ورقة على قارعة الاندحار ، ورقة وحيدة، ولعلّها آخر أوراق السّلالة أو تكاد .في العتمة المميتة تترصّدها نار المحرقة ، تهرب فيتلقّاها الصّقيع، يُذهل لونها، يقول ما عادت الألوان من شأنك، وحده السّواد أو الضّباب أو الغياب قدرك.تلتفتُ في لهفة فتراها من بعيد طيفا هزيلا، شجرة على شفا الهلاك تنتحب، تستجدي عطفة، بِرًّا من الورقة الأخيرة، تهمسُ بشغف الغريق، لا تتركيني، إنّني أخشى العاصفة، أخاف من الزّوبعة وأنا عارية، في وجه الفأس مثل قربان حزين، مقيّد اليدين، منَكّس الحبين. ترين يا ابنتي أنّ الوقت يسرقُ منّي كلّ شيء، يُرديني فأضحي شهوة للمواقد، تفتح ثغرها في وجهي سعلاة عجيبة، تقدح النّار حولي وتشتهيها فيّ فأضيع بين الفأس المترصّدة والنّار المتحمّسة والرّيح تعدّ مزاميرها لتحميس المولعين، تزفّ عصفها شمالا ويمينا . ترتجفُ الورقة، يا للبِرّ يجهدُ القلب، يُقرّحُ الجفن والحركة تكاد تختفي، لكنّها ترفع العقيرة، تفتّشُ في السّواد عن مشط وضفيرة تُجدّلُ خصلات العتمة فترتخي، يسقط منها شال الموت فتهتزّ الشّجرة وهي ترى في العمق بصيص أنوار، ضوء شحيح يعتلي رأسها، يتردّد من شعاعه صدًى ، صوت كأنّه آت من الأزل ، أمّاه هل تُرهبك الأحداث أمْ أنّني أحلم.أمّاه إن كان يحويني الضباب فإنّني فيك باقية، في أغصانك العارية تركتُ أنفاسي ودوّنتُ وصيّتي، عقْدي مع الرّبيع ثابت لا تزلزله أحداث ولا يغيّره وقت، لا تعيري اهتماما للنّاعقين في السّراب، أولئك يدّعون الهزج بالرّبيع لكنّهم في الحقيقة حوّلوا كلّ الفصول إلى فصل وحيد ، خريف يشهق تحت ضربات الزّوبعة ، يعلوه اصفرار لا يعرف تحوّلا . لكنّي أومن بكِ، بالغد ، ستعودين كما عرفتكِ دائما، أمّا وارفة الظّلال، باسقة الهامة. أمّاه من أجلك ، من أجل الصّفاء دمي أقدّمه قربانا، أنا ابنتك سليلة الثّبات، علّمتني مذ كنتُ ثوب برعم صغير معاني الصّمود ، وسأظلّ رغم الضّيم أعود مثل المواسم أو الفصول، على أغصانك أعلّق الشّال الأخضر و أبقى رغم الغياب علامة للصّمود في وجه الاندحار ، في وجه الأذيّة.
تونس ... 18 / 2 / 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق