ما أبهاكَ رسولاً للسَّلامِ !
حين خرجتُ إلى مدرستي النائيةِ لأزرعَ النُّورَ في عقولِ الناشئةِ ،كنتَ مثلي تخيطُ بمهارةٍ للأرضِ ثوباً أبيضَ ناصعاً ،توشِّيهِ بحباتِ البرتقالِ الناضجةِ ،و تعطرهُ برائحةِ الصنوبرِ و الياسمين، وهي تهلِّلُ فرحاً بينابيعها الرقراقة ، وترسلُ شلالاتِ جداولها لريِّ الزروعِ العطشى الممتدةِ لأقاليمَ بعيدةٍ ، بينما حقولها الخصبةُ تضْفرُ شعركَ الطويلَ بشرائطَ خضراءَ و بنفسجيةٍ على أطرافِ الوادي الحبيبِ ، فتغري براعمَ الطفولةِ بضمِّ كراتكَ المائيةِ و صنعِ ألعابٍ وتماثيلَ خياليةٍ ترضي بها طموحها الوثابَ وأحلامها الورديةَ
وها أنا أعودُ من عملي الشاقِّ و أنت لم تنتهِ من تصميمِ وشاحٍ بهيٍّ لمليكةِ الطبيعةِ
ياللدهشةِ ! أراكَ قد جهَّزتَ لي عرباتكِ الطافحةَ بالزمردِ والياقوتِ لتقلني إلى منزلي باطمئنانٍ و حبورٍ .
سقاكَ الله الجمالَ - ياثلجَ المحبة - لاتنسَ نشيدي ، انثرْ شعري وريقاتِ حبٍّ، وبذورَ رحمةٍ على المسكونةِ كلِّها
في صدري أمواجُ حبٍّ لاتهدأُ، و أوجاعٌ لأبناءِ وطني عن مقلتيَّ لا تغيبُ ،امزجها مع أمواهكَ النقيةِ ، و انثرها مع حكاياتكِ الليلكيةِ لتصيرَ ترتيلةً مقدسةً في كنائسِ الأرضِ وأبراجِ السماءِ :
كاد الزمهريرُ يصفِّدُ عشبَ ضلوعنا ، و أوشكَ الصقيعُ يصطادُ أسماكَ فكرنا ، جفَّت مراجلُ كرمِنا الأصيلةُ ، اتحدتْ مع رياحٍ خماسينيةٍ لم تعرفها أطالسُ الجغرافيا ولا سمعتْ بها أذنٌ بشريةٌ في عصرِ الاتصالاتِ والإنترنت
يالونَ الرحمةِ ، دقَّ - بأناملِ طفلٍ يرتجفُ برداً، وبصوتِ عجوزٍ بعثرتْ أبناءهُ الحربُ ،وبوجهِ امرأةٍ فقدتْ من يعيلُ أبناءها ، وبعيني أنثى تحلمُ بدفءِ الأمومةِ الضائعةِ منذُ أمدٍ - دقَّ أبوابَ الملوكِ والأمراءِ ، و لاتنسَ أن تطرقَ أبوابَ رؤوسِ أموالِ النفطِ والغازِ بفؤاد أبٍ سرقتْ الحربُ قوتَ أبنائهِ و منزلهم ، عساكَ توقظُ ضمائرَ التجارِ الطامعين بعرق الفلاحين وقوتِ الفقراءِ ، فيعودُ الأبُ لمنزلٍ دافئٍ حاملاً لأبنائهِ حفنةً من زبيبِ الكرامةِ و بضعَ حباتٍ من كستناء الإنسانيةِ اللذيذةِ يحلمُ بها كانونهُ الشتويُّ المتهالكُ من سنينٍ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق