التقيت شابا ًحصل عى رصاصة طائشة ذات مرة في صدره في أحد شوارع الوطن ، مملوءة عيناه بغياب ابدي .. وسألته بعد ان صبغت ذراعي بلون علم البلاد قائلا :
— أسيادكم .. الرجال الذين تكنون لهم الأحترام في أي شارع هم ..؟؟؟
بنفس الضياع ضاع الشاب ، إنصرف ليس إلا ..
قررت أن أستطلع الأمر بنفسي ، عبرت ميادين ذاع صيتها .. هناك تدنو الجسور بأسفلته المحفور إثر الحرائق غير المنصفة .. وحوافه المتصدعة السوداء .. وهناك هي الاماكن التي تختلط فيها الأسرار .. والأسلاك الكهربائية المتدلية نتيجة تعرضها للحرارة والعبث ، أسلاك هي الاخرى تدندن مع الرياح التي لايمسكها بناء او شجر .. أعبر المساحات والمربعات العشوائية ، قلت مع نفسي :
— متى يتم اصلاح كل هذا التدمير .. والى متى الضياع ..؟؟؟
احيانا الألم يبقيني دافئا ًلأجوب بعضا من شوارع وطني الملتهبة .. والتعرف على أماكن الجحيم وما تحته .
الإنسان هنا بكل صراحة لا يتذكر صورته .. لانه بكل بساطة محملا بالأوهام والاوبئة والحسرة .. وأحلام تعود للشيطان نفسه ، انسان وقد انطفأت في محجريه جذوات النجوم .. فتسألت :
— كيف للحب أن يزدهر وسط هذا الألم ؟؟
سمعني احد المارة فرد علي :
— (( عفوا كانت مسبة )) .. !!
بدأت أفهم بالتدريج سبب كل هذا الخراب والتدمير الممنهج والمتبادل ، واقتنعت أخيراً بأن ثمة مسوخا عنيفة .. تتقاتل على أرصفة الموانئ .. وثغور الحدود .. و... و...
أصبح التواجد هنا صعب الأحتمال والمغادرة أصعب وانت ترى السعادة والأمان تائهتان خارج حدود جسدي .. وقررت الرجوع الى اللاشئ .. والنوم العميق صار املاً .. وهاهي ارواح العباد تتوه بحق في مهب ريح عاتية مجنونة ..
أما روحي فهاهي تلتقط حبري الأسود من صفحات الشوارع لتنشل حكاية ما خجولة من نفسها .. وقصة لاتنتهي من الهمجية حيث لم يبق شيئا ًواقفا ًفي هذا الوطن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق