كنتُ أغفلُ ياأبي
أنَّ الله حضنُ أمِّ يضمُّ مخلوقاتهِ برأفةٍ و تحنانٍ
يهيءُ لهم مائدةَ طعامٍ مميزةً
وخوابي ماءٍ تطفئُ عطشهم
يمنحهم وطنَ الأمانَ ويكلمهمْ بالإيحاء
قبل أن يأتي قابيلُ ويمعنَ في التنكيلِ والخرابِ
ولم أكن أتصورُ أنَّ الله أجملَ مزهريةٌ تضمُّ المخلوقاتِ إلى صدرها كأضمومةِ حبقٍ و وردٍ
كنتُ أسيرُ في زحامِ البشرِ
أغفلُ آياتِ الخالقِ في الطبيعةِ
أتململُ من رتابةِ الأيام
يلفُّني الحزنُ ك عباءةٍ فضفاضةٍ
حتى حضرَ يوم المنعطفِ حينَ لوَّح الله لي بفرحٍ
ودعاني إليهِ جثا على ركبتيهُ
و شرعَ يصوغُ من صلصالٍ شفافٍ أفانينَ الوردِ
ويوزِّع ضروب الشجر على التلالِ والوديانِ
فتارةً يغرسُ الزيتونَ والتين
وطوراً يزرعُ التفاحَ والرمانِ
ينثرُ الينابيعَ في كل اتجاهٍ كما يتناثرُ عقدُ حسناءَ أمام الريحِ
رأيتهُ يسوَّي الأرضَ براحتي الحبِّ يزنِّرها بالسواقي والغدرانِ
يعصرُ النبيذَ في الدوالي وينثرُ القطعانَ على المراعي الخصيبةِ براحتيهِ فتسبحُ في بحرٍ من الخضرةِ
أدهشني الله حين راحَ يبدعُ الألوانَ
رأيته يحملُ علبة تلوينهِ السماويةَ الفاخرةَ
يلونُّ الزهرَ ويخلطُ العطرَ والبخور ويرشُّهُ على جيد الطبيعةِ فتنتعشُ الكائناتُ كلها حبوراً
ينفخُ في الكائنات فيمنحها الروح والحياة
وحين ينتهي من كلِّ لوحةٍ يختمها بختمِ الأبدِ يوزِّعُ الثمرَ على الفصولِ فيكسبها سمةَ الخلودِ
رأيتُ الله كيميائياً و فنَّاناً لامثيلَ لهُ يمزجُ الألوان والتوابلَ والعطورَ في مرجلِ الجمالِ فتسيلُ النضارةُ و يسبحُ السحرُ من أكمامِ الحدائقِ كما يقطرُ الشهدُ من فمِ النحلِ البهي ليسعد البشرَ
فأحببتُ أن أصيرَ فنَّانةً وكيميائيةً مثله
رأيتهُ شاعراً يكتبُ القوافي بالماء والسكرِ آناً
فيسكبُ البردَ في طروفِ العنبِ البلوريةِ
ويسكبُ الحامضَ و الحلو حيناً في كؤوسِ الرمانِ
فقررتُ أن أكتب الشعرَ مثلهُ
وجدتهُ فلاحاً مجتهداً لأنه يسكنُ حقول السنابلِ والقطنِ
فقررتُ أن أسكن معهُ
لن أغفلَ بعد اليوم عن وجههِ المتدفق حبّاً ورحمةً
كيف وقد أبدعَ في صوغي إنساناً على صورته كمثالهِ
من الآن سأعجنُ كلَّ ما أراهُ أو أسمعه أو ألقاهُ بماء الحبِّ
سألوِّنه بالنقاء لتدومَ الإشراقةُ في فؤادي
و لتسمو روحي في أقانيم الجمال
وأدع كلَّ ظنونِ البشرِ و أفكارهم السوداوية
سأترك قابيل يصنع مايشاء و أخطو حيثُ القديسين والنبلاء يبلغون بالرحمة عرش السعادة البهي
مع الله الآب كلُّ المواقيتِ فرحٌ وكلُّ الاماكنِ مقدَّسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق