بين ضجيج المسافرين وهدير أمواج البحر، جلس موفّق على متن السفينة وهو يرنو بنظرات وديعة إلى الجميع. خطا ببطء وإيقاعٌ هادئ ينتظم خطواته. لازم هدوءه الداخلي على الرغم من الصخب والأصوات المرتفعة، التي لم تفلح في إخراجه من عالمه الصامت.
"الطعام جاهز،" صاح الرجل المسؤول عن توزيع الطعام. الأكياس المغلقة التي تحوي أصنافاً مختلفة من المأكولات تُقدّم إلى المسافرين بسخاء، لكنّ موفق بقي ينظر بوداعة إلى سيل المتقدمين الجائعين. ربّت أحدهم على كتفه بعد قليل:
"هيّا، تقدّم. ألستَ جائعاً؟"
علتْ شفتي موفق ابتسامة هادئة وهو يفسح الطريق له، غير آبه بقرقعات أحشائه الخاوية. كلٌّ يأكل على طريقته، أما هو فظلّ ينظر إليهم بصمت تارة، وتارة أخرى إلى الأفق الممتد أمامه، مبحراً في عالمه الداخلي وتاركاً الجميع وراءه في حركة رواح ومجيء.
لقد رقّ له الماء وراق، وفي مقدوره رؤية كلّ شيء. إنه مستأنس بهذا العطاء الكوني وما يكتنفه من محبة تجاه كلّ شيء يحيط به: بشر، حيوانات، نباتات، وحتى الأمواج المتناثرة هنا وهناك. عاد إلى ركنه وجلس متأملاً المسافرين من جديد، إلى أن تقدّم نحوه رجل في منتصف العمر:
"مرحباً أيها الأخ."
"أهلاً."
مدّ الرجل يده إلى موفق وناوله كيساً من الطعام، محتفظاً لنفسه بالكيس الآخر.
"سنأكل معاً، ما رأيك؟"
"كما تريد."
أخذا يمضغان الطعام ونظرات مفعمة بالرضى تشدّهما لبعض.
"أصبحنا صديقين منذ الآن، ما رأيك بذلك؟" تنفس الرحل بعمق وأضاف: "سنكون خير صديقين."
"لم الجلوس والجميع في حال من الحركة المستمرة؟" سأل موفق.
"كي نشاطرهم غبطتهم بصمت، إنْ أردت."
ضحك موفق للجملة الأخيرة، وبصمت، ترك المكان وخطا باتجاه الآخرين: "الأجدى أن نكون معهم."
سارا جنباً إلى جنب، ترافقهما نظرات الجموع وهي تلملم الصبر وتحمل الأمل ذاته.
"سنبدع معاً على متن هذه السفينة."
"كيف؟ وهل الإبداع هنا بهذا اليسر؟"
"أجل.. أحتاج إلى قلم وأوراق كثيرة. أريد أن أرسم موجات البحر صفحة السماء، وما بينهما، وأن أشارك المخلوقات البحرية فرحتها بالتآلف والانسجام. الكلّ يعزف على أوتار فائقة الجمال. سيخرج الجميع من صمتهم عمّا قريب ويعزفون لحن الطبيعة الخالد. وبعد حين، سنصل إلى الشاطئ، سنعانق الأرض ونبدأ من جديد مشقّة العيش. لكني سأرافقك، فالطريق معك أصبحت أكثر إشراقاً وأملاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق