أبحث عن موضوع

الجمعة، 17 يناير 2025

"وهج الزيف واحتراق الحرية" ......... بقلم : فاهم المدني // العراق




تحت رماد النار المتوهجة، وقفت "السيدة الحرية" في صمت مرعب، وشعلتها التي كانت رمزًا للأمل والعدالة تحولت إلى لهيب شرس يلتهم السماء. كأنما اشتعلت روح الزمن ذاته، وأخذت تحكي بصوت اللهب تاريخ أمة بدأت بوعود عظيمة ولكنها انجرفت في مسالك مظلمة.
كانت الأرض أسفل التمثال ترتجف، كأنها تشهد محاكمة التاريخ. البشر، الذين جاءوا يومًا ليبحثوا عن الحرية تحت ظلال تلك الشعلة، أصبحوا الآن شهودًا على حريق هائل يعكس نيران قلوبهم وأرواحهم. نيران الخيانة والغضب، نيران الفساد والظلم الذي تغلغل عبر الأزمنة.
في تلك اللحظة، لم تكن النيران مجرد عنصر مدمر؛ بل كانت نداءً صارخًا يعيد للأذهان كيف تحول الوعد الكبير إلى عبء ثقيل. كانت الشعلة ترمز للحرية، لكنها اليوم تتوهج بلهيب الأسئلة: كيف تحولت العدالة إلى وهم؟ وكيف أصبحت الحرية قناعًا يخفي وجوه الطغاة؟
في أعماق اللهب، كانت الحكايات القديمة تظهر كأطياف باهتة. قصص المهاجرين الذين خاطروا بحياتهم ليعبروا المحيطات، باحثين عن حياة جديدة. أولئك الذين حملوا أحلامهم الصغيرة وجاؤوا ليجدوا مأوى تحت جناح التمثال. ولكن، أين هم الآن؟ هل انقلبت أحلامهم إلى كوابيس؟ هل كانت الحرية أكذوبة؟
في مواجهة تلك النيران، لم يستطع أحد النظر مباشرة إليها. كانت النار تحرق الواقع ذاته، تكشف زيف الأوهام التي عاشت أجيال كثيرة تؤمن بها. وكأن التمثال، بصمته المهيب، كان يصرخ: "إلى متى ستتغافلون عن الحقيقة؟"
بين ألسنة اللهب، كان يمكن رؤية شيء آخر—مشهد للبعث والانبعاث. كأن الحريق، رغم قسوته، كان دعوةً للتغيير. كأنما النيران تريد أن تطهر الأرض من الخطايا، لتعيد بناء ما سقط تحت ركام الأكاذيب. كان الجميع يشعرون أن هذه اللحظة، رغم فداحتها، هي فرصة للتأمل وإعادة النظر.
وفي السماء، كانت ألسنة الدخان تتشابك مع الغيوم، كأنها كتابة ملغزة لا يستطيع أحد فك شيفرتها. ولكن المعنى كان واضحًا للجميع: التاريخ لا ينسى، والرموز التي تُقدَّس يمكن أن تحترق إذا خُنقت بالأكاذيب والظلم.
هكذا، وقف العالم ينظر إلى "السيدة الحرية"، وهي تحترق كعنقاء عظيمة، في انتظار أن تنهض من الرماد مرة أخرى. لكن السؤال الأكبر بقي عالقًا في الهواء: هل يستحق البشر أن تُمنَح لهم فرصة أخرى؟





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق