الإهداء ::( الى أرواح شهداء مستشفى بن الخطيب )
——————————————————— :
كيف أرجع إلى البيت ؟! كيف أُواجه زوجتي وأولادي (طاهر وسُمية ) ؟! سيما وأنا لست من هؤلاء الذين يستطيعون إخفاء الأمور بسهولة …
ما إن ظهر تقرير فحص المختبر ، وصوت الرجل يدمر داخلي :
— مع الأسف زوجتك مصابة … صحة وعافية إن شاء الله ……
إذن قناصة ( كورونا ) قد استهدفوا زوجتي أخيرا … وعليّ أن أتماسك وأخبرهم بكل هدوء فقلت لها :
— أنتِ مصابة يا أمرأة … وعلينا أن نتماسك كعائلة … وسنهزم كورونا بعون الله …
حلّ علينا الوباء أخيراً … وقد أستهدف هذه المرة أمرأة صالحة مثل رحمة السماء هي زوجتي ٠
أصبح طريق مستشفى ( بن الخطيب ) الذي هو قريب من دارنا ، أصبح مألوفا جداً حيث أننا بدءنا بالتناوب لرعايتها داخل المستشفى بيني وبين طاهر وسُمية …نشدّ من أزرها ونزرع الأمل قدر المستطاع في قلبها المرعوب
— أنتِ … أنت القمر حين أضيع في الظلام …
قلت لها بالأمس ذلك مشجعاً …قبل ان اودعها ،فقد أنتهى واجب اليوم ليبدء واجب طاهر وسميه لرعايتها.
رجعت الى داري…ساحباً خطوي بتثاقل…تاركاً زوجتي ساخنه مثل غيمة ملتهبة…وقد التهمها الوباء الملعون بالكامل …ولكن الأمل سأجعله يزهر في قلوب عائلتي على الأقل .
رغم الألم الذي يعتصرني ،صور الأزبال…ورائحة الكلور…والأدوية تطفو في رأسي ، وخوف نابت داخلي من أن يلتهمنا المرض جميعاً ٠
مستشفى ( بن الخطيب) جحر بلا قوانين … إنه صورة مصغرة من وطني المنهوب بالكامل … وطن قد وقع في سورة فوضى عارمة … سياسياً … وفي كل زاوية من زواياه المظلمة ، وحتى الناس باتت تصفق كثيراً … وتتقاتل فيما بينها أكثر … وأنا واحد منهم وأنتمي إلى هاهنا للأسف ٠
تعبت من الاوهام … وتسألت :
— كيف نعيد الأمل لمملكة ممزقة كخرقة بالية ؟؟
ردّ عليّ طاهر:
— الارض والسماء هي نفسها … لكن المشكلة في الناس فينا يا أبي …
قالت سمية أيضاً :
— ومن ينقذنا ؟ ؟
هذا هو السؤال الذي بدأ يتأرجح بين دهاليز ودروب وبيوت ومقاهي الوطن وقلت لهم:
_ لا احد... وكفى
المسوخ تتقاتل في شوارع الوطن والمرضى يتقاتلون مع اشد وباء ضراوة... والآمال معلقة علو بوابات ودهاليز المستشفى
ارواح العباد خارج المستشفى تنزف ايضا ... تائهون جميعًا ... يتعثرون بالكوارث ، كارثة بعد اخرى
امال الناس في الشوارع وبدون استثناء يتشبثون في آمال الغد .... والغد نفس الايام السالفات مسافرة في ظلام مطلق..
خبال تحت النجوم... شعب بدون بريق للرضا ... يحملون سلفا سوء الحظ ، يتخيرون ليلًا ونهارًا قائدا ما يأتيهم من بعيد... شاهرا سيفه ، وحصانه الابيض يشق بجناحية الى السماء ليقتل القاصدين والمارقين... والفاسدين... يحمل تحت عبائته عدلا وبهجة... قائدا يقول لنا:
_ أيّ نوع من السعادة تريدون؟؟
رفعت صوتي لأختار :
_ أريد أن تسعدني بشفاء زوجتي...
أيّ طلب هذا؟؟ أحس بأني سخيف جدا،أحس بأني أناني جداً ...شوارع الوطن تلتهب وأنا افكر بزوجتي!! ماهذا الخبال ؟؟
عدت الى وعيّ وجدت نفسي قرب المنزل فتحت الباب ، دخلت ثم خرج طاهر وسمية ذاهبين الى المستشفى بدلاً عني
_ بابا كيف حال امنا اليوم ؟؟
_الحمدلله افضل من امس
لقد عدت منها للتو تركتها سيدة تلمع بالجمال والأيمان...
مسبحة في يدها .... تدعوا ليلًا ونهاراً لها ولكل الراقدات ...
ولكل الناس المصابون بهذا الوباء اللعين
اما هي فقدت ودعتني برسائل حب من عينيها وآخر ما سمعته منها:
_ أرسل لي طاهر وسمية
استلقيت متداعياً من التعب والخوف والسخط أستلقيت على سريري... ولأول مرة أنام ... أنام بعمق من اول وهلة
أشرقت الشمس ... رأيت ضؤها من شباك غرفتي والصبح قد حلّ كما يبدو... لقد تأخرت بالنوم هذا اليوم أحس بالبرودة رغم إعتدال الجو، تلفت انا وحيد في البيت ... الباقون في المستشفى
_ عليّ ان اتصل بهم
همست لنفسي ... نعم علي أولاًالإفطار ثم العودة للمستشفى فقد حان دوري وليرجع طاهر وسمية الى البيت ٠
المستشفى قريبة من داري، مسافة اقل من ربع ساعة مشياً على الاقدام تناولت لفة بائتة وشاي على السريع ثم خرجت متجهاً صوب المستشفى …الشارع مزدحم-ليس كالعادة- الناس كثر، وسيارات الاسعاف تتعاقب... الإطفاء تصرخ وتولول ... الناس تتراكض ... تتسأل... الشوارع مصبوغة بلون الفحم ورائحة لحم محروق تصل خياشمي، وخوفٌ بدأ يتسرب داخلي بإصرار، أسرعت الخطى ، الجيران ينظرون اليّ بذهول وكأنهم يروني لأول مرة ،أحدهم أحتضنني بشكل مفاجئ ودموعة تنهمر ... وأنا لا أدري مالخبر...مالذي حدث ولكني ما إن دنوت لم ار منها سوى الرماد يعلوها والرجل ممسك بتلابيبي ... … واخيراً الخبر يمزق أذنيي ويفتق لي القلب ويدخلني في حفرة سوداء من الذهول ومن الرعب ومن الحزن وها انا اشعر بأني بدأت أميل .... أميل يمينا ويسارا أصعد وأهبط ثم ذهبت في اللاوعي بالكامل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق