الإنسان سواء كان إنسانا عاديا أم شاعرا أم فنان أم رسام إلى الخ …فانه ينضوي ضمن منظومة اجتماعية …ثقافية… تاريخية…اقتصادية ...دينية…سياسية .الذي بدوره تشمله دائرة العلاقات التي يتم التواصل فيها مع الأخر أي انه يعيش ضمن نسيج من العلامات لان كل شيء يشتغل كعلامة والعلامة في حد ذاتها قد تكون ما هو فظي… حركي …مرئي فعلي .
إذن الإنسان كنظام تتجسد بداخله علامات ويعتبر الصوت من العلامات اللغوية والصوت هو كلّ ما يمكن سماعه وما يمكن إحداثه، و تتنوع مصادره، قد يكون مصدره جماد أو حيوان أو إنسان...الخ .
والصوت لغة "صوّت يصّوت تصويتا :صات صوتا قويّا- به ناداه، صوت الولد بابيه مستغيثا، صوت له أيّده وأعطاه صوت في الانتخابات، صوت الناخبين للمرشحين المشهود لهم بالوطنية "
والصوت هو" اضطراب ماديّ في الهواء يتمثل في قوة أو ضعف سريعين للضغط المتحرك من المصدر في اتجاه الخارج، ثم في ضعف تدريجي ينتهي إلى نقطة الزوال النهائي"،حيث أنّ هذا الصوت يتكوّن من ثلاثة عناصر هامّة لحدوثه وهي جسم يتذبذب ،و محيط ينقله متمثل في عنصر الهواء، وفي الأخير جسم يستقبله وهي الإذن التي يمّر بها وبدورها ترسله للمخ ليحلل ذبذباته وإشاراته.
يعرف الصوت البشري عند "ابن منظور"الصوت على أنّه"صات بصوت و يقال صوّت تصويتا فهو مصوّت إذا صوت بالإنسان فدعاه ,كان العباس رجلا صيّتا أي شديد الصوت وكل ضرب من الغناء هو صوت والجمع أصوات و قوله عزّ و جلّ (و استفزز من استطعت منهم بصوتك ) قيل بأصوات الغناء والمزامير" ، فالصوت البشري يؤدي عديد المعاني وهي من أهّم الوسائل التي بها يعبر عمّا يختلج في النفس البشريّة .
أوّل اكتشاف لصوت كان في العصر الحجري،وهو من الظواهر الطبيعيّة مثل الرعد الأمطار،الريح...الخ،ومن هنا اكتشف الإنسان البدائي معنى الصوت،واكتشاف الصوت كأداة لتواصل كما لدى العصر البدائي،فالطبول في بعض الشعوب علامة على وجود خطرو في بعض الشعوب الأخرى علامة للمجيء، لنأخذ مثال التالي:الرجل حين لا يجد زوجته في البيت يقرع الطبل مناداة لها للحضور.
فقد كشف الصوت عن وجود خطر، كذلك صوت الرعد في علاقته بالشر هو نذير للخطر وذلك بإحداث النار أو احتراق، الصوت يأخذ وظيفة أو يعطي رمزية للخطر
إذن الصوت هو كلّ الأصوات الصادرة عن مظاهر طبيعيّة مختلفة، لهذا سنتحدث عن مفهوم الصوت عند علماء اللغة القدامى –"ابن جني"- كمثال.
اعتبر"أبو الفتح ابن جني"من ابرز علماء اللغة القدامى خلافا عن"سيبويه*والخليل" الذين أبدو اهتماما بالصوت ،لذلك نجده تحدث عن الدلالة الصوتيّة و التي قسمها إلى قسمين:
"الدلالة الصوتيّة الطبيعيّة الذي خصصه للأصوات التي تنتجها أو تصدر عن ظواهر طبيعيّة إضافة إلى الأصوات التي ينتجها الإنسان و الحيوان".
وفي اللغة هو من"الأصوات المسموعات،كدور الريح،وحنين الرعد،وخرير المياه،وشحيج الحمار ونعيق الغراب" ،و لانّ الإنسان منذ بدء الخليقة على الأرض كان يحاكي الأصوات الطبيعيّة لا أكثر و"خاصة وانّ الإنسان بدا بمحاكاة الأصوات الطبيعية أول الأمر ،و عبّر عن تلك الأصوات بمحاكاتها،وهذا ما أدى به إلى التفطن إلى جهازه الصوتي واستفاد منه لترميزه للأشياء و ما تحيل به من إنشاء للمعنى (محاكاة الأصوات الطبيعية ) أي العلاقة القائمة بين ثنائية المادي والمعنى والذي سبقه إليه "سيبويه والخليل" وواصل هو بعدهما .
أمّا القسم الثاني فهو الدلالة الصوتية التحليليّة،ونعني بها الدلالة التي تستوحي من (phonétique)الصوامت ونعني بها الحروف،أم الصوائت فهي الحركات (الفتحة،الضمة،الكسرة) وهي تمثل وحدات صوتيّة .
اهتم"ابن جني" بالصوامت (الحروف) الذي يوضحه "فإما الحرف، فالقول فيه، وفيما كان من لفظه أن "ح.ر.ف"أينما وقعت في الكلام يراد بها جد الشيء وحدته ،من ذلك حرف،إنمّا هو حده وناحيته"، ثم الدلالة الصوتيّة للحركة (الصوائت) ،و قد أراد من خلال اهتمامه بالحرف الذي هو صوت أن يعطي قيمته البيانيّة في اللغة العربية و" كثيرا من هذه اللغة مفاهيا بأجراس عنها "،فهو تحدث عن تركيب الفونيمات دال مثل الحروف والحركات، وغير تركبيّة للصوتيّات الدالة مثل النبر صوتي المتعدد في الاداءات و التنغيم وغيرهما ،حيث الدلالة الصوتية هي التي تستمد من طبيعة أصواتها كالنبر .
حاول"ابن جني"الاهتمام بالدلالة الصوتيّة الطبيعيّة والدلالة الصوتيّة التحليليّة، وهذا كجزء مما تطرق إليه في منهجه .
-نسرين مشراوي-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق